IMLebanon

ميرنا الشالوحي: إستذكار لشعارات الحرب

 

 

في ميرنا الشالوحي مشهد ذكّرَ بالزمن الماضي واستحضَر شعارات الحرب والتهديد والوعيد من جانب الطرفين. فلا مناصِرو حركة «أمل» هضَموا الإساءة إلى زعيمهم أو «ربِّهم» كما صرّحوا لـ«الجمهورية»، ولا العونيّون تقبَّلوا «الهجمة الأملية» على عقر دارهم، حسب تعبيرهم، فيما الآليات العسكرية والأمنية وقفَت حصناً مستطيلاً على طول الطريق مقابل مركز التيار الرئيسي، لمنعِ الاحتكاك بين الطرفين المستنفَرَين.

في ميرنا الشالوحي، عبقت رائحة البارود والدخان الأسود المتصاعد من حرقِ الدواليب؛ مشهد حربيّ ميداني يذكّرنا بالحقبة الماضية لحروب الشوارع.

والحقيقة تقال إنّ هيبة مناصري حركة «أمل» على الميدان واستقواءَهم إنْ مِن خلال شعاراتهم أو مِن خلال طريقة هجومهم على مقر «التيار الوطني الحر» كانت واضحة مِن رشقِ المركز والسيارات ومناصري التيار بوابلٍ من الحجارة الكبيرة كما وصَفها العونيّون الذين بدوا في بادئ الأمر مسالمين.

إنّما عند السؤال، يوضح عنصر من مناصري حركة أمل بعكس ذلك، ويصرّ على أنّ عناصر الحركة جاؤوا للاعتراض على ما صَدر من وزير في السلطة بحقّ زعيمهم، وقد جاؤوا مسالِمين لحرقِ الدواليب فقط، إنّما مناصرو التيار الوطني الحر أطلقوا النار عليهم وأصابوا واحداً مِن عامةِ الشعب في رِجله، وقد تمّ نَقله إلى المستشفى للعلاج.

هذه رواية مناصري «أمل» الذين لم يتوقّفوا عن الهجوم على باسيل وعلى رئيس الجمهورية بأعنف الشتائم وأقسى العبارات، وسط صمتٍ ملحوظ للقوى الأمنية الذين اقتصَر دورُهم على المراقبة ومنعِ الطرفين من الاصطدام.

الأمر الذي لم يرُق كثيراً لأنصار التيار الوطني الحر، فعلت بعضُ الأصوات على أدائهم، بخاصةٍ عندما كان يقترب أنصار التيار باتّجاه مناصري أمل لإسكاتهم فيَردعهم عناصر قوى الأمن، لتعلوَ بعض الأصوات: «لماذا تُرجعوننا إلى الخلف ولم تجرؤوا على التقدّم إلى الأمام وإبلاغ هؤلاء «الزعران» بالتراجع؟

مناصِرو حركة أمل الذين أخفى أغلبيتُهم وجوههم بأقنعة سوداء، كانوا يعيدون تأجيجَ النار كلّما خفتَ لهيبُها من خلال حرقِ الدواليب والاستعانة أحياناً بكلّ ما وقعَت أيديهم عليه من أكياس نفايات ودواليب وقمامة، وقال أحدهم لـ«الجمهورية» إنّهم لن يسامحوا الوزير باسيل مدى الحياة، لأنّ التطاول على الرئيس بري هو تطاوُل على الإله الخاص بهم، مهدِّدين انصارَ التيار بمعاودةِ التهجّم على كلّ من حاوَل أو سيحاول التطاولَ على زعيم الشيعة نبيه برّي، مهما علا شأنه» مطالبين الوزير باسيل بالاعتذار «لأنه تعدّى الخطوط الحمراء».

التيار الوطني الحر الذي بدا في البداية مسالماً ومراقباً، استفزّته الأصوات التهديدية والكلمات التي اعتبرها مسيئة، فاسترجَع شعارات الجنرال عون القديمة وبدأ بالصراخ، الأمر الذي عاد واستفزّ مناصري حركة أمل، فحاولوا التقدّم باتجاههم وإلقاء الحجارة عليهم من جديد.

