تسارعت في الفترة الاخيرة الأحداث ذات الصلة بملفات قضائية مهمّة على صعيدي الوطن والمواطن، وكانت لها ارتدادات سلبية على مسار تلك الملفات. فيما علمت «الجمهورية»، انّ وبسبب تشابكها ولأسباب اخرى غير معلنة، سيكون هناك تحرّك لوزير العدل هنري خوري، الذي واكب مسار الأزمة القضائية وتطوراتها، مفضّلاً لعب دور الإطفائي بين الاطراف المتنازعة من أبناء البيت الواحد، متمسكاً بمبدأ استقلالية القضاء ودعمه لممارسة صلاحياته.
إلّا انّ المصادر اللصيقة بخوري، تنقل عنه، انّه وبناءً للسلطة المعطاة له وبخاصة في ما يتعلق بالتشكيلات القضائية، وايضاً بجدول اعمال مجلس القضاء الاعلى، وبالملاحقات المسلكية لبعض القضاة من خلال الكتب التي وجهّها الى التفتيش القضائي، وملفات اخرى لم يثرها إعلامياً في السابق، «طفح اليوَم كيله»، بعدما أهاب بجميع القضاة بلا استثناء التزام حدود القانون ولم يفعلوا، وأهاب بوزارة الداخلية مخاطبة القضاء عبر وزارة العدل ولم تفعل، بل قضمت صلاحياته، كما توسم من أبناء البيت، ولا سيما منهم مجلس القضاء الأعلى، القيام بواجباته بحسب النصوص، وإتمام التعيينات الجزئية الشاغرة، للانتقال بعدها الى التشكيلات القضائية الشاملة، الّا أنّ مجلس القضاء لم يبادر بعد لإتمام هذه العملية، التي إن أُنجزت بالتعاون مع وزير العدل، من شأنها ملء الشغور الذي تسلّل الى غالبية هيئات المحاكم في قصور العدل، فغدت عاجزة ترقّع شغورها تارة بانتداب قاضٍ من الشرق وطوراً بتمديد لقاضٍ من الغرب، منتظرة الإفراج عن ملء المراكز الشاغرة.
في السياق، توضح مصادر وزارة العدل لـ«الجمهورية»، أنّه سبق للوزير ان وجّه الى القضاة تعميماً طالب بموجبه التقيّد بمبدأ التحفّظ وعدم الظهور الإعلامي والإدلاء بأي تصريحات من أي نوع كانت، من دون الحصول على إذن مسبق منه.
وفي المعلومات، أنّ عصيان بعض القضاة على التعميم، دفع خوري الى إحالة هؤلاء الى التفتيش القضائي بسبب خرقهم لأبسط قواعد الالتزامات الأساسية التي ترافق عمل القاضي، وهي «موجب التحفظ» الذي غاب عن كتب البعض أو تجاهلوه عمداً. وفي المعلومات، انّ الخوري كان قد احال سابقاً ايضاً قضاة آخرين للتفتيش، لأسباب اخرى تتعلق بخرق الأصول والقوانين، بمعنى انّ اسماء بعض القضاة هي اليوم في عهدة التفتيش القضائي الحاضر الغائب…
وبحسب المعلومات، فإنّ وزير العدل مستاء من الوضع ومن عدم تبلّغه اي نتيجة تتعلق بتلك الملفات، على الرغم من مراجعة رئيس التفتيش بهذا الامر اكثر من مرة.
طفح الكيل
وتقول مصادر وزير العدل، إنّه يخشى من انزلاق الأوضاع الى مستوى تذهب فيه الى الأسوأ. وهو يدعو اليوم اكثر من أي وقت مضى الى تداركها قبل حصولها، ويبدي استعداداً للمساعدة في الخروج منها وإيجاد الحلول قبل فوات الاوان، والّا فإنّ اسباباً كثيرة ستدفعه للانتقال الى مرحلة المواجهة.
فما هي بعض هذه الاسباب؟
يُنقل عن وزير العدل قوله، انّ الوضع العام في وزارة العدل «ليس في خير»، ولم يعد يحتمل على الإطلاق لأنّ معظم المحاكم غير مكتملة التشكيل، «تكليف قاضٍ من هنا وآخر من هناك لتشكيل هيئة المحكمة، بالإضافة الى شغور في موقع الرئاسات الاولى لمحاكم الجنوب والبقاع والشمال وبيروت والنبطية وصيدا… في وقت ينتظر الجميع مبادرة مجلس القضاء الى ملء هذه الشواغر». وفي المقابل، تستغرب مصادر خوري والمصادر القضائية المتابعة سبب هذه المماطلة.
