على وقع تصعيد أهالي العسكريين المخطوفين وتيرة تحركهم بعد إعدام «جبهة النصرة» الجندي محمد حمية، وإقدامهم على إقفال طريق بيروت – دمشق في الاتجاهين بالإطارات المشتعلة والسواتر الترابية متوعدين بالمزيد من التصعيد حتى تحرير أبنائهم بمقايضة ترفضها الحكومة بلسان رئيسها تمام سلام أو من دون مقايضة، تعيش الساحة الداخلية حالة قلق من التوترات التي تشهدها بلدة عرسال وجرودها، جرّاء انقطاع التواصل بين جبهتي النصرة وداعش توصلاً الى تسوية سياسية لهذه القضية وذلك بعدما جدد رئيس الحكومة رفض الحكومة الدخول في مفاوضات مع التنظيمين الإرهابيين بهدف المقايضة بين العسكريين المخطوفين وبين المساجين الإسلاميين وتمسكه بتحرير العسكريين قبل أي أمر آخر.
على وقع هذا التصعيد يظهر المشهد السياسي الداخلي مربكاً على جميع الجبهات حيث لا تقدّم يُذكر على صعيد الاستحقاق الرئاسي بعدما قال النائب ميشال عون المدعوم من حزب الله كلمته ومشى، تاركاً للآخرين الخيار بين بقاء الجمهورية بلا رأس وبين اختياره لملء هذا المركز المسيحي، ولا تقدّم على صعيد الجلسة التشريعية لإقرار سلسلة من المشاريع تحت عنوان الضرورة، بذريعة وجود الرئيس فؤاد السنيورة في باريس للمشاركة في حفل زفاف نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري بهاء وبالتالي تعذّر اجتماعه برئيس مجلس النواب للتفاهم على بعض النقاط العالقة في سلسلة الرتب والرواتب ومنها الواحد بالمئة على T.V.A، وثالثاً لا تقدّم على صعيد التمديد للمجلس النيابي بعدما قال رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أن لا انتخابات نيابية ما دام رأس الجمهورية فارغاً.
يُضاف الى هذا المشهد المعقّد، تفاقم المشاكل الاجتماعية الى حدود تهدد بالانفجار الشعبي حيث لا كهرباء في لبنان إلا في حدود ضيقة جداً بحيث ارتفع منسوب انقطاع التيار الكهربائي الى ما يربو على الخمس عشرة ساعة في كل 24 ساعة، فضلاً عن البطالة المتفشية بين صفوف الشباب، وعن الفقر المستشري بين اللبنانيين حيث أن نسبة الذين تحت خط الفقر تجاوزت الثلاثين والأربعين بالمئة، ناهيك بالنازحين السوريين الذين يرهقون كل مقدرات الدولة ويهددون بتفاقم الأزمات الاجتماعية الى حدود الانفجار السكاني في أي لحظة في ظل غياب الاهتمام الدولي وتجاهله صراخ الحكومة اللبنانية طلباً للدعم ومساعدة لبنان على مواجهة هذه الأزمة الاجتماعية البالغة الخطورة وبسبب عجز الحكومة اللبنانية عن مواجهتها منفردة، ومن دون أي دعم دولي، حتى الوعود التي أغدقت على لبنان من دول الغرب بمساعدته على تجاوز هذه الأزمة ذهبت أدراج الرياح ولم يعد بإمكان أحد من المسؤولين اللبنانيين أن يعوّل على اجتماعات أو مؤتمرات دولية للبحث عن كيفية مساعدة هذا البلد كي يتجاوز هذه الأزمة التي تفوق كل قدراته الذاتية بعشرات المرات – إذا لم يكن بالمئات.
وبطبيعة الأحوال، فإن هذه الأوضاع المعقدة على الساحة الداخلية تطرح مئات علامات الاستفهام حول ما يمكن أن ينتظر هذا البلد على المستويين المتوسط والبعيد من مشاكل وآفات اجتماعية متعددة الأوجه والأشكال، وهل سيكون هذا البلد قادرا على الاستمرار في المراوحة مكانه في ظل غياب الحلول العاجلة لمشاكله المتفاقمة، والتي باتت بحاجة الى «عجيبة» فعلية، الأمر الذي لا يمكن الرهان عليه في ظل انتفاء عصر المعجزات.