رواية التيار

نعَم نحن أطلقنا النار ولا نخجل من الأمر، إنّما أطلقناه في الهواء لردعِ المهاجمين، هكذا أجاب مناصرو التيار على سؤالنا، وقال الناشط الدكتور نجيب أبو ديوان لـ«الجمهورية» إنّ مناصري التيار الذين كانوا متواجدين في مقرّ التيار لم يطلِقوا النار إلّا بعد محاولات عدة لردع المتظاهرين من الاقتراب من مركزهم، مؤكّداً أنّ إطلاق النار كان في الهواء فقط.

وقال إنّ الأضرار التي سبّبتها الحجارة واضحة، من تكسير زجاج السيارات المتوقّفة قرب المركز وإشعال النيران، مستغرباً عدمَ وصول الدفاع المدني، (الذي وصَل بعد ساعة من الإشكال).

أحد الناشطين استغرب تأخُّرَ القوى الأمنية في الوصول لإيقاف المعتدين، معلّقاً بالقول: «مع أنّ الملعب يقع خلفَهم مباشرةً». متابعاً أنّ أنصار حركة أمل حملوا السكاكين والعصيّ وكانوا ملثّمين وبدأوا برشقِ حجارةٍ كبيرة على المركز، وبدأوا باستهدافه بشكل مباشر، ما اضطرّ الشباب الى الردّ للدفاع عن بيتهم.

جورج، المناصر المتحمّس الذي وصَل متأخّراً قال لـ«الجمهورية»: مَن قال إنّنا تأخّرنا ومَن يعتقد أنّنا خائفون نقول: «نحن بحِمى الجيش ونحن رجال، وهم اليوم أثبتوا أنّهم بلطجية، ولكنّنا نقول لهم إنّ التيار ايضاً لديه زعران وبلطجية حين يَلزم الأمر.

وتساءلَ جورج؛ لماذا أتوا إلى مركزية التيار التي تشرّف العالم، مضيفاً: «هم تاريخُهم معروف، ونحن تاريخنا نظيف وزعيمُنا في قصر بعبدا لديه تاريخ حافل بالنظافة، لا عمالة ولا عمولة ولا فساد ولا سرقة، نحن جيل الجنرال عون، ونحن الزِلم والقبضايات، إنّما الفرق هو أنّنا أناسٌ محترَمون، لدينا جيشُ لبنان والقائد الأعلى، والذي يريد أن يطلق النار علينا هنا في ميرنا الشالوحي لن نتهاون معه».

وتابع: إذا أخطأ وزير فالذي يحقّ له الرد عليه هو الوزير وحده، إنّما لا يتمّ إرسال الزعران لتردّ على الوزير.

وأضاف: «إذا دعا رئيس التيار جبران باسيل العونيين للنزول الى الشارع فليكُن بعِلم الجميع أنّ 2 مليون شخص سيلبّون النداء مِن نساء ورجال وأطفال وكبار في السن. ونحن بانتظار كلمة واحدة».

وتمنّى جورج على الجمهورية إيصالَ كلمة نهائية لحركة أمل بالقول: نِحن عندنّا جيش يحمينا، ولنا شرفُ الخضوع لتعليمات الجيش، إنّما الذي سيصل الى ميرنا الشالوحي سيدفع الثمن مهما علا شأنه وكائناً من يكن. أمّا كلمة بلطجي فليست إهانة ولا ضرورةَ ليُصار منها قضية.

وعلّقَ مناصرو عون على إزالةِ صورِ الرئيس من الضاحية بالقول صورتُه في قلوبنا، ولن يستطيع أحدٌ نزعَها، ونحن لسنا غنماً ولا نسير وراء صوَر بل نسير وراء العقيدة والمبدأ.

لا اعتذار

قرابة الثامنة انسحب أنصار حركة أمل، فوصل قائد فوج المغاوير مارون القبيّاتي واستطلعَ الارض.

أنصار حركة أمل وأنصار التيار استذكروا أحداثاً ماضية، فالبعض، مِثل قريب ميلاد حبيب يوسف، قال إنّ قريبَه عسكري بالجيش وما زال في السجن السوري بسبب حركة أمل، وهم لا يجدون في كلام جبران مغالطةً بل حقيقة، وما فعَله أنصار الرئيس بري أثبتَ ما قاله جبران قولاً وفعلاً، وإنّ جبران نظيف الكفّ وأنظفُ منهم جميعاً، حسب قوله.

