IMLebanon

المعجزة وحدها ستبقي على كتلة نواب الكتائب

منذ عودة النائب سامي الجميل إلى كنف الكتائب ثم ترؤسه حزب والده وجده، كانت دروب الشيخ مفروشة بالورود ومعبدة بالمكافآت السياسية والنيابية والوزارية. إلا أن سحب الكتائب يده من يد التيار الوطني الحر كل مرة ومكابرته سياسياً على حلفائه، أنهيا عصر الـ2009 الذهبي ليسقط اليوم في المستنقع الذي حفره بنفسه. والنتيجة: كل مقاعد الكتائب النيابية مهددة بما فيها مقعد الجميل نفسه… إلا في حال تحقق أعجوبة النسبية الكاملة

«لا شيء يقيّم التمثيل الشعبي إلا الانتخابات النيابية»، القول لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل منذ أيام. وهو ربما يفترض أن أي انتخابات مقبلة ستضاعف عدد نوابه. ولكن، مع دخوله نادي اللامقترعين لرئيس الجمهورية ميشال عون والمعارضين لحكومة الرئيس سعد الحريري، يصبح حتى الاحتفاظ بمقعده في المتن الشمالي ترفاً غير مضمون. في الانتخابات النيابية عام 2009، كان الجميل صانع لوائح في المتن الشمالي، أبرز معاقل الكتائب، يزكي مرشحين ويستبعد آخرين، وتلهث القوات اللبنانية خلفه علّها تحظى بمقعد ماروني لمرشحها أدي أبي اللمع رغم إدراكها التام أن الحليف اللدود سيعمد إلى تشطيبه.

يومها، كل من انعدمت فرصه في ركوب لائحة التيار الوطني الحر ــ الطاشناق ــ الحزب السوري القومي الاجتماعي، هرع إلى الكتائب لحجز مقعده. وكان اتفاق النائب ميشال المر مع الجميل كفيلاً بضمان خرقه لائحة التيار، استناداً إلى التحالف التاريخي بين المر والأرمن الذي يضمن تبادل الأصوات مع الطاشناق. خرج الجميل من انتخابات 2009 زعيماً متنياً وأحد الأقطاب المؤثرين في سياسة القضاء وخيار ناخبيه، فكان العصر الذهبي للكتائب الذي لا يزال «الشيخ» يعيش على أمجاده. غير أن ما قبل تحالف التيار ــ القوات ليس كما بعده، وما قبل انتخاب عون رئيساً وامتناع الكتائب عن التصويت له لن يكون كما بعدهما، وما قبل استبعاد الكتائب عن حكومة الرئيس سعد الحريري ليس كما بعده.

ومع تقدم القوات أخيراً في المتن الشمالي وتفوقها في الاستطلاعات على الكتائب، فاض كأس بكفيا لتتحقق نبوءة البعض بأن «نهاية الكتائب ستكون على يديّ سامي». فعلياً، يقف الجميل اليوم محشوراً بنتائج مكابرته وخياراته، فلا هو قادر على ترؤس لائحة في أي انتخابات مقبلة نظراً إلى انتقال القوات والمر إلى الضفة الأخرى، بعد أن ضمن زعيم العمارة مقعده غداة انتخابه عون رئيساً. ولا هو يحظى بالترف العوني السابق الراغب بإنجاح ابن الرئيس أمين الجميل وإبقاء حزبه العريق على قيد الحياة. فيما أخطأ في حساباته مع حزب الطاشناق عندما أشعل معركة فارغة معه على خلفية مكب برج حمود، فانتهى بعدم ربح المجتمع المدني وبإضافة خصم سياسي مؤثر هو الطاشناق. في ظروف أخرى، كان يمكن للجميل الحدّ من تداعيات خياراته والوقوف مجدداً على قدميه، فيما خسائره اليوم تثقل كاهله وتكسر ظهر الكتائب، لتضع نيابته على المحك وتصبح مسألة ترشحه في الأشرفية أمراً مطروحاً، من الناحية النظرية أقلّه. إذ يصعب ترجمة «التمثيل الشعبي» الذي تحدث عنه الشيخ أصواتاً تضمن نجاحه في المتن الشمالي هذه المرة.

