IMLebanon

صرخة أصحاب “الرداء الأبيض”… حمد حسن ألا تسمع؟

 

مواجهة بين “الصيادلة” و”الأطباء” ولقاحات الأطفال في خطر

 

في الطبّ يتعلم الطبيب اكتشاف أسباب المرض والصحة، أما هنا، في لبنان، فيتعلم كيف يجعل “واحداً وواحداً” يساويان 11! أخطبوط! حتى الطبيب، الطبيب الإنسان نفسه في لبنان، حين سيكتشف دهاليز القطاع الصحي سيُصاب بخيبة أمل! فلنقتحم دهاليز وزارة الصحة والصيادلة وشؤون أطباء الأطفال وشجونهم، و”الوصفات الطبية” وعالم “خذ ولا تعطي” والكثير ممن كنا نظنهم جسر أمل!

على قاعدة “عم إحكي للجارة حتى تسمع الكنّة” يتهامس العاملون في القطاع الصحي في لبنان عما يدور في الكواليس، من تجاذبات بين نقيب الصيادلة وجمعية طب الأطفال في لبنان ووزارة الصحة ونقيبي الأطباء في بيروت والشمال. تفاصيل “بتشيّب الراس”، استدعت حراك أطباء الأطفال والدعوة الى اعتصام اليوم أمام وزارة الصحة العامة في بيروت.

 

بدأت القصة مع نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين الذي راح يفتش، منذ اشتدت الازمة الإقتصادية في لبنان، عن موارد إضافية “تُنعش” 3400 صيدلية في لبنان! بحث كثيراً الى أن وجد قانوناً قديماً للصيدلة، عمره 65 عاماً، يقضي بحيازة الصيدليات على اللقاحات. وخرج النقيب ليقول بعد اجتماع مع وزير الصحة حمد حسن بوجوب “تطبيق قرار حصر بيع اللقاحات (كما الحفاضات ومشروب الطاقة) بالصيدليات”.

 

قرارٌ من حيث الشكل، لمن لا يعرف مكامن الأمور، عادي، لكنه يحمل في مضامينه “أسراراً” وأبعاداً جعلت 1300 إختصاصي في طب الأطفال في لبنان ينتفضون، معلنين دخول لبنان متاهة “اللاأمن الصحي”! فهل علينا أن نرفع الصوت مع هؤلاء ونسأل الدولة الواقعة في غيبوبة: هل يمكننا الإطمئنان الى أطفالنا؟ هل الأمن الصحي موجود؟

 

فلندخل في التفاصيل، كما يرويها أطباء الأطفال، أكثر. تضم وزارة الصحة العامة لجنة للقاحات الأطفال يتمثل فيها أطباء الأطفال ومنظمة الصحة العالمية وهيئات عدة، لكن لم يتمثل فيها ولا مرة الصيادلة. وأطباء الأطفال يفتخرون أن لبنان، على الرغم من كل أزماته، آمن من الأوبئة الكثيرة وهذا بفعل التحصين الآمن الذي يمارس. فلماذا قبول وزارة الصحة العامة في لبنان، الآن بالذات، وضع سياسات جديدة قد تؤدي، لا بل ستؤدي، الى اضمحلال هذا الأمان؟

 

سؤال يطرح نفسه: لماذا كل هذا الخوف؟ وهل يخشى أطباء الأطفال على منفعتهم الشخصية أم على المنفعة العامة؟ يتحدث أطباء الأطفال عن دقة التعامل مع اللقاح الذي يتطلب كمّاً من المعلومات إلى الأمان في النقل والتبريد يسمى “سلسلة التبريد”، كما الى معرفة عميقة في ماهية كل لقاح وطريقة تعارضه مع حالات وأنماط وأدوية وأمراض. ماذا يعني كل ذلك؟ المواطنون، الأهالي، يريدون أن يفهموا أكثر؟ تحاول طبيبة أطفال أن تشرح: “هناك لقاحات تأتي بها وزارة الصحة وتُعطى في المستوصفات وهناك لقاحات تصل الى أطباء الأطفال، بأسماء صيدليات، غير أن الطبيب يحرص على التأكد من طريقة نقلها وتبريدها من المصدر الى جسم الطفل. وهذا ما لن يكون متاحاً بعد اليوم. هناك أمر آخر، وهو أن الصيادلة، أو بعضهم كي لا نظلمهم جميعاً، قد يعمدون الى إعطاء الطفل اللقاح بأنفسهم “على التتخيتة” وهو ما قد يتسبب بمشاكل لا يعرف مداها. وتشير طبيبة اطفال الى إحدى الصيدليات الكبيرة في منطقة الضاحية التي تمّ إيقافها عن العمل بموجب 600 حكم بالقيام بأعمال تتجاوز مهنة الصيدلة، وبعد أقل من 24 ساعة افتتح صاحبها مستوصفاً في الطبقة التي تعلو الصيدلية ليتمكن من القيام بكل “مخالفاته” تحت ستار شرعي!