غادرنا ميرنا الشالوحي في وقتٍ بدأ أنصار التيار الوطني وقياداته يتوافدون بكثرة للاطمئنان على الشباب في المركز، فيما لم يُجب أحد منهم على وجوبِ اعتذار الوزير باسيل الذي طالبَه به المتظاهرون وأغلبيةُ المسؤولين السياسيين، وحتى الوزير باسيل الذي وصَل شخصياً عند التاسعة ليلا إلى مركز التيار الرئيسي وسط إجراءات أمنية مشدّدة، رافقت وجهَه ابتسامةٌ عريضة.

اطمأن باسيل على العناصر الذين اختاروا المكوثَ في المركز، ولم يجب على أسئلة الصحافيين الذين سألوه ما إذا كان سيعتذر، فاكتفى بالابتسام والمغادرة من دون الإدلاء بأيّ تصريح.

ما بين «عين التينة» و«بيت الوسط»… قبل ما بين «عين التينة» و«بعبدا»

 

جورج شاهين

 

شاء البعض أن «يصطنع المفاجأة» ممّا قاله الرئيس نبيه برّي «ما من داعٍ للقاء الرئيس سعد الحريري، فأخباره تصلني وأخباري تصله»، ليس لسبب بل ربّما لعلمهم أنّ النزاع محصور بين بعبدا وعين التينة، وجهلهم أنّ المشكلة بين عين التينة و«بيت الوسط» قائمة من قبل. وقد يصحّ القول إنّها قائمة منذ ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وعليه، فما هي الدلائل؟

قبل أن يُسجّل بري على الحريري استعجاله توقيع مرسوم الأقدمية قبل ان ينتظر توقيع وزير المال علي حسن خليل، لم تكن العلاقة بين عين التينة و«بيت الوسط»، «سَمن وعَسل»، خصوصاً أنّ بري كان قد تبلّغ عبر قنوات موثوقة مفتوحة مع «بيت الوسط» بوعد قد قطعه الحريري «بقطع يده قبل توقيع مرسوم الأقدمية»، ولكنه لم يلتزم. فتراجع عن وعده ووقّعه بلا توقيع وزير المال وأحاله الى رئيس الجمهورية لتوقيعه، ومن بعدها أوقف نشره في الجريدة الرسمية.

وفي الكواليس والأوساط السياسية والنيابية، سيناريوهات عدة سبقت هذه الأحداث وتلتها، ما زالت طي الكتمان بمعزل عن مصير المرسوم. فقد جرى تعميمه وأدرج مضمونه على إضبارات الضبّاط المستفيدين منه، وبات أمراً واقعاً ليس خافياً على كثير من المسؤولين، وهم يعرفون الكثير من تفاصيل المناقشات التي دفعت الى ادراج الترقيات وما قال به المرسوم على الإضبارات الشخصية للضباط المستفيدين، وهو ما أشارت اليه دوائر القصر الجمهوري اكثر من مرة من خلال التأكيد انّ المرسوم لم يعد موضوع نقاش وليس مهماً ان ينشر ام لا، فعشرات المراسيم المشابهة سَرت مفاعيلها منذ سنوات وأشهر ولم تنشر في الجريدة الرسمية.

وأعقبَ رئيس الجمهورية يومها خطوته بتوقيع «جداول ترقية الضباط» كما صدرت عن قيادة الجيش ووزير الدفاع حفظاً لحقوقهم ولَو لسنوات، بانتظار ان يوقّع وزير المال المرسوم الخاص بالترقيات من دون الحاجة الى قانون يعالج التأخير في تطبيقها وليس بالنسبة الى صدورها.

كان ذلك، قبل ان ينشر رأي مجلس شورى الدولة بناء لطلب وزير العدل مُنتصراً لوجهة نظر رئيس الجمهورية وليحسم الأمر بعدم الحاجة الى توقيع وزير المال. فالمرسوم بحد ذاته لم يعط الضبّاط المستفيدين لحظة صدوره اي مترتّبات مالية على خزينة الدولة.

