IMLebanon

معجزة.. لتفادي الانهيار المُدمِّر؟

من حق الرئيس تمّام سلام أن يُفكّر جدياً بالاستقالة، وذلك من موقعه الوطني والدستوري، المُؤتمَن من خلاله، على أداء الدولة، والحفاظ على الدستور، في ظل هذا الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية.

لا نغالي إذا قلنا أن الاستقالة، في هذا الوقت بالذات، تُجسّد مستوى رفيعاً من المسؤولية الشفافة، والمتجاوبة مع غضب الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، إزاء إصرار الأطراف السياسية على أساليب التعطيل، والتي تجمع بين اللامبالاة والعناد، فضلاً عن التشبث بالمصالح الشخصية والأنانية والفئوية.

لم يعد الرهان على صبر الرئيس سلام هو المسألة، بعدما استنفد كل مقومات الصبر، وبعدما ثبت لديه، وبشكل واضح، أن «البعض» تعامل مع ما أظهره من حكمة، وما تمسّك به من رحابة صدر، وكأنه ضعف في أداء رئيس الحكومة، ومواقفه وقراراته!

والقشة التي قصمت ظهر بعير الصبر، هي ملف النفايات، الذي ما زال متعثراً في دوّامة الخلافات والمناورات السياسية، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، رغم المخاطر الجمّة التي ينطوي عليها، والتي تصل أضرارها إلى كل الطوائف، وإلى كل المناطق، وطبعاً، إلى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين!

وإذا كانت الصراعات والانقسامات السياسية حول قانون الانتخاب مثلاً، أو حول التعيينات الأمنية، أو الترقيات العسكرية، مفهومة ومبررة، على خلفية تضارب مصالح الأطراف السياسية، طائفياً وانتخابياً.. فما الذي يمنع التقاء كل الأطراف السياسية، نعم كل الأطراف، على دعم وتنفيذ «خطة شهيّب» في معالجة أزمة النفايات، غير التنافس على المحاصصة، واقتسام المغانم؟

ولماذا يتحمّل رئيس الحكومة، وحده، مسؤولية ونتائج الصراعات والخلافات السياسية، في ظل هذا العجز المتزايد في معالجة الأزمات الحيوية، وتسيير شؤون البلاد والعباد؟

* * *

رب قائل، أن الاستقالة ستؤدي إلى سقوط آخر مؤسسة دستورية عاملة، وإلى انهيار ما تبقى من مقومات الدولة اللبنانية وقواعدها، مما يؤدي إلى اعتبار لبنان «دولة فاشلة»، مع كل ما يترتّب على هذه الخطوة من تداعيات دراماتيكية، على مختلف الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى المالية والنقدية.. إلخ!

الواقع أن استمرار الحكومة في الستاتيكو الحالي، من شلل وعجز وتعطيل، أدى إلى النتائج نفسها، إذا لم يكن إلى ما هو أسوأ منها بكثير، وهذا بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1 – إقدام المؤسسات المالية الدولية على تخفيض مستوى التصنيف الائتماني للبنان إلى (B-)، حيث تمّ وضع البلد على عتبة الإفلاس المدمر، مالياً ومصرفياً واقتصادياً، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات وانهيارات على الصعيد النقدي، وتراجع قيمة العملية اللبنانية تجاه الدولار، والعملات الدولية الأخرى.

2 – حذّر مسؤولو صندوق النقد الدولي وزير المالية اللبناني، من إلغاء اتفاقيات وعقود القروض والمساعدات الممنوحة إلى لبنان، بسبب عدم إقرار هذه الاتفاقيات والعقود من جانب السلطة الشرعية، والتصويت عليها في مجلس النواب المعطل منذ أكثر من سنة!

وهذا التحذير، من أعلى مؤسسة نقدية عالمية، ينطوي عملياً على إنذار بإيقاف التعامل مع الدولة اللبنانية، واعتبارها «دولة فاشلة» بحكم عدم وجود سلطة قادرة فيها!

3 – خاطب مندوب الاتحاد الأوروبي الوزراء اللبنانيين الذين التقاهم خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي، بصراحة قاربت حدود الوقاحة: عندما يصبح لديكم حكومة فاعلة وقادرة، اطلبوا منا الدعم والمساندة!

ومثل هذا الكلام المباشر والمُهين بحق اللبنانيين، يعني بشكل لا لبس فيه ولا إبهام، أن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن الحكومة، بوضعها المُعطَّل، وكأنها غير موجودة!

4 – يُضاف إلى كل ذلك، التباطؤ الحاصل في تنفيذ قرارات الدعم والمساندة للبنان لمساعدته في تحمّل أعباء النزوح السوري المُتفاقم، بسبب عدم قدرة الحكومة اللبنانية على اعتماد استراتيجية موحدة، وإنشاء مخيمات للنازحين السوريين، كما حصل في دول الجوار الأخرى، وخاصة الأردن وتركيا، اللتين حصلتا على حصة الأسد من المساعدات الدولية للبلدان المضيفة للاجئين السوريين!

ولم يكن ينقص الوضع الداخلي اللبناني المتأزم، بسبب العجز في معالجة أزمة النفايات، غير الأمطار المنهمرة، أمس، والتي أدّت إلى غرق الشوارع والمناطق بالنفايات العائمة بمياه الأمطار، وما ينتج عنها من أضرار بيئية وصحية جسيمة.

* * *

استقالة رئيس الحكومة على الطاولة، أزمة المطامر مِن تعثر إلى آخر، أكوام النفايات تطوف في الشوارع، خطر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي يتزايد يوماً بعد يوم، والاقتراب من مواصفات «الدولة الفاشلة» يصبح أكثر احتمالاً، وقواعد الدولة تمرّ بمرحلة خبيثة من التفكيك والتلاشي، لم نعرف مثيلاً لها، حتى في ذروة الحرب السوداء.

ورغم كل ذلك، تتعامل الأطراف السياسية مع هذه الأزمات ومخاطرها بعبثية ولا مبالاة، لأنها غارقة في صراعاتها على المكاسب والمغانم، وكأن البلد قادر على تحمل هذا القدر من المآثم الوطنية المدمرة!

فهل تحدث معجزة.. وتُنقِذ العباد والبلاد من مهاوي الانهيار؟