من جهة اخرى، ينتظر نحو 35 قاضياً تخرّجوا حديثاً من المعهد القضائي منذ 5 اشهر تشكيلهم في مراكزهم الجديدة، بالإضافة الى إحالة عدد لا يستهان به من القضاة الى التقاعد، زد عليهم 35 قاضياً منتدبين وغير اصيلين في مراكزهم ينتظرون المناقلات في شأنهم.
ما الجدوى؟
من جهة اخرى، تتساءل مصادر قضائية عن مدى جدوى اجتماعات مجلس القضاء الأعلى الاسبوعية، إذا لم يبادر الى ملء الفراغات في محكمه التمييز على صعيد رؤساء الغرف الست. وتستنتج المصادر نفسها، انّ أداء رئاسة مجلس القضاء توحي بأن لا نية ظاهرة لديها للتحضير للتشكيلات والمناقلات القضائية. كما تنقل المصادر اللصيقة بوزير العدل، انّه قد فاتح رئيس مجلس القضاء سهيل عبود بهذه المسألة، وقد لقي منه كل تجاوب. في المقابل أبدى استغرابه للتأخير الحاصل، لكنه لم يجب عن رأيه في اسبابها!
وفي هذا السياق، تتساءل مصادر قضائية مطلعة عمّا اذا كانت بعض الالتزامات تمنع عبود من التحرّك في وزارة العدل، وهل انّه يناور في انتظار انتهاء روزنامة العهد؟
وتلفت مصادر وزير العدل، الى أنّ التداول بإحتمال تعيين رئيس لغرفة تمييز واحدة فقط امر غير مستحسن، اذ سينعكس سلباً على صورة مجلس القضاء في حال تمّ هذا التعيين. فالذي يستطيع تعيين رئيس غرفة واحدة يمكنه ايضاً تعيين خمسة رؤساء لبقية الغرف الشاغرة، متسائلة: ما هو المغزى من هذه الخطوة؟
النزاع الحقيقي
ووفق المعلومات، يبدو انّ النزاع الحقيقي في هذا المجال هو ذلك الذي يحصل داخل مجلس القضاء بين رئيسه وبين بعض الأعضاء الذين يرفضون القرارات الأحادية التي يتفرّد بها من دون الرجوع الى آرائهم، فيما هم يصرّون على قول كلمتهم وإبداء رأيهم.
من جهة اخرى، وبحسب مصادر قضائية، يتجّه مجلس القضاء الى تعيين رؤساء لكافة غرف التمييز بالتوازي، أي تشكيل هيئة عامة تضمّ 11 عضواً بمن فيهم رئيس مجلس القضاء، إذ هذا هو الاتجاه الذي من المفترض والمتوقع ان يسير به مجلس القضاء، وفق هذه المصادر، فليس بمقدوره تعبئة مركز لغرفة واحدة وغض النظر عن الاخرى لسبب او لآخر.
عن المواجهة
المصادر القضائية المتابعة عرضت رؤيتها للواقع الحالي او للخريطة الحالية لولاءات القضاة المعنيين بالملفات الحساسة، لتشير الى انّ القاضية جانيت حنا ردّت طلب الردّ بتكليف من عبود، بالإضافة الى القاضي ناجي عيد الذي أبلغ الى القاضي بيطار كف يده، ولم يبلّغ بقية الأفرقاء، من دون ان ننسى الضربة القاسية التي وجّهها مجلس القضاء لركن اساسي داخل هيئته العامة، اي مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، وذلك بعد قرار رندة كفوري بردّ المحامي العام التمييزي غسان خوري، الذي اعتبره عويدات قراراً موجّهاً ضده. وعن هذه القرارات يكشف مصدر قضائي، أنّ البعض داخل هيئة المجلس يعارضها، أي انّ الهيئة لم توافق بالإجماع على هذه القرارات.
الخريطة القضائية
في المقابل، تتخوف مصادر قضائية من روزنامة معينة للبعض، غامزة من قناة عبود الذي يلهي الأعضاء وفق تعبيرهم «بنظرية الخطأ الجسيم» ولم يخرج بقرار في هذا السياق…
اما بالنسبة الى خريطة التثبيت والولاءات القضائية فترسمها المصادر كالآتي:
القضاة الذين يجب إحالتهم الى التثبيت هم: جمال الخوري، رولا المصري، يقابلهما رفض تثبيت جانيت حنا ورندة كفوري وناجي عيد واستبدالهم بقضاة آخرين، علماً انّ أروقة وزارة العدل تعلم انّ هؤلاء يُدارون وفق تعليمات عبود، وخصوصاً في موضوع دعوات الردّ وردود الردّ…
وفي انتظار ردّ التفتيش وموقف مجلس القضاء من التشكيلات القضائية والمؤتمر المرتقب لوزير العدل… «العدلية خارجة عن الخدمة».