IMLebanon

معجزات.. أميركية!

 

لن تكسر المسار الأميركي الراهن إزاء إيران، سوى واحدة من المعجزات الأميركية «المألوفة»، كأن تجد واشنطن في لحظة ما أن «الأفضل» لها هو التراجع إلى الخلف بدلاً من مواصلة التقدّم إلى الأمام!

 

عايش اللبنانيون غداة الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982 تلك المناحة.. دخل الأميركيون ووضعوا ثقلهم دعماً للسلطة اللبنانية، لكنهم لم يتردّدوا لاحقاً في الانسحاب! وفي ازدراء كل ما قيل عنهم وعن «صدقيتهم»! ووزنهم! ومصالحهم!

 

والدرس اللبناني ذاك لم يكن مقطوعاً عن سياق «مدرسي» ظهر في كوبا بعد غزوة «خليج الخنازير» واستؤنف في فيتنام، قبل أن يحطّ رحاله في العراق بالأمس القريب! علماً أن المحطة العراقية كانت قد شهدت واحدة من أعظم مآسيها غداة «الانتفاضة الشعبانية» التي تلت اندحار قوات صدام حسين عن الكويت.. بحيث أن الأميركيين أعطوا الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال نَفَساً مؤداه أن أوان «الثورة» على الطاغية قد حان! قبل أن يتبيّن أن حسابات جورج بوش الأب آنذاك رست عند تفضيل بقاء ذلك الطاغية في مقابل خيار واحتمال تمدّد الإيرانيين عراقياً إذا سقط! لكن طبعاً بعد أن دفع الجنوبيون والشماليون العراقيون أفدح الأثمان جرّاء «تصديق» الأميركيين!

 

قد يقول آخرون، إن السوريين أيضاً دفعوا في مكان ما ثمناً لإشارة تأييد أميركية أطلقها السفير السابق في دمشق روبرت فورد عند زيارته مدينة حمص في بدايات التحرّك الشعبي الهادر ضدّ النظام الأسدي في العام 2011.. ثم من خلال المواقف «المبدئية» التي أطلقها السيّئ الذكر باراك أوباما من بشار الأسد وإيحائه الواضح بضرورة «تنحيه» عن السلطة! قبل أن يتبيّن أن أجندة واشنطن اشتملت على أمرين مركزيين، واحد عابر وثانٍ دائم. الأول احتواء المشروع النووي الإيراني بأثمان تدفعها من كيس العرب والأكثرية الإسلامية، الأمر الذي عنى السكوت والتغاضي عن تمدّد إيران وفجورها في الأداء! والثاني الإنصات والإذعان للرؤية الإسرائيلية القائلة بعدم الاستعجال في التدخّل طالما أن فوائد ما يجري في سوريا أهم من «جزئية» حقوق الإنسان أو مقارعة الطغيان! وطالما «أن مسلمين يفتكون بمسلمين»! وطالما أن «الإرهاب يُقاتل بعضه بعضاً» وطالما أن دولة مركزية ومحورية مثل سوريا تُنكب وتُدمَّر وتُسحب من ميزان المنطقة! وطالما أن مفهوم «المقاومة» يُدمَّر على أيدي أصحابه ويتعرّض لتهتّك ما كانت إسرائيل لتحلم بجزء منه ولو بعد ألف عام! وطالما أن التاريخ تُعاد كتابته عند شعوب المنطقة بطريقة تجعل «مجازر الصهاينة» تفصيلاً مضحكاً – مبكياً أمام مجازر «الممانعة»! ثم طالما أن نظام آل الأسد مُجرَّب و«مضمون» ويعرف «وظيفته» وحدوده تماماً، ولا يمكن ضمان أن غيره يمكن أن يكمل المسيرة الإعجازية القائلة في خلاصتها المرئية أمام كل خلق الله، إن رصاصة واحدة لم تُطلق في سبيل «تحرير» الجولان المحتل! ولن تُطلق طالما أن صاحب الشأن في دمشق يعرف يقيناً أن ذلك سيكلّفه مصيره كله دفعة واحدة!

 

البُعد الإسرائيلي في السياسة الأميركية حاسم في شؤون المنطقة، لكنه لم يكن كذلك في غيرها.. ومع هذا بنى الأميركيون تراكماً في مواقفهم عنوانه العريض مرونة مصلحية فضفاضة لطالما دفع غيرهم أثمانها الغليظة!

 

في حراكهم الراهن إزاء إيران تبدو الاندفاعة في ذروتها! وتعبّر عن سياسة واضحة لساكن البيت الأبيض! وتستند إلى حسابات صعب دحضها برغم الانفعال المضاد عن «قوة» إيران وجماعتها! وبرغم كثرة الارتباكات التفصيلية في الأداء الأميركي.. وبرغم تحوّل بعض التركيز من إيران إلى تركيا! لكن ذلك كله لا يكفي لحجب «المعجزة» من الحسابات! ولا لاستبعاد لحظة تخلٍ ما تعيد الأمور إلى نقطة الصفر! كأن تجد الولايات المتحدة مثلاً، أن أوان إخراج المنطقة وشعوبها العربية والإسلامية من دوّامة الاستنزاف المتعدّد الأبعاد والطبقات والغايات، لم يحن بعد! وأن «دور» إيران في ذلك هو ذاته وإن بشمولية أوسع وأكبر، «دور» بشار الأسد في سوريا!

 

الاحتمال في اللحظة الراهنة يبدو بعيداً ونائياً وغير واقعي! لكنه بالتأكيد موجود في حسابات إيران المضادّة، طالما أن دونالد ترامب اكتشف فجأة أن مصطلح «الخنق» الذي استخدمه ضدّها، يجوز ويصحّ في حالة تركيا أيضاً! مع أن هذه «صديق» تاريخي، وتلك مصنّفة بأنها «عدو» تام ولا تنقص عداوته أي شروط وإضافات، أقلّه منذ أربعة عقود!!

 

علي نون