Site icon IMLebanon

أين ذهبت وعود وزارة الشؤون الاجتماعية؟

 

مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة تئنّ ولا بديل

 

 

إذا كانت العودة الى المدرسة تشكّل تحدياً حقيقياً هذا العام بالنسبة الى الأهل وإدارات المدارس والطلاب فإن المدارس المتخصصة التي تعنى برعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة تعيش معاناة أشد وأصعب نظراً لظروف طلابها الخاصة ومتطلبات رعايتهم وتأهيلهم العالية الكلفة. ولكن مع وجود بدائل متاحة أمام طلاب المدارس العادية فإن البدائل لذوي الاحتياجات الخاصة غير متوافرة. فهل يكون مصيرهم خسارة الفرصة المتاحة أمامهم للتأهيل ومواجهة الحياة بعد تعثر فرصتهم الأولى في عيش حياة طبيعية؟

 

هي صرخة ألم واستغاثة يطلقها كل المعنيين بشؤون تأهيل ورعاية المعوقين الذين يجدون الأبواب تقفل في وجه سعيهم لفتح المدارس المختصة وتأمين سنة دراسية “طبيعية” تكفل حصول أصحاب الهمم على البرامج الدراسية المناسبة لدمجهم في المجتمع وتأمين مستقبل آمن لهم. أكثر من مدرسة متخصصة أعلنت عن إقفال أبوابها لهذا العام تاركة طلابها وأهلهم في مهب الريح يواجهون وحيدين تحديات وضعهم الخاص الى جانب الأثقال المعيشية التي يفرضها وضع البلد العام.

 

“لسنا أولويةً”

 

مدارس خاصة وأخرى متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية تعاني كلّها المصاعب نفسها وإن من زوايا مختلفة. مدرسة Autism 123 الوحيدة من نوعها في لبنان للعناية بالأطفال المصابين بالتوحد كانت قد فتحت أبوابها في العام 2019 بالتعاون مع أحد المراكز الأميركية المختصة لتقدم لهؤلاء الأطفال أحدث وأفضل طرق التعليم والرعاية، لكنها اليوم أقفلت أبوابها جهاراً ولم تعد قادرة على الاستمرار. وتقول السيدة ساريتا طراد صاحبة المدرسة ان افتتاحها جاء تلبيةً لحاجة لم تكن متوافرة في لبنان وقد لمست ذلك لمس اليد وهي الأم لطفل يعاني من هذه المشكلة. تقول طراد “بدأت المشاكل تواجهنا مع بداية الثورة وإقفال الطرقات واستمرت بشكل أكبر مع جائحة كورونا حيث فتحتُ المدرسة على مسؤوليتي الخاصة لأن أطفال التوحّد يتأثرون جداً عند ابتعادهم عن المدرسة ويختلّ روتينهم اليومي، ليأتي بعدها حجز الأموال في المصارف والكابيتال كونترول ليتوج بأبشع صورة مسيرة التعثر هذه”.

 

هل تُقفل المدرسة بوجهها؟

 

المدرسة متعاقدة مع مركز أميركي ما يوجب عليها تحويل مبلغ بالدولار الأميركي دورياً وهو الأمر الذي لم تعد طراد قادرة على القيام به. “لم يعتبر المصرف هذه الحالة طارئة او ملحة على الرغم من إبراز الوثائق الضرورية ولم نستطع إخراج أية مبالغ ما راكم علينا المدفوعات للمركز في الخارج الذي تفهّم الأمر لبعض الوقت ثم بدأ يطالبنا بالمستحقات.المصرف لم يتعاون تؤكد طراد لم يأخذ بالاعتبار كونها قضية إنسانية، فربما كانت أولويته مساعدة النافذين في تهريب أموالهم الى الخارج أما وزارة الشؤون الاجتماعية فلم تكن حاضرة من أجلنا. ثم أتى العام الحالي مع أزمة البنزين والمازوت والمياه والواي فاي ليزيد الطين بلة، وتبين لنا أننا غير قادرين على فتح المدرسة والبدء بسنة دراسية جديدة. فهل يمكن أن نطلب من الأهل فريش دولار ونحمّلهم ضغطاً إضافياً؟ خرجت الى الإعلام وتلقيت بضعة اتصالات لكن الدعم غير متوافر حتى من المنظمات غير الحكومية التي يحاول كل منها تسيير أموره بالممكن.المدرسة مكلفة والعلاجات او الجلسات الوظائفية التي نؤمنها عالية الكلفة فكيف نؤمن كل التكاليف؟”.