 

الطفل قد لا يكون جاهزاً لإجراء اللقاح. قد يكون مريضاً. وربما يكون قد أخذ كورتيزون في خلال الأسبوعين اللذين سبقا موعد لقاحه. وقد يكون قد تجاوز الشهر الثامن ما يعني أن لقاح الروتا قد يتسبب له بعقدة مصران وقد وقد… نقيب الصيادلة ووزير الصحة يريدان تسهيل الأمور المادية على المواطنين؟ ثمة مستوصفات، فليذهب إليها من يشاء، وهي تتمتع بأمانٍ تفتقر إليه الصيدليات. ويتحدث طبيب أطفال عن أن القانون يمنع الصيدلي من القيام بأعمال طبية في صيدليته حتى ولو كان حائزا على شهادة في الطب العام. لكن هذا ما لا يحصل. الصيادلة يصفون الأدوية ويحقنون الإبر وينوون أن يقبضوا على لقاحات الأطفال، وكل هذا تحت حجة بحثهم عن موارد مادية جديدة!

 

إذا كانت نقابة الصيادلة تقوم بما تقوم به، لمصلحتها، فماذا عن وزارة الصحة التي تتعاون معها وتقرر معها؟

 

يتحدث أطباء الأطفال في لبنان، الذين لن يجلسوا مكتوفي الأيدي متفرجين، عن “تعاون” وتقارب كبيرين بين نقيب الصيادلة غسان الأمين ووزير الصحة الذي هو صيدلي ومعظم مستشاريه صيادلة. والنقيب يعرف كيف يلعب على الوتر المطلوب بالقول “إن الصيادلة في خطر وسنبحث عن أي طريقة لزيادة إيراداتهم”. في كل حال، أطباء الأطفال إعترضوا وبعثوا بكتاب الى نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف ووزير الصحة العامة حسن حمد وسجلوه في الوزارة. وهم طالبوا أكثر من مرة بإعطاء العمولات الى الصيادلة لكن ممنوع أن يعطى الصيدلي حق التصرف باللقاح كما يشاء، أسوة بالحفاضات ومشروبات الطاقة. ثمة أمر آخر لفت إليه الأطباء وهو أن الصيادلة قد يلجأون الى جلب لقاحات “مش معروف أصلها وفصلها” من أجل مزيد من الربح، ما دام هذا هو همهم الأول، وحينها قد يدفع الأطفال الثمن.

 

نسمع أطباء الأطفال يتحدثون عن الصيادلة وكأنهم “بعبع” فهل علينا أن نصدق أنهم قد يفعلون أي شيء من أجل زيادة عمولاتهم؟ نحن في بلد، بحسب الأطباء، لا يوجد فيه مختبر مركزي قادر أن يُحدد نتائج ما يدخل من أدوية ولقاحات بدقة. وكلنا نسمع الآن عن أدوية الجينيريك، التي يُشدد عليها أيضاً نقيب الصيادلة ووزير الصحة بحجة مصلحة المواطنين، مع العلم أن ثمة أدوية أصلية “براند” بسعر أقل بكثير من “الجينيريك”. ولا يمكن لأي طبيب أن يثق بدواء جينيريك من مصادر غير آمنة. وهنا، في هذا الإطار، يتحدث الأطباء عن فتح وزارة الصحة الباب على الهند. وفي المعلومات التي أدلوا بها وجود نحو ثلاثين دواء هندياً في وزارة الصحة الآن، تنتظر كلمة السرّ لتوزع في صيدليات لبنان. وتتحدث إحدى الطبيبات في هذا الموضوع عن “جنون” اللجنة الصحية في مجلس النواب اللبناني حين عرفت بوجود هذه الأدوية. وقد أرسلت بطلب الوزير وقالت له بالحرف: ممنوع توقيع قرار إدخال هذه الأدوية من دون العودة إلينا وفق آلية واضحة.

