Site icon IMLebanon

فنون “السياحة”… جنون في العروضات والأسعار

 

محاولات لتسويق لبنان في الخارج على وقْع الإنهيار الاقتصادي ومحاولات تسخين الصراع السياسي

 

خرجت الحملة التسويقية للسياحة الشتوية “بجنونك بحبك” عن المألوف شكلاً ومضموناً. فالعروض المقدمة على “طبق” الإنهيار تطلبت عنواناً جذاباً، يحفّز على فتح “الرزمة”، بعدما “لفظ” العالم لبنان من قاموسه السياحي. بيد أن الإبداع في اللعب على التناقضات، لا يفصله عن السقوط في جنون الانهيار الفعلي إلا شعرة بسيطة، طرفاها ممسوكان من منظومة المافيا والميليشيا.

 

“الرزمة السياحية الشتوية 2021 – 2022” تتضمن عروضاً مغرية للقادمين من 11 وجهة سياحية تعود لـ 7 دول عربية وأوروبية. وهذه الوجهات هي بغداد، إربيل، البصرة، النجف، عمان، القاهرة، اليونان، مدريد، يريفان، روما وميلان. العرض يبدأ بـ 269 دولاراً. وهو يحتوي على تذكرة طيران ذهاباً وإياباً على الدرجة السياحية مع طيران الشرق الأوسط. تسديد الضرائب في المطار. فحص PCR عند الوصول. الإقامة لمدة 3 ليالٍ و4 أيام مع الافطار في واحد من أصل 48 فندقاً مشاركاً. الانتقال ذهاباً وإياباً إلى المطار.

 

حافز للمستقبل

 

“الفضل الكبير في هذه الرزمة يعود إلى شركة طيران الشرق الأوسط (MEA) التي قدمت أسعاراً محروقة، وللفنادق المشاركة”، يقول نقيب مكاتب السياحة والسفر جان عبود، “الآمال المعقودة عليها كبيرة. حيث من المنتظر أن تبدأ المؤسسات السياحية بتلمس الايجابيات لهذه الحملة قريباً. وإن لم تعط، في أسوأ الحالات، النتيجة المرجوة، فتبقى حافزاً للمستقبل. خصوصاً بعدما أظهرت إمكانية تعاون MEA من خلال دعم التذاكر ووزارة الصحة بدعم فحوصات كورونا”.

 

“الحملة التي أطلقتها وزارة السياحة بالتعاون مع مكاتب السياحة والسفر (ATTAL) وطيران الشرق الاوسط (MEA) أظهرت أهمية التعاون والتخطيط بين القطاعين العام الخاص”، برأي عبود، و”أعطت من الجهة الثانية وكلاء السياحة الأوروبيين الذي يرسلون السياح إلى كل العالم فرصة وضع لبنان على الخريطة السياحية العالمية، نظراً للأسعار المخفضة التي نقدمها. وذلك بعدما شُطبنا عنها بسبب الكلفة المرتفعة خلال السنوات الماضية”. وبحسب عبود فان “الحملة تبقى إيجابية، وإن كانت في الإطار التجريبي ولم تضع تصوراً عن حجم السياح الممكن اجتذابهم بالأرقام”.

 

تاريخ طويل من الحملات

 