 

كلام نيسان يمحوه أيلول

 

الغريب في الأمر أن وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق البروفسور رمزي مشرفية كان في شهر نيسان الماضي ولمناسبة شهر التوحد قد أضاء مبنى الوزارة في بدارو باللون الازرق ممثلاً بمدير عام الوزارة القاضي عبد الله أحمد الذي وجّه بإسم الوزير والوزارة تحية الى الأطفال والاشخاص الذين يعانون التوحد والأهل وجميع من يعملون مع هذه الفئة من الاطفال والاشخاص.

 

وقال في كلمته “نحن كوزارة شؤون اجتماعية ندعم الجمعيات التي تعنى بالاطفال الذين يعانون من التوحد لمشاركتها في الخدمات التي تقدمها مؤكداً أن الأطفال في حاجة الى اهتمام خاص والى دعم وتوعية”.

 

وأكد القاضي أحمد حينها أنّ الوزارة ستهتم بشكل كبير بقضايا التوحّد، مشيراً الى “أن هذا الأمر أصبح من أولوياتنا وسوف نقدّم الجمعيات التي تهتم بهذا الموضوع في لبنان، وسنعطيها الاهتمام الكبير، آخذين في الاعتبار التكلفة الكبيرة التي تترتب على عاتق الأهل والقيمين على الاطفال والمبالغ والخدمات التي يمكن ان تقدّم لأطفال التوحد”.

 

كان هذا في نيسان الماضي… لكن كلام نيسان يمحوه أيلول، فالدعم المادي لا يزال بعيد المنال مع الصعوبات التي تعاني منها كل الوزارات والإدارات الرسمية في لبنان وأصحاب الاحتياجات الخاصة ليسوا أولوية في حساب الدولة ولا صوت لهم ولا احتضان حتى ان أبسط حقوقهم كاللعب والترفيه غير مؤمنة وتعليمهم ليس مجانياً في غالبية الحالات ولا دعم يذكر للأهل مادياً ليتمكنوا من تأمين احتياجات أولادهم العالية الكلفة. بلد الفساد والصفقات يقبع في مراحل متأخرة جداً بين الدول التي تجعل من المعاقين أولوية عندها.

 

تختم طراد حديثها قائلة “بعد ان عدت مع ابني المصاب بالتوحد الى لبنان منذ سنوات قليلة ها أنا اليوم أفكر من جديد بالهجرة لكي أتمكن ان أومن له مدرسة تحتضنه وتؤمن له احتياجاته فيما أطفال المدرسة الباقون مصيرهم معلق”.

 

كلفة على حالها منذ 2011

 

في الشمال وفي منطقة بكفين الكورانية صرخة مؤسسة “واحة الفرح” تشبه مثيلاتها من صرخات الإستغاثة التي تطلقها مؤسسات الرعاية والمدارس المختصة. هي جمعية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقة الذهنية والتوحد الآتين من كل مناطق الشمال. وتضم المركز التربوي الذي يستقبل الأطفال من عمر 4 الى 14 سنة ، ومشاغل مهنية لمن هم فوق 14 سنة تكتشف قدراتهم و توجههم توجيهاً مهنياً صحيحاً ليصبحوا أشخاصاً منتجين ينالون بدلاً مالياً بسيطاً مقابل انتاجهم ويتمتعون بالرعاية والمتابعة النفسية مع عائلاتهم. هذا الصرح الرعائي يئن اليوم وتتعثر خطواته وتقول السيدة لولو أميوني رويهب مديرة “واحة الفرح” نحن جمعية خاصة تابعة لمطرانية طرابلس للروم الأرثوذكس لكننا متعاقدون مع وزارة الشؤون الاجتماعية. طلابنا ينقسمون ما بين قسم يتعلم مجاناً على حساب وزارة الشؤون وقسم يعتبر من الحالات الاجتماعية التي تتطلب النظر بوضعها وتقديم المساعدات لها والقسم القليل الباقي يدفع أقساط للمدرسة”.

 

بدأت مشاكل “واحة الفرح” السنة الماضية مع جائحة كورونا ورغم كل العقبات استمرت المدرسة والمشاغل حتى بلوغ التعبئة العامة حيث تحولت الدروس والأعمال أونلاين ولأن معظم العائلات لديها حالات اجتماعية خاصة فقد لاقت المؤسسة صعوبات جمة في هذا الأمر لكنها ناضلت للاستمرار وتأمين سنة دراسية شبه طبيعية.