عندما يكون المعقل الرئيسي في خطر، من الطبيعي أن تكون باقي المناطق ساقطة كلياً. فمن سمع النائب سامر سعادة يتحدث عن مشروعه إدخال الكتائب إلى البترون، يكاد يعتقد بأنه يتحرّك نهاراً وليلاً بين البترونيين وسيكون العقدة الأبرز في أي لائحة مقبلة. إلا أن واقع الحال أن سعادة سيخسر على الأرجح المقعد الذي أسقطه عليه الحريري والصفدي وميقاتي في طرابلس، فيما حظوظه شبه معدومة في البترون وخارجه. ومن المتن الشمالي والبترون إلى الأشرفية حيث يواجه ابنا العمّ المصير نفسه. فوثيقة إعلان النيات بين التيار والقوات وتحالفهما مع تيار المستقبل سحبت الغطاء الذي كان يتظلل تحته النائب نديم الجميل، وبات مقعده مهدداً ويتطلب مكرمة من «التريو» المستجد للفوز مجدداً.

يعيش حزب الكتائب على أمجاد عصر 2009 الذهبي يوم كان صانعاً للوائح والمرشحين وهو احتمال ضئيل جداً وسط تمسك كل حزب بمرشحيه.

حتى الأشهر القليلة الماضية، كانت عاليه منطقة آمنة كتائبياً ومقعد النائب فادي الهبر محمياً من النائب وليد جنبلاط وبالتحالف معه. إلا أن شيخ بكفيا كسر الجرة مع النائب أكرم شهيب برفع سقف المواجهة البيئية معه واتهامه ضمناً بالفساد، ما سينعكس حكماً على عاليه وتمثيلها النيابي.

يبقى الأفق الوحيد المفتوح في زحلة، لا على مقلب تحالف القوات والتيار والمستقبل بالطبع بل من جهة لائحة محتملة مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، خصوصاً مع السعي إلى طيّ الخلاف بينهما منذ مدة قصيرة. إلا أن العقدة هنا تكمن في تمسك الكتائب بالنائب إيلي ماروني، الأمر الذي يحول دون أي تحالف مفترض مع سكاف ويعيد الأوضاع إلى النقطة الصفر. مجدداً، حزب الكتائب وحيداً في مواجهة تحالف سياسي وثيق قد يخرجه من المولد بلا نواب.

في عام 2009، أعطى الحريري حليفه الجميل أكثر مما يحلم وضمن له مقعداً في كلٍّ من زحلة والأشرفية وعاليه وطرابلس، فجعله قطباً سياسياً رئيسياً إلى جانب الباقين أسوة بتعويمه القوات اللبنانية. وفيما استفادت القوات من الفرصة السياسية الذهبية وانطلقت إلى استثمار أرباحها ومضاعفتها عبر الاعتراف ضمنياً بفوز محور 8 آذار وركوب موجته، كابر حزب الكتائب ظناً منه أن وقوفه في صف المعارضة كما دائماً سيربحه شعبياً. والحقيقة أن أياً من القوانين المطروحة قيد البحث من القوانين المختلطة لا ينتشل الكتائب من مستنقعه الذي حفره بنفسه بل يعمّق حفرته أكثر فأكثر. وسيكون عليه التحالف مع ما يسميه «السلطة السياسية» حتى لا تنتهي الكتائب في أول سنين حكم الجميل. استمرارية الكتائب اليوم تحتاج إلى أعجوبة، إذ أن قانون الستين كما المختلط في ظل التحالفات الحالية سيجعل كامل كتلته الحالية مهددة بالسقوط. وحدها معجزة النسبية الكاملة كفيلة بضمان إعادة الكتائب إلى البرلمان، وبالتالي على الجميل ونوابه أن يكونوا رأس حربة المطالبة بتطبيق النسبية. فوضع الحزب «النخبوي» اليوم أسوأ مما كان عليه يوم انشق على نفسه، ويفترض بالجميل إجراء مراجعة جدية لأدائه السياسي وخياراته حتى لا ينتهي به الأمر بـ «لبناننا» آخر.