منذ حزيران 2019، كان من المفترض أن تجري وزارة الخارجية والمغتربين مناقلات دبلوماسية، لكنّها عُرقلت بجهود عدد من الدبلوماسيين غير الراغبين في العودة من البعثات في الخارج إلى بيروت. المعلومات تُشير إلى أنّ الوزير جبران باسيل أعاد تحريك الملفّ حالياً، وسط عدم حماسة أيّ من القوى له
يحتاج السلك الدبلوماسي اللبناني إلى إجراء مناقلات معدودة بين البعثات والإدارة المركزية كان يُفترض أن تجرى منذ حزيران 2019. عوامل عدّة أجّلت بتّ الموضوع، وآخرها التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي رمت بالملفّ إلى سلّة «الثانويات». دبلوماسيون انتهت مدّة خدمتهم في الخارج (10 سنوات للفئة الأولى، و7 سنوات للفئة الثانية) يجب أن يُعاد تشكيلهم، ويُستبدلوا بسفراء من الإدارة. هو شأن إداري روتيني، تحوّل كما جرت العادة إلى مادّة للتجاذب، وسط مُحاولة كلّ فريق معني أن لا يفقد «الجزيرة» الخاصة به في وزارة الخارجية والمغتربين. التعامل مع الموضوع بمنطق المحاصصة السياسية، وغياب المعايير الواضحة، قسّما الآراء داخل الوزارة وعزّزا الانقسامات بين المديرين داخلها.
ملفّ التشكيلات ينقسم إلى قسمين: المناقلات والترفيعات. والقوى المُتجاذبة تتنوّع بين: التيار الوطني الحر، الدبلوماسيين في الإدارة، السفراء في الخارج، حركة أمل و«ضابط الإيقاع» بينهم الوزير ناصيف حتّي. لكلّ واحد من الأفرقاء حُجّته لنسف المناقلات أو إمرارها، يندر أن يبرز بينها «دافع مِهني».
بعد إتمام عددٍ من التعيينات الرسمية، ولا سيّما المالية، وجد التيار الوطني الحرّ الظرف مُناسباً لإمرار هذه التعيينات أيضاً، وخاصة أنّ ميزان القوى الحالي داخل مجلس الوزراء (تعيين دبلوماسيين فئة أولى يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء) يسمح بذلك. ويربط «التيار» بين المناقلات التي يجب أن تحدث، وترفيع عدد من الدبلوماسيين من الفئة الثانية إلى الأولى. هذا «الاتهام» يرميه سياسيون ودبلوماسيون في وجه «التيار»، مُعتبرين أنّ الهدف الأوحد من إشعال النار من جديد تحت الملفّ هو «تعزيز سيطرة باسيل في البعثات التي يعتبرها ذات أولوية». تتكلّم المصادر عن نفوذ باسيل داخل الوزارة، وكأنّه لا يوجد وزير جديد، «نعم لأنّ مدير مكتب باسيل، هادي هاشم، لا يزال مُدير مكتب حتّي، ومستشار باسيل، الطبيب طارق صادق لا يزال هو المُشرف على ملفّ التعيينات والتشكيلات الدبلوماسية، وقد بدأ الاتصال بعدد من الدبلوماسيين لهذه الغاية». كلام تنفيه مصادر «التيار» التي توضح أنّه «طرحنا على الوزير حتّي عن المناقلات التي يجب أن تتمّ، فجال على القوى السياسية (زار حتّي أخيراً رئيس مجلس النواب نبيه برّي) وحسب ما فهمنا أنّ الأمر ليس أولوية». من جهتها، تقول «الخارجية» إنّ قوى سياسية عديدة تطلب «وتتحدّث بالموضوع، لكنّ التشكيلات لا يُصدرها إلّا الوزير»، في ردّ على ما يُقال عن «سيطرة» باسيل على الوزارة.
ميل الميزان السياسي لمصلحة باسيل، اعتبره فريق من الدبلوماسيين سبباً لعدم إمرار المناقلات حالياً. مُشكلتهم ليست مع «المحاصصة» المُتجذّرة في «الخارجية»، بل غياب التوازن السياسي وأدنى المعايير «بطريقة لم تشهدها الخارجية مُسبقاً». الحديث بين أروقتهم أنّ باسيل «يُريد تمكين نفسه دبلوماسياً، وتبديل السفير فريد الخازن في الفاتيكان، من دون أن يظهر بعد إن كان الرئيس ميشال عون موافقاً (يقضي العُرف بأن يُعيّن رئيس الجمهورية عدداً من السفراء من خارج الملاك، غالباً ما تنتهي ولاياتهم مع انتهاء الولاية الرئاسية)، وتعيين سفير جديد في روما، وسفير جديد في واشنطن بعد إحالة غابي عيسى إلى التقاعد في آذار 2021». كما أنّه يعمل لترفيع هادي هاشم من الفئة الثانية إلى الأولى، «رغم أن ترتيبه في الأقدمية يأتي بالمرتبة 20، ويُحكى عن أنّه هو سيكون السفير في واشنطن». تردّ مصادر باسيل بأنّه «لم يُحسم بعد المركز الذي سيُعيّن فيه هاشم. أما في ما خصّ الترفيعات، فهذا قرار سياسي وضمن إطار السلطة الاستنسابية التي يملكها الوزير. اسم هاشم من الأسماء المطروحة». ألا يُعدّ ذلك تمييزاً وقلّة مساواة بين الدبلوماسيين؟ «حين يُعيّن شخص من خارج الملاك يجري تقديمه على 60 دبلوماسياً، على الأقل هاشم من ضمن الملاك».
حركة أمل: المناقلات بحاجة إلى نضوج ظروف سياسية داخلية
المُعترضون أيضاً هم السفراء الذين شكّلوا العام الماضي «لوبي» في الخارج («الأخبار» 24 حزيران 2019). نجحوا في إفشال المناقلات لعدم رغبتهم في تسليم مناصبهم رغم انقضاء فترة خدمتهم. أعاد هؤلاء تزييت مُحرّكاتهم، مُستغلين أزمة «كورونا» العالمية لعدم إتمام المناقلات. ورهانهم الحالي أيضاً «هو على عامل الوقت، وإمكان استقالة حكومة حسّان دياب، فيُكملون سنتين لهم في الخارج»، بحسب مصادر دبلوماسية. يلتقي موقف هؤلاء الدبلوماسيين والمديرين، ظرفياً، مع موقف قوى سياسية وتحديداً حركة أمل التي تسأل إن كان «جوّ البلد الداخلي يسمح بأن نُجري مناقلات وترفيعات». حركة أمل لا تعترض على «النفوذ الباسيلي» أو ترفيع دبلوماسي دون آخر، بل تسأل: «أليس أولوية لبلد مُنهار أن يُعيّن، مثلاً، رئيس لمجلس الإنماء والإعمار على تبديل سفير؟ المناقلات الدبلوماسية بحاجة إلى نضوج ظروف سياسية داخلية». وما صحّة اشتراطكم الحصول على مديرية الشؤون السياسية للموافقة على إمرار المناقلات؟ «مُجرّد تسويق لموقف غير دقيق».
على الجبهة المقابلة، يقف دبلوماسيّون مُرشحون لأن يُحرموا من حقّهم الوظيفي في عجقة الحسابات السياسية، و«أنانية» زملاء لهم يُريدون الحفاظ على «مكتسبات» الوظيفة والتفكير بمصالحهم الخاصة (عدا عن العلاقات التي تؤمنها رئاسة بعثة، وبحساب فارق الدولار بسعر السوق، ربما يصل راتب سفير في الخارج إلى 20 ضعفاً راتب زميل له في الإدارة المركزية في بيروت)، من دون أدنى اعتبار لارتباط مصير غيرهم بهم. 10 مديرين في الإدارة المركزية، رُفّعوا إلى الفئة الأولى قبل ثلاث سنوات، وأُعيدوا مُباشرةً من البعثات الدبلوماسية في الخارج إلى الوزارة. لم يترأسوا بعد أيّ بعثة، لذلك ستكون هذه فرصتهم الأولى. أضف إنّ معظمهم تخطّوا حاجز الـ 54 عاماً، لذلك أي تأخير يعني أنّه لن يتمكن من إتمام الولاية المسموح بها في الخارج وهي 10 سنوات قبل التقاعد. على الرغم من ذلك، لا يزال الجواب الرسمي في «الخارجية» هو أنّه «لم نُقرّر ماذا سنفعل. ولكن في هذه الظروف الصحية وإقفال المطارات، هل يستطيع أحد أن ينتقل؟». بالمناسبة، دول أوروبية عدّة لم توقف حركة المناقلات الدبلوماسية، حتى في عزّ انتشار «كورونا».