 

هذه السنة الأمر مختلف فالأزمة الاقتصادية اثرت على كل جوانب تشغيل المدرسة من رواتب الموظفين الذين يكادون يتحولون بدورهم الى حالات اجتماعية وصولاً الى ازمة المحروقات التي أثّرت على كلفة النقل وكلفة تشغيل المولد وصولاً الى أزمة الكهرباء والإنترنت ولم يكن ممكناً تحميل الأهل أعباء إضافية.

 

” نحن غير تابعين لوزارة التربية تقول رويهب بل تم شبكنا معها في السنة الماضية أثناء جائحة كورونا ولا نحظى بالتقديمات التي تعطى للمدارس ، لكننا نسعى جاهدين لإيجاد الحلول وقد توجهنا الى اتحاد مؤسسات الإعاقة العقلية للمطالبة بمساواتنا بالمدارس عبر دعم المحروقات او تأمين القرطاسية وغيرها كما نسعى لطلب المساعدة من بعض الشركاء الذين سبق لنا وتعاونّا معهم في مشاريع مثل السفارات والمنظمات غير الحكومية”.

 

وتشرح رويهب قائلة” مدارس اصحاب الاحتياجات الخاصة لا بديل لها كما المدارس الرسمية فالدولة ليس عندها مؤسسات خاصة بها تهتم بشؤونهم ، بل تقوم بعقود شراكة مع جمعيات ومؤسسات خاصة. لا شك ان الوزارة لن تتخلى عن هذه المؤسسات ولكن كيف تدعمها في ظل نقص التمويل؟ وزارة الشؤون تدفع عن كل ولد مسجل تحت اسمها ويحمل بطاقة إعاقة مبلغاً مالياً يتم تحديده بعد دراسة كلفة الولد حسب التصنيف المعتمد. والوزارة لم تعمل على رفع سعر الكلفة منذ العام 2011 وهي لا تزال تدفع على أساس سعر صرف 1500 ليرة. لقد قبضنا مستحقات الفصل الأول من عام 2020 ووعدونا بدفع فاتورة ثانية لكننا ما زلنا ننتظر”.

 

و تتفهم رويهب وضع الوزارة لكنها تتساءل “كيف يمكننا ان نقوم بأعبائنا ونتابع خدماتنا التربوية المكلفة الخاصة بذوي الإعاقة ومدخولنا من بيع منتجاتنا قد تضاءل والمعارض متوقفة ومدخول الوزارة لم يصلنا بعد؟ تواصلنا مع منظمات عالمية لكن الأجوبة بطئية. سنتوجه الى وزارة الشؤون أولاً للمطالبة بأن نكون من الأولويات بالنسبة للمحروقات وأن يتم اعتماد آلية معينة لدعمنا لنستطيع تأمين النقل للموظفين والطلاب وربما بعد ذلك نتوجه الى فخامة الرئيس لنسمعه صوتنا ونطلب مساعدته كما توجهت إليه المدارس. في كل الأحوال لن نستسلم “.

 

هل يكون حجّار المنقذ؟

 

بعد تشكيل الحكومة الجديدة هل تكون وزارة الشؤون الاجتماعية أكثر استعداداً للنظر في شؤون المدارس والمؤسسات التي تعنى برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؟ هل تضعهم كأولوية بالنسبة إليها بالفعل لا بالكلام والوعود الفارغة ، لا سيما أن الوزير الجديد د.هكتور حجار هو رئيس جمعية “رسالة سلام” التي تُعنى بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة ويدرك جيداً الصعوبات التي تعانيها هذه المؤسسات والتحديات اليومية التي تواجهها في هذه الظروف؟ هو الذي رفع الصوت سابقاً ودعا عبر مقابلة تلفزيونية له الى تحويل الأزمة الى نعمة بالنسبة للمؤسسات التي تعنى بأصحاب الإعاقة والتحلي بالشجاعة اللازمة لمواجهة الأزمة بالأمل والرجاء. وكان يعرف حينها أن الدولة لا تدفع وأن المؤسسة مستمرة بدعم الناس والمجتمع لها واعترف بالأمر المؤكد وهو أن حصة الدولة لدعم المؤسسات لم تقبض وما قبض محجوز في المصارف.

 

فهل يكون الآتي من صلب معاناة أصحاب الهمم أملاً حقيقياً لهؤلاء يرافق مسيرتهم الدراسية ويسدد خطواتها بعد تعثر خطوته الأولى في الوزارة؟