هناك محاولاتان ناجحتان، لماذا لا تكون الثالثة؟ المخطوفون في أعزاز، وراهبات معلولا، وبقيّة العبر التي يمكن إستخلاصها. هل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كانت أفضل حالاً من حكومة تمام سلام، وأكثر قدرة وفاعليّة؟ هل إنّ المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم كان يملك في السابق، ما لا يملكه الآن؟ هل إنّ قنوات تفاوضيّة مؤثّرة إستخدمت في السابق، لم يُصَرْ الى «تشغيلها» الآن؟ في الوسط الديبلوماسي كثير من الإسهاب في التساؤل، وقليل من الجُمَل المفيدة.
من الأفكار المتداوَلة: لماذا لا يعمد مجلس الوزراء الى إعلان «حال طوارئ وطنيّة» لشهرَين على الأقل بالتنسيق مع وسائل الإعلام ومختلف فعاليات المجتمع المدني، لإخراج هذه الأزمة الحساسة والدقيقة من عالم الأضواء والمزيدات الى عالم السريّة والتكتم، على أن تسحب خيم الإعتصام، ويعود الشارع الى حركته الطبيعيّة، وتنكبّ الحكومة كفريق عمل واحد على وضع خطة متكاملة، والإنصراف الى تنفيذها بعيداً من التبجح الإعلامي، وعرض العضلات، وتسميم الأجواء بـ«العنتريات الفئويّة، والطائفيّة، والمذهبيّة»، والإستعانة بالدول الصديقة والشقيقة، وتوظيف كلّ الأرصدة والإمكانات المتوافرة… ومع إنقضاء المهلة، يكون الحساب، فإما تنجح الخطة، أو يبنى على الشيء مقتضاه.
ومن الأفكار المتداوَلة: هناك خليّة أزمة تضمّ وزراء من 8 و14 آذار، ومن تيار «المستقبل» و«حزب الله»، ومن سائر المكوّنات السياسية الأخرى، لماذا لا تعطى صلاحيات سريّة واسعة تؤهل كلّ فريق أن يوسّع هامش التنسيق والتشاور مع «خارجه»، ويدخل عليه عنصر التعاون مع «المرجعيّة»، سواء أكانت الولايات المتحدة الاميركية، او السعوديّة، او إيران، او النظام في سوريا، او المعارضة، للتفاهم على خريطة طريق يمكن أن تخرج الحكومة والمؤسسة العسكريّة والكرامة الوطنيّة من هذا النفق، خصوصاً أنّ الخارج ملمٌ بالفراغ الذي يتخبّط فيه لبنان، والوضع الهش الذي يعاني منه.
يؤكّد الدبلوماسي أنه «على اقتناع بأنّ مثل هذا التحرّك قد يُحدِث صدمة إيجابيّة إذا تغلّبت المصلحة الوطنيّة على الكيديّة الفئويّة، وتُكلل بسريّة مطبقة بعيداً من التبجّح، وبدينامكيّة تسكنها الحكمة بدلاً من العشوائيّة».
ويضيف: «مرّ من هنا يوماً المبعوث الأممي الى سوريا ستيفان دو ميستورا، وأُثير معه هذا الموضوع، وأبدى اهتماماً، وكانت المحصّلة، «يوجد في الجمهوريات اللبنانية كثير من النفخ والضجيج، بحيث تتحوّل المجالس حوارَ طرشان، ويصعب على الآتي من الخارج تمييز الأصوات، وفهم مغازي اللهجات».
ومرّ من هنا أيضاً نائب وزير الخارجيّة الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي جاء يحتفل بمرور 70 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسيّة. دهشته كانت أنّ الوثائق الرسميّة المتبادَلة تتحدث عن العلاقة مع الجمهورية اللبنانية. بعد مرور سبعين عاماً على قيام العلاقات، وجد أنّ الجمهوريّة قد «تحللّت» الى جمهوريات، وكان عليه أدبيّاً وبروتوكوليّاً في هذه المناسبة أن يلتقي عدداً من زعماء المربّعات».
قيل إنّ موضوع المحتجَزين قد أُثير معه في إحدى الكولسات الرسميّة، فسأل محدّثه: كيف العلاقة مع دمشق هذه الأيام؟
– إننا نمارس سياسة النأي بالنفس؟
– جيّد؟ وما هي الخطة التي وضعتموها للإفراج عن العسكرييّن في إطار سياسة النأي بالنفس؟
– هناك المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم المكلّف هذا الملف.
– وهل يملك خطة متكاملة وافق عليها مجلس الوزراء تطلق يده في المفاوضات مع أيٍّ كان، وفي أيِّ موقع كان، من دون أيّ تحفّظ، او إلتباس؟
– … هنا… إنتقل البحث الى موضوع آخر.
يضيف الدبلوماسي: «المشكلة أنّ حكومة المصلحة الوطنيّة «تجتاز مسارات متعذّرة، بخطوات متعثّرة». أثار الموضوع الرئيس تمام سلام خلال محادثاته الأخيرة في بروكسيل. وكان تركيزٌ على السلاح لرفع معنويات المؤسسة العسكريّة، وتفعيل دورها في محاربة الإرهاب، وأيضاً التنسيق الضروري والعملاني مع «غرفة التحكم» التابعة للتحالف الدولي.
ما تمّ إستنتاجه يُختصر بسؤالين: لماذا كلّ هذا التمهّل والتباطؤ والترف في تفعيل الهبات المقدّمة لتسليح الجيش؟ ولماذا لا تكون هناك مبادرة جديّة متحمّسة وهادفة الى إزعاج الآخرين، كلّ الآخرين، سواء أكانوا معنيين مباشرة، أو بصورة غير مباشرة لفكّ الألغاز إنّ وجدت، للحصول على السلاح في أسرع وقت؟
ثمّ هل مِن تعاون مخابراتي جدّي مع «غرفة التحكّم» الدولي للحصول على كثير من وجوه الدعم، كون لبنان عضواً مؤسساً في التحالف، وهو حاليّاً هدف مستهدف من الإرهاب. لعلّ زيارة سلام المقرّرة لباريس تأتي ببعض الأجوبة، أقلّه في ما يتعلّق بالسلاح الذي قد يُحدث «ثغرةَ أمل» في هذا الجدار الصلد.