 

نقيب الصيادلة في لبنان يملك، لمن يهمه الأمر، أكبر مستودع أدوية في لبنان وهو أكبر موزع. وهو سبق وقال لـ”نداء الوطن”: أدوية الجينيريك قد تكون خياراً أوّل في الفترة المقبلة، كون لبنان سيُصبح “بلد الفقراء” وسعر دواء الجينيريك، الذي يقل بنسبة ستين في المئة عن الدواء العادي، يتناسب مع الفقراء. ويفترض تقديم حوافز للصيادلة من أجل تمكينهم من تغيير “الوصفة الطبية” بأدوية جينيريك تحتوي نفس التركيبة ولديها الفعالية نفسها. دور الصيدلي يكون بالتدخل حين يصف الطبيب “براند” ويكتب في الوصفة الحرفين الأجنبيين التاليين: “NS”، ويعنيان بالعربية: لا للإستبدال. هنا يفترض أن يتدخل الصيدلي إذا مُنح حقّ التدخل”.

 

النقيب يريد أن يغيّر ما يشاء ويتدخل في ما يشاء، ودائماً بحجة “نجدة الفقير” لكن هناك من يتحدثون اليوم، في القطاع الصحي، عن نوايا شخصية، ذاتية، تحثه على نشر أدوية الجينيريك “من الهند ومن إيران”.

 

لكن، ما موقف نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف من كل ما يحصل؟

 

النقيب هو طبيب قلب أطفال، وتضم نقابة الأطباء في بيروت أربعة أطباء أطفال آخرين، يعني يفترض أن تدرك هذه النقابة ومجلسها جيداً ما يدور، لكن ما حصل أن النقيب أبو شرف سبق ووقّع مع نقيب أطباء الشمال ووزير الصحة ونقيب الصيادلة، من دون إستشارة جمعية أطباء الأطفال، على القرار. والنقيب أبو شرف عاد وقال لأطباء الأطفال: أنا معكم، تحركوا وسأساندكم لكنني لا أستطع محو توقيعي. نشير هنا الى أن النقيب أبو شرف هو نفسه من سبق ووضع الوصفة الطبية الموحدة التي لم يلتزم بها الصيادلة. في كل حال، يبدو أن نقيب أطباء بيروت قرر أن يعود ويتحدى علناً بتبنيه اعتصام اليوم امام وزارة الصحة تحت شعار “صحة المواطن أولوية”، احتجاجاً على الآلية التي اقرها حمد حسن لايصال اللقاحات الى الأطباء. وسيكون شرف أبو شرف في مقدمة المعتصمين. يبدو أن الأخير بلور قراره هذا بعد تسرب أول البارحة رسالة صوتية بعث بها نقيب الصيادلة الى زملاء له يقول فيها: “وقّع وزير الصحة القرار (قبل انتهاء عمل اللجان الموكلة البحث فيه). اطمئنوا وهو الآن في جيبي وسآخذه بنفسي الى الديوان لأعطيه رقماً”.

 

هذه الرسالة أثارت غضب الكثيرين وبينهم شرف أبو شرف. قبل أن نقفل البحث نشير الى أن هناك لجنة شُكلت من قِبل وزارة الصحة لتبحث في هذا الإجراء وتضم أسماء من نقابة الصيادلة ونقابة أطباء الأطفال في لبنان ومستشار الوزير حسين محيدلى. وهي اجتمعت مرة واحدة فقط. ونقل كلام بالتواتر أن في وزارة الصحة من قال: “إنتهوا من هذه القضية كي نرتاح من “الزقيفة”” و”الزقيفة هم أطباء الأطفال في لبنان.

 

 

اليوم، في تمام الحادية عشرة، سينزل أطباء الأطفال ولبنان الى الإعتصام. وقد يذهب نقيب الصيادلة الى الديوان مع “القرار” الذي وقّع “على غفلة” من دون رضى أصحابه ليعطيه رقماً. ويبدو من مجريات الأمور أن “البلد مش ماشي” و”الأمن الصحي” على مفترق طريق و”الموسى” قد بلغ ذقن أطفال لبنان!