وهو أمر لا نقاش فيه قبل ان يأتي المردود المالي لبعض الضباط المستفيدين من مرسوم الأقدمية مُتلازماً وصدور مرسوم الترقيات السنوي الذي يعدّه وزير الدفاع بناء لاقتراح قيادة الجيش بلا نَيل موافقة اي طرف آخر، باعتبار انّ هذه المرحلة من الترقيات ليست إلزامية بل هي استنسابية تتحكّم بها القيادة والمجلس العسكري كما يقول به قانون الدفاع عندما يتّصل الأمر بالترقية من رتبة مقدّم وما فوق.

وعليه، يرفض أصحاب نظرية عدم الحاجة الى توقيع وزير المال، الربط الذي أحدثته وزارة المال لتبرير توقيعها بين مفعول مرسوم الأقدمية ومرسوم الترقية لجهة المترتبات المالية، واعتبرت انّ توقيع وزير المال المرسوم الثاني مُلزم لما فرضه من مترتبات مالية ولا يرتبط بمفاعيله بما قال به المرسوم الذي سبقه. فهو لم يستند بكامل مفاعيله عند الترقية الى ما قال به مرسوم الأقدمية، فلم تشمل الترقيات حكماً كل الضباط المستفيدين منه.

وعليه – يقول السيناريو الأكثر واقعية – انّ عين التينة بَنت موقفها من تصرّف رئيس الحكومة منذ اللحظة الأولى على انه شريك في هذا الموقف من المرسومَين ومفاعيلهما.

ولذلك، فهي لم تكن مسؤولة عمّا تمّ تداوله من وساطة ارادها او يستعد لها رئيس الحكومة للفصل في الخلاف مع بعبدا، ولم تعلّق يوماً على هذه المعلومات. فهي – على علم قبل غيرها – انّ رئيس الحكومة لا يمكنه القيام بهذا الدور، وأنّ قراره بوقف نشر المرسوم في الجريدة الرسمية بعد توقيعه، لا يسمح برأيها أن ينال «دور الوسيط» في هذه المسألة، فبقي الحديث عن وساطته بلا أي مفاعيل.

وفي تطورات الأزمة، برزت المهمة التي تَعهّد بها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط عندما كشف انه تسلّم من بري مبادرة لتسوية الخلاف مع بعبدا، قالت – كما تَسرّب في حينه – بدَمج المرسومين في مرسوم واحد. وكانت المفاجأة ان حَملها النائب وائل ابو فاعور موفَداً منه الى السراي، فيما كان الحريري يستعد للتوجّه الى باريس، فوضَعها في جيبه وطار بها الى العاصمة الفرنسية.

سُئل يومها في بعض الأروقة السياسية، عَمّن أرشَد جنبلاط الى السراي؟ ومن كَلّفه بنقلها الى هناك بدل التوجّه بها مباشرة الى قصر بعبدا المعنيّ بالخلاف؟ فالرئيس بري يومها لم يكن قد قبل بعد بوساطة الحريري، ولم يسجّل له اي نشاط بهذا المعنى إطلاقاً. وهو ما جَدّده أمس بصراحته المعهودة «ما مِن داعٍ للقاء الحريري، فأخباره تصِلني وأخباري تصِله».

وبمعزل عن كل تفاصيل هذه الروايات، يعترف – أحد الوسطاء الجديين – انّ تطورات الأزمة بين بعبدا وعين التينة حول المرسومين والخرق المُدوي للتفاهم الأخير الذي جرى قبل ساعات على نشر فيديو وزير الخارجية جبران باسيل بوَقف الحملات الإعلامية بينهما – وما بلغته الساعات الماضية من تخاطب بلغة البلطجة – دفعت بعين التينة الى استحضار الخلاف السابق مع «بيت الوسط» عندما فوجئ برّي بترشيح الحريري عون لرئاسة الجمهورية، ورغم مرور استحقاقات كثيرة كانت قد دفعت الى طَي تلك الصفحة.

ويختم الوسيط بالقول: «انّ لموقف بري ما يبرره، فما يجري اليوم من تفاهمات بين بعبدا و»بيت الوسط» ليست وليدة تطورات الساعة الأخيرة، بل هي بنظر عين التينة من ثمار التفاهم الذي صيغَ بين الرابية و«بيت الوسط» قبل الإستحقاق الرئاسي. ولذلك لم يعد هناك نقاش في انّ الخلاