IMLebanon

محاصصة ديبلوماسية برعاية “اليد الخفية”؟

 

 

في جلسة القرارات والتعيينات الأولى خَلعت الحكومة حجاب الاستقلالية وغير الحزبية، فوضحَت المحاصصة في التعيينات الادارية وظهر بوضوح الارتباط الحزبي للوزراء الذين أوقفوا الجلسة للركون الى قرار مرجعياتهم وترجموا مواقف قياداتهم على طاولة مجلس الوزراء. هذا متوقّع بالنسبة الى جهات سياسية ترى أنّ تسويةً جَرت قبل التأليف بين أفرقاء الحكومة شملت أيضاً المحاصصة في التعيينات كافة، ومن ضمنها التشكيلات الديبلوماسية المرتقبة والمُسرّبة، التي يشتمّ منها البعض «طبخة محاصصة» عرّابها صاحب «اليد الخفية» في وزارة الخارجية والمغتربين وفي تأليف الحكومة.

شهدت وزارة الخارجية في السنوات الأخيرة مظاهر خارجة عن تاريخها، منذ أن تولاها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، مثل رفض استنكار استهداف الدول الخليجية، لا سيما منها السعودية، إضافةً الى سابقة استدعاء سفراء واستجوابهم. وفي حين استقال الوزير ناصيف حتي من هذه الوزارة بسبب التدخلات السياسية كما قيل حينها أو لأنّه لم يتمكّن من العمل كما أعلن، شهدت الوزارة انتكاسة أخرى مع الوزير السابق شربل وهبه بعد الإشكال الذي أحدثَه كلامه عن الخليجيين والسعوديين تحديداً، فأدّت كلمة «بدو» الى تجميد عمله في حكومة حسان دياب المستقيلة آنذاك. بعدها، تُوجّت هذه المظاهر بالإشكال «شبه العسكري» في حرم الوزارة بين وزيرة الخارجية بالتكليف السابقة زينة عكر والأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي لدى مغادرة عكر الوزارة مسلّمة مهماتها الى الوزير الجديد عبدالله بوحبيب. هذا عدا عن المشكلات الإدارية بين شميطلي وسفراء ومدراء في الوزارة، بحيث تقدّم كلّ من مدير الشؤون السياسية في الوزارة السفير غدي خوري ومدير الشؤون الادارية السفير كنج الحجل، منذ نحو عام، بدعوى أمام مجلس شورى الدولة بحق شميطلي جرّاء اتخاذه إجراءات عقابية حيالهما يعتبران أنه لا يحق له اتخاذها.

 

الى هذه الفوضى تُضاف الآن فوضى جديدة الى الوزارة بجزءيها الداخلي والخارجي، فيشهد الوسط الديبلوماسي اللبناني تململاً وترقّباً لما ستؤول إليه التشكيلات الديبلوماسية المرتقبة، في وقتٍ يُحكى عن «طبخة محاصصة» شبه جاهزة، من باب نقل شميطلّي الى الخارج واستبداله بأمين عام جديد للوزارة، ليَلي هذا الإجراء تشكيلات تبدأ بتعيين سفراء في المراكز الشاغرة ونقل سفراء الى الداخل تَخطّت خدمتهم في الخارج الفترة القانونية، في ظلّ حديثٍ يدور عن «يَد خفية» تسيطر على الوزارة وهذه التشكيلات، وعن دور لباسيل في التعيينات الديبلوماسية التي يُحكى عنها، والتي تشهد خرقاً للقوانين والأعراف، بحيث يُتداول في تعيين مدير مكتب باسيل السابق هادي هاشم سفيراً للبنان في دمشق في حين أنّ هناك ديبلوماسيين كُثراً أعلى رتبة منه، كذلك يُتداول في تعيين غدي خوري سفيراً في الفاتيكان على رغم أنّ هذا المركز ليس شاغراً ونقل السفير لدى الكرسي الرسولي الدكتور فريد الخازن الى دولة أخرى، على أن يُعيّن شميطلي سفيراً في المغرب. كذلك يُطرح تعيين سفير للبنان في واشنطن، وبديلاً من السفير رامي عدوان في باريس. وبحسب معلومات، اقترح باسيل إسم إعلامية من خارج الملاك لتُعيّن سفيرةً في واشنطن، على رغم أهمية هذا المركز وحساسيته.

 

الى ذلك، يُتداول بأسماء سفراء آخرين سيُستبدلون أو يُنقلون الى الداخل أو يُشكّلون من الادارة الى الخارج. وبحسب مطّلعين معنيين إنّ «مقاربة التشكيلات تجري بلا معيار أو مقياس، بل وفق المحسوبيات، وكأننا نُضيف فوضى الى فوضى قائمة في الوزارة».

 

هذه التشكيلات مجمّدة منذ سنوات مع أنّها ضرورية لأنّ هناك مخالفة للقانون بسبب تخطّي عدد كبير من السفراء فترات عملهم في الخارج، فأيّ سفير في الملاك من المفترض أن يبقى لـ10 سنوات كحد أقصى في الخارج، على أن يُنقل الى الادارة وتحصل مداورة بين الداخل والخارج. وبلغ عدد السفراء الذين يجب أن يعودوا الى الإدارة نحو 15، فيما المراكز الشاغرة تبلغ أكثر من 10، ومنها السفارات في: واشنطن، سوريا، الاردن، الكويت، اليونان، سيراليون وقطر. كذلك هناك مراكز ستشغر لأنّ هناك نحو 15 سفيراً تجاوزت خدمتهم في الخارج الفترة القانونية، فضلاً عن أنه أجريت في الفترة الأخيرة تعيينات موقتة لـ»سفراء مهمة» في الكويت والبرازيل وقطر.

 

وبالتالي، يجري الحديث الآن عن مرحلة أولى تقضي بإجراء تشكيلات جزئية، يكون مَبدؤها ملأ المراكز الشاغرة. ويبدو، بحسب مطّلعين، أنّ «المحسوبيات» تحكم التشكيلات الديبلوماسية على رغم الوعود بأنّ هذه الحكومة لن تكون كما سابقاتها، وأنّ المطلوب ليس تعيين سفراء بحسب الكفاية والأحقية بل «زلم» يقولون: «أمرك سيدنا» و»yes man»، وبالتالي سيطرة كاملة على الوزارة».

 

وفي حين أنّ التشكيلات تتطلّب موافقة مجلس الوزراء، يجري تحضير «الطبخة» مسبقاً لكي يمرّ المرسوم في مجلس الوزراء بسلام، بصرف النظر عن الكفاية والأداء والاعتبار المالي. ولا تنكر مصادر معنيّة التشكيلات المتداولة، لكنها تقول: «لا شيء خطيّاً بعد، هذا كلّه لا يزال في إطار الكلام والأفكار». وتشير الى أنّ هناك مشروعين مطروحين جدياً، الأوّل يهدف الى استبدال شميطلي، وحين تصبح هناك لجنة إدارية مكتملة مؤلّفة من الامين العام الجديد وخوري والحجل، تُصدر قراراً وتقدّم اقتراحاً بالتشكيلات الى وزير الخارجية. وتشرح هذه المصادر طريقة إجراء التشكيلات عادةً، بحيث بعد أن يصل الاقتراح الى الوزير، يعرضه على المرجعيات السياسية، ووفق المطالب السياسية بتعيين سفراء أو استبدال آخرين أو وضع فيتو على اسم معيّن في سفارة محدّدة، يدخل الوزير هذه التعديلات الى الاقتراح، قبل أن يعرضه على مجلس الوزراء، لتُبصر التشكيلات النور بمرسوم. والآن، بسبب المشكلات الإدارية بين شميطلي من جهة وخوري والحجل من جهةٍ ثانية، فإنه إذا لم يُنقل شميطلي ويُستبدل ستُعرقل هذه الخطوة انطلاقة التشكيلات، أو أنّها لن تبدأ من اللجنة الإدارية بل سيعمل عليها الوزير بمفرده، علماً أنّ غالبية السفراء الذين يشغلون الآن مراكز إدارية في الوزارة يرغبون في نقلهم الى الخارج، فعملهم الأساس أن يكونوا «سفراء». وبالتالي، إنّ الخطوة الاولى في مسار التشكيلات جزئية، بعدها يبدأ الجدي منها. وبحسب معلومات، هناك إجماع سياسي على استبدال شميطلي ونقله كفاتحة للتشكيلات الأخرى.

 

وبالتالي، بعد أن شكّلت القوى السياسية هذه الحكومة، التي كان يُفترض أن تكون مستقلة، وأبصرت النور بعد أن فاوضَ الرئيس نجيب ميقاتي باسيل، وهذا الأمر رفضَ القيام به الرئيس سعد الحريري، وبعد أن أعلن وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أنّه التقى باسيل قبل توزيره بطلب من القصر الجمهوري وبموافقة ميقاتي، هل هذه الحكومة التي يطالبها المجتمع الدولي بكامله بالإصلاح وتغيير طريقة العمل ونهج المحاصصة، ستُضيف الى مآثرها تشكيلات ديبلوماسية بمُحاصصة تديرها «اليد الخفية»، علماً أنّ وزير الخارجية الحالي هو من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون؟