على أي أسس يستبدل وزير الصحة أي موظف؟
أيا كانت المواقف التي كُوّنت عن أداء الوزير حمد حسن حول استنسابيته في توزيع السقوف المالية على المستشفيات بطريقة تبدو للبعض طائفية، ومهما تباينت الآراء إزاء تفضيله الهئية الصحية التابعة لـ”حزب الله” على الصليب الأحمر اللبناني، أو حول عزله موظفي الوزارة من ملف “مواجهة كورونا” وأموال البنك الدولي… فإن كل ذلك “نقطة في بحر” ما قد يسفر عن قضية استبداله الدكتورة ربيعة بحمدوني حرب بموظفتين أهم مؤهلاتهما “طائفتهما” لا بل “مذهبهما” و”انتماؤهما الحزبي” لفريقه السياسي!
بلا سبب؟!
لا جواب شافياً أُعطي حتى الساعة، لماذا وبقرار تعسّفي مجحف، تم استبدال الدكتورة حرب، المسؤولة منذ 10 أعوام في وزارة الصحة عن تسجيل المتممات الغذائية ومستحضرات التجميل بكل مؤهلاتها العلمية العالية، ومن دون سبب واضح، بموظفتين، فاطمة مرتضى وصفاء أيوب، تابعتين مباشرة للوزير حسن ومن فريقه السياسي وطائفته، بمؤهلات “إدارية ومساعدة إجتماعية” فقط لا تخوّلهما حتى القيام بالمطلوب في منصب، أقل ما يتطلبه أن يكون المُعيّن فيه يملك شهادة في الطب العام أو الصيدلة.
وبعيداً من الأحكام القطعية الجاهزة سلفاً، تواصلنا مع إحدى أهم الشركات التي تستورد مواد متممات غذائية ومستحضرات تجميل طبية وغير طبية، والتي تحتاج للمرور في قسم الدكتورة حرب، فأكدوا لنا أنه ومنذ تعيين الوزير الحالي والفوضى سيدة الموقف في هذا “القسم”، وقد لاحظ الجميع أنه عند التوجه إلى وزارة الصحة لتسجيل ادوية “الإمداد الغذائي – food supplement” مثلاًً لا نجد من هو مؤهل “طبياً” للبت في هذه الأمور، وقال المصدر: “كمن يذهب إلى المصرف فيجد بقّالاً أو دكتوراً لا يفقه في المواضيع المالية مثلاً. مع احترامي لهاتين السيدتين، ألهؤلاء نَكِل صحة المواطنين؟ فالمسؤولة التي تم تعيينها عن قسم المتممات الغذائية اسمها فاطمة مرتضى خريجة “إختصاص إداري”، والمُساعدة الإجتماعية صفاء أيوب مسؤولة عن “الكوزميتو” أو مستحضرات التجميل الطبية، وهما غير مؤهلتين نهائياً لهكذا منصب لدرجة أنه ومنذ أن استلم الوزير حسن ملف الصحة، اجتمعت لجنة المتممات الغذائية مرّتين فقط لا غير، وهو أمر غير مسبوق تاريخياً، وعليه إن كل المتممات الغذائية التي تدخل إلى وزارة الصحة تدخل بإمضاء استثنائي من الوزير، وما أدراك ما توقيع الوزير وما يمكن أن يرافقه من أثمان سواء على صعيد هدر الوقت أو غيره”. ويُكمل المصدر أنه “كنا أحياناً نراجع الدكتورة قبل الإتيان بالمواد، إلا أننا اليوم ما من جهة علمية موثوقة في الوزارة يمكن الاعتماد عليها، وهو ما يفتح الباب على أشياء أخطر بكثير بعد من سطحية التحازب والتحاصص على المواقع في الوزارة. وهنا فعلياً لا نفهم لماذا لم يأت بأطباء من نفس الطائفة أو الحزب، وهل المطلوب فعلياً هو حصر أمر إدخال أي دواء بيده وحيداً، أم أن في تسجيل المتممات الغذائية بتوقيع استثنائي فيه منفعة ما لا نعرفها؟ كلها أسئلة لا بد من أن يجيبنا الوزير عليها لتوضيح الصورة. لأنه وبصراحة يصعب التماس الأعذار في هكذا ملف شائك”.
تبريرات واهية
لا شك أن أحداً لم يكن يتوقع حدوث اختراق نوعي وإصلاح تغييري جاد في وزارة الصحة أو غيرها عندما تم الإعلان عن حكومة حسان دياب “للإختصاص”. إلا أن الصادم أن يُعين من يعتبر نفسه تكنوقراطياً من هم غير مؤهلين لإدارة أهم الأقسام “إختصاصاً”. مصدر آخر في وزارة الصحة يقول لـ”نداء الوطن” إنه قد تم تبرير استبدال الدكتورة حرب على أنه قرار لمصلحتها، وأنه سيتم نقلها إلى مكتب “كسروان” في قسم الطبابة لأنه قريب من منزلها. إلا أنها لم تُنقل، بل تم ارسالها إلى منزلها حتى إشعار آخر، واستحلّوا مكتبها الشخصي من دون موافقتها أو علمها. لكن الأهم أنه تم استبدال الكفاءة والمرجعية الطبية بأشخاص بمؤهلات لا تتوافق مع متطلبات المنصب. وهنا نستغرب كيف تم الاستغناء عن موظفة دخلت إلى الوزارة بموجب امتحان مجلس الخدمة المدنية بموظفتين بلا مرؤوس إلا الوزير معينتين بنظام المظلة الحزبية”.
وفي حديث هاتفي مع حرب لـ”نداء الوطن” وبصوت يغلبه الاستسلام للواقع المفروض عليها، رفضت حرب التصريح إعلامياً حول الموضوع إلا أنها أكدت أنها “قدمت استقالتها وأنها لا تطمح لشخصنة المشكلة قضائياً ولا إثارة المشاكل بينها وبين أي أحد”. وهنا نتساءل من طلب من الوزير نقل الدكتورة حرب وما هو الأمر الذي استدعى اتخاذ هكذا قرار؟ ولماذا لم تُستبدل بمن هو معادل لها في التحصيل العلمي والخبرة العملية؟ وإن كان سيناريو تعيينها في منطقة “كسروان” فمتى؟ ومتى سيتم استبدال الموظفتين بمن لديهم القدرة على الإمساك بزمام الأمور؟
وهكذا، يبدو ما يتراكم من”استنسابية” و”تفاضلية” في تعيينات الوزير، وقراراته المتلبدة في سماء وزارة الصحة، تحمل المواطن على إبداء قدر من التشاؤم المسكون بالتحفظ، وتبعث على طرح العديد من الأسئلة حول الدوافع والنتائج ومآل الأمور من بعده. وفوق ذلك فإن التنصل من التبرير ككل مرة بردود سطحية تكذيبية فقط تُعتبر إدانة لا يمكن غض النظر عنها، بخاصة أن هكذا أفعال باتت “نمطاً” متكرراً لا يمكن أن يمر مرور الكرام.