Site icon IMLebanon

هكذا ضبط الجيش لوائح المساعدات الملغومة

 

لم تنطبق غلة الفاسدين مع حساب البيدر هذه المرّة، بعد ضبط قيادة الجيش اللوائح “الملغومة”، لتوزيع 400 الف ليرة لبنانية على العائلات الاكثر فقراً المتمثلة بالأموات، تجار المخدرات، بمطلقي النار وميسوري الحال. ولم يرَ البعض في هذا الموضوع الّا مناسبة لإلباس وزير الشؤون السابق ريشار قيومجيان ثوب الفساد، وتحميله مسؤولية هذه “الفضيحة” الذي وصف الافتراءات التي طاولته “بالهبل السياسي الرخيص”.

تسلمت قيادة الجيش مع بداية هذا الاسبوع، لوائح من وزارة الشؤون الاجتماعية، (أضيفت إليها لوائح أخرى كالسائقين العموميين)تتضمن أسماء من هم أكثرحاجة في كل المناطق اللبنانية لنيل المساعدات المالية. خبر ضج فيه لبنان في اليومين الأخيرين، وانشغل فيه اللبنانيون أكثر من مشكلة الكورونا وعدد الاصابات بها، نتيجة الأخطاء التي رافقت الاسماء المدرجة ضمن هذه اللوائح، والتي كشفتها قيادة الجيش. فكيف كُشف الغش؟

 

بعد طلب “النشرة”… المساعدات للمطلوبين

 

عمدت قيادة الجيش الى تشكيل لجنة ضباط في كل منطقة، ووجهت لهم تعليمات طريقة التوزيع، فطلب منهم التوجه الى عنوان الاشخاص الواردة اسماؤهم ضمن اللوائح لتسليمهم المساعدة المالية المحددة قيمتها بـ400 ألف ليرة لبنانية، والحصول على تواقيعهم بعد استلامهم. أمر لم يُطلب تنفيذه بهذه البساطة، فبمدأ “نفذ ثم اعترض”، غاب عن هذه المهمة، بحيث طلب من الضباط والعناصر الموكلين بإتمام هذه العملية، التأكد من وضع كل شخص قبل تسليمه المساعدة، والغائها في حال لوحظ أنّ المستفيد ميسور الحال، “علماً أنّ هذا الأمر من عمل وزارة الشؤون الاجتماعية وليس من واجب الجيش اللبناني”، بحسب ما يؤكده مصدر عسكري مواكب لهذه العملية، متابعاً “ولكن هذا لم يمنع قيادة الجيش التأكد بنفسها قبل التوزيع”.

 

تعاون عسكري ـ مدني

 

في هذا السياق، وانطلاقاً من شفافية عملها، شكلت قيادة الجيش لجنة للتعاون العسكري المدني، فصممت شركة مدنية تطبيقاً حُمّل على هواتف الضباط، لضمان دقة العمل وعدم وقوع أي أخطاء. يُظهر التطبيق الاسم الثلاثي لكل الاشخاص الواردة اسماؤهم على اللوائح، وتفاصيل وضعهم الاجتماعي وعدد أولادهم… حيث توضع علامة قرب اسمهم عند استلامهم، لمنع استفادتهم من المساعدة أكثر من مرّة في حال كان لديهم أكثر من عنوان سكن. على الاثر، بدأ العمل في كل المناطق اللبنانية، وتوجه الجيش الى البلديات قبل التوزيع، لاطلاعها على اللوائح، لتقوم بدورها بالاتصال بالاسماء الواردة وابلاغها عن المساعدات، على أن يقوم الجيش برفقة عنصر من البلدية وآخر من المخابرات التوجه الى عنوان سكنهم وتسليمهم المساعدة. وهنا “وقعت الواقعة”، فتبين بعد الاتصالات الأولية مع البلديات، أنّ الأسماء غير دقيقة، ويعود بعضها الى اشخاص مهاجرين منذ اكثر من 4 سنوات، وبعضها الآخر متوف أو لا يسكن اصلاً في المنطقة. أمّا “الضربة الكبرى”، كما يصفها المصدر عينه فتعود الى ورود أسماء ليست بقليلة تعود لمطلوبين إلى العدالة وصادر بحقهم مذكرات توقيف.

 

ولم تقتصر الاسماء عند هذا الحد، بل شملت اسماء عناصر من المؤسسة العسكرية، الذين أكّدوا أنهم لم يطلبوا أي مساعدة وطلبوا فوراً شطب اسمائهم عن اللوائح. نتيجة الكشف الميداني، ووضوح عدم دقة الاسماء، وتأكيد البلديات أنّ اللوائح لا تشمل أبناء منطقتها الاكثر فقراً، أوقفت قيادة الجيش عملية توزيع المساعدات، ولم يتسلم أحد اياً منها لتُستأنف أمس حيث قامت وحدات الجيش المنتشرة في المناطق اللبنانية بتقديم المساعدات الاجتماعية لمصابي الألغام. وتشير معلومات خاصة لـ”نداء الوطن” الى أنه بوشر توزيع المساعدات لمصابي الألغام لانّهم الأقل عدداً، ولانّ عملية التأكد من اصابتهم سهلة جدّاً. كما اقتصر التوزيع على بعض المناطق (11 نقطة) التي تأكدت فيها الاسماء فقط، على ان تتبعها توزيعات أخرى بعد التدقيق بصدقية اللوائح.

 

حاولت وزارة الشؤون “ترقيع” الفضيحة التي كشفتها قيادة الجيش، والتي رفضت توزيع اي مساعدة غير محقة تعود لتنفيعات حزبية وسياسية. فضيحة، استثمرها البعض في السياسة، محملين وزير الشؤون الاجتماعية السابق ريشار قيومجيان مسؤولية الاخطاء التي وردت في اللوائح، ليصف بدوره هذه الاتهامات “بالهبل، والافتراءات الرخيصة”. أمّا اللوائح التي قيل أنها بحاجة لاعادة تدقيق، فأعدّتها الحكومة الحالية بمختلف وزاراتها، ولا ترتكز على اسماء العائلات الاكثر فقراً والمقدمة من وزراة الشؤون الاجتماعية ضمن برنامج الفقر الذي يشمل 44 ألف اسرة فقط حاصلة على بطاقة حياة، و15 الفاً منها بحوزتها بطاقات تغذية. أمّا الأسماء الاخرى التي ضبطتها قيادة الجيش فتعود إلى وزارات أخرى كالسائقين العموميين ولوائحهم مقدمة من وزارة الأشغال والنقل، مصابو الالغام من وزارة الدفاع، اهالي طلاب المدارس الرسمية من وزارة التربية العامة.

 

 

بدأت “الفوضى” في هذه العملية “بعد تحويل الـ75 ملياراً للهيئة العليا للاغاثة وطلب المساعدة من وزارة الداخلية من خلال المخاتير والبلديات”، بحسب ما يوضحه قيومجيان، الذي تساءل “لماذا لم يتم العمل على تحديث وتطوير برنامج الفقر الموجود في وزارة الشؤون، المنجز من قبل البنك الدولي وفق المعايير العلمية، والمطبق في أكثر من بلد”؟ كاشفاً أنّ “البنك الدولي تقدم بقرض قيمته 400 مليون دولار لشبكة الامان الاجتماعي، بفائدة شبه رمزية. فما سبب عدم العمل به لزيادة عدد البطاقات الغذائية لتشمل اكثر من 15 الف اسرة”؟ وتابع: “نعلم اليوم أنّ الدولة مفلسة، وهمنا الاساسي أن لا يجوع شعبنا، فكيف يمكن للدولة تأمين المساعدات الشهرية وفق الآلية التي اعتمدتها، وأين الخطة المستدامة فيها؟ كما ندرك جيداً أننا بحاجة الى مساعدة فورية للناس وخصوصاً مع ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في لبنان. كذلك، لا ينتسب جميع من توقف عن العمل الى النقابات، ولا تندرج اسماؤهم في برنامج الفقر، ولكن نعلم ايضاً أنّ الدولة غير قادرة على تأمين المعاشات الشهرية لمواطنيها كما في الدول المتقدمة، وبالتالي نحن بحاجة الى حل علمي وواقعي يمكن ان يوفره برنامج الفقر مع امكانية تطويره، وتعبئة استمارات اضافية من قبل الأشخاص الأكثر فقراً غير الموجودة اسماؤهم في لوائح البرنامج”.

 

تهميش لوزارة الشؤون؟

 

تعتبر لوائح الشؤون الاكثر دقة، مع احتمال وجود أخطاء بسيطة فيها، ويمكن تدقيق البيانات الصادرة عنها بالتعاون مع رئاسة مجلس الوزراء من قبل وزارة الداخلية والبلديات من خلال التأكد من سجل النفوس ومن الضرائب التي يدفعها الفرد، والأعمال المصرح أو غير المصرح عنها، لتقييم حالة كل شخص تقدم الى برنامج الفقر، ويشير قيومجيان الى “ضرورة تطبيق العمل الاجتماعي من قبل الوزارة المعنية به، بدلاً من الاتكال على البلديات لتعبئة الاستمارات، في تهميش واضح لدور وزارة الشؤون التي لديها مكاتب في كل المناطق اللبنانية. كذلك، يجب حصر مركز القرار والتدقيق بوزارة الشؤون، على أن تستعين بمن تراه مناسباً اذا دعت الحاجة… ولكن للأسف هذا لم يحصل”. وفي هذا الصدد كان قد أوضح وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية “ارجاء توزيع هذه المساعدات (لغير مصابي الالغام) نظراً لعدد الأخطاء الواردة في اللوائح المرفوعة، الى حين انتهاء الجيش من التدقيق فيها بناء على طلبها”.