جرح العلاقة بين الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي لم يندمل، فلا تطول المصالحة حتى تحلّ مكانها قطيعة، وما بينهما ردح وردحٌ مضاد. في خلال رعاية الحريري حفل افتتاح «جائزة عزم طرابلس الدولية لحفظ القرآن الكريم»، الشهر الماضي، توجه إليه ميقاتي بالقول: «صديقي سعد: رعايتك لهذا الحفل رسالة ودٍّ، ولن نبادل الود إلا بمثله»… قبل أن تعود الأمور إلى «الانفجار» بينهما أول من أمس.
لم ينسَ رئيس الحكومة السابق الاتهامات التي كالها «المستقبليون» له لتوليه رئاسة «حكومة حزب الله»، ولن يوفّر، بالتالي، فرصة لـ «الثأر» من «حكومة التيار الوطني الحر». «جبران باسيل هو الرئيس الفعلي للحكومة»، عبارة لا يتوقف ميقاتي عن تردادها في مجالسة الخاصة. وجاءت إشادة الحريري بموافقة الرئيس ميشال عون على تسليمه إدارة جلسة الحكومة، الخميس الماضي، «شحمة على فطيرة». «كفى يا سعد»، افتتح ميقاتي السجال على «تويتر» بعدما «شعرت بالاستفزاز لأمرين. أولهما عدم الاطلاع الكافي على الدستور، وثانيهما ما يصيب مقام رئيس مجلس الوزراء».
أوساط ميقاتي تأخذ على رئيس الحكومة الحالي أنه «يبدو غير قادر على اتخاذ أي قرار بلا تأدية فروض الطاعة للرئيس القوي. فالحريري يتصرف كما لو أن التيار الوطني الحرّ والرئيس عون قدما له هذا الكرسي هبة، وهو مجبر على شكرهما على ذلك ليل نهار»! وتذكّر بأن ميقاتي أطاح حكومته في وجه شعار «لا أشرف ولا إشراف»، في آذار 2013، حين كان الانقسام على تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات وعلى التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي. «فيما يبدو الحريري اليوم وكأنه مستعدّ لإطاحة كل الثوابت مقابل الرضى العوني والحفاظ على حكومته». ويبدو أن رئيس الحكومة السابق يسعى إلى تكريس هذه المعادلة في «الوعي السني» والانطلاق منها في الإعداد لمعركته الانتخابية المقبلة.
مصادر رئيس الحكومة السابق تؤكد أن «الردّ على الحريري لا يحمل أي طابع شخصي، بل تنطلق من الحرص على مقام رئاسة مجلس الوزراء، بعد أن تنازل الحريري عن العديد من صلاحياته لمصلحة تفاهمه مع التيار الوطني الحرّ، في وقت نرى فيه كل المكونات في الطوائف الأخرى يتكتّل بعضها مع بعض في سبيل حماية حقوق طوائفها». وتلفت إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يحصل فيها انتقاص من صلاحيات رئاسة الحكومة. فمنذ مدّة قال الرئيس عون إنه سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء، وهذا مخالف للدستور، لأن رئيس الحكومة هو من يوجه الدعوة. وقبل يومين خرج علينا وزير الإعلام بالوكالة بيار أبو عاصي بشكل مستفز ليقول إن الحريري نوه بخطوة رئيس الجمهورية تسليمه رئاسة الجلسة»!
وفيما رأى الدكتور خلدون الشريف أن السجال الأخير «لا يعدو كونه اختلافاً في مقاربة الأمور ومحاولة تصويب البوصلة، لأن من غير المعروف ما إذا كان قد فات الحريري الكثير من المسلّمات أو أنه ينجرّ إلى لعبة المصالح». رأت مصادر «المستقبل» أن «ميقاتي دائم التصويب على الرئيس الحريري في البيئة السنية، خصوصاً في طرابلس لحشره». ولفتت إلى أن شكر الحريري لعون أتى على خلفية أن «ما حصل كان سابقة، لجهة أن الدستور يعطي لرئيس الحكومة الحق في ترؤس الجلسات الحكومية، لكن في مقرّ مجلس الوزراء، وهذا ما لم يتنبّه إليه الرئيس ميقاتي أو لا يريد أن يتنبه إليه». ووضعت المصادر كلام ميقاتي في إطار «استغلال تفاصيل شكلية لاستثمارها انتخابياً، ولا تعدو كونها مزايدة لن تقدم أو تؤخر».