الحملات التسويقية والرزم التحفيزية عادة ما تكون الخطوة الأولى لأي وزير سياحة. وقد شهدنا خلال السنوات الماضية مجموعة من هذه الحملات، كان أبرزها: حملة Live love Lebanon التي أطلقها الوزير ميشال فرعون في أيار 2014، والتي تضمنت بالاضافة إلى الرزم والبرامج السياحية، إنشاء موقع الكتروني جديد للوزارة وتطوير مواقع الكترونية خاصة، والاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق لبنان. ومن ثم حملة ”لبنان أكثر البلدان أمناً في العالم” التي أطلقها الوزير أواديس كيدانيان في العام 2019 قبل 7 أشهر على اندلاع الثورة، عندما كان لبنان “يغلي”. واليوم تأتي هذه الحملة لكن مع “إمكانية صرف أكبر”، يقول الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي. فـ”للمرة الأولى منذ سنوات يتم إطلاق حملة قابلة للتسويق والبيع في الخارج وبالتوقيت الصحيح. أي في فترة الركود قبل بدء السياحة الشتوية”. وبحسب بيروتي فان “انخفاض الأسعار في لبنان يشجع على القدوم، وتحديداً من المغتربين والسياح العرب الذين لا تردعهم التناقضات والمشاكل الداخلية عن زيارة لبنان”. بيروتي يعتبر أن “الأزمات المعيشية والسياسية والقضائية والديبوماسية والأمنية التي تعصف بلبنان لا تحول دون السفر إليه. وما لم تنفجر الأوضاع، فان الكثير من المغتربين والسياح تهمهم الاستفادة من العروض المغرية وانخفاض الاسعار”.

 

 

 

المفشّل الأول

 

تتعدد الوسائل التحفيزية لاجتذاب السياح ورفع المدخول السياحي ويبقى السبب المفشل الدائم هو السياسة”، يقول جان عبود، فـ”المن والسلوى السياحي يأتي من دول الخليج عامة والسعودية خاصة التي فقدنا مواطنيها في السنوات الأخيرة. ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه إقامة السياح العراقيين والأردنيين والمصريين الخمسة أيام وبمتوسط إنفاق 500 دولار، كانت مدة إقامة السائح الخليجي تتجاوز 20 يوماً وبمعدل انفاق يصل إلى 5000 دولار يومياً”. “وعليه فان كل الجهود المبذولة لاجتذاب السياح العرب والأجانب يبقى مفعولها ضعيفاً إذا فقدنا السياحة الخليجية. ذلك أن السياحة في لبنان لا تعتمد على الكمية. فالغرف الفندقية لا تتجاوز 24 ألف غرفة، وُضع منها قيد الإشغال حالياً 12 ألف غرفة فقط. وحتى إذا امتلأت على مدار العام فهي لا تؤمن مدخولاً سياحياً يُعتمد عليه. فالاتكال هو على الانفاق السياحي في بقية القطاعات من مطاعم وأسواق تجارية وتأجير سيارات وزيارة الأماكن السياحية”، برأي عبود.

 

 

 

شركات تأجير السيارات تعاني

 

هذا الواقع يؤكد عليه نائب رئيس “نقابة شركات تأجير السيارات السياحية” جيرار زوين. حيث “تراجع عدد السيارات المعدة للإيجار من 25 ألف سيارة إلى 12 ألفاً حالياً. وذلك بعدما أقفلت نحو 140 شركة في السنوات القليلة الماضية. ولولا انهيار سعر الصرف وتراجع الطلب على شراء السيارات لكان العدد انخفض أكثر”. وبحسب زوين فان “الخطوة الايجابية لوزير السياحة والمعول عليها جداً، تترافق على أرض الواقع مع صعوبات كثيرة. ومنها على سبيل الذكر: الزام المكاتب بعدم استخدام السيارة لأكثر من 5 سنوات من تاريخ وضعها في السير لأول مرة. في حين المطلوب أن تكون المدة الزمنية أقلة 7 سنوات. خصوصاً مع صعوبة شراء سيارات جديدة مع توقف البنوك عن الإقراض. تأخير صدور المخالفات. حيث يعود بعضها إلى العام 2011. احتجاز أموال للشركات في المصارف ووضع الأخيرة شروطاً تعجزية على زبائنها.

 

كما في كل القطاعات الانتاجية، فان سيطرة الميليشيا على الدولة تعطل استفادة القطاعات الخدماتية من قطف بعض النتائج الايجابية للأزمة. فبدلاً من أن تربح القطاعات الصناعية من ارتفاع القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية في الخارج، والسياحة من انخفاض الاسعار لجذب السياح وزيادة المدخول الوطني، تسببت الميليشيا بقطع العلاقات مع العمق العربي. وهي تهدد كل يوم بتسخين الصراع السياسي وتحويل لبنان إلى جهنم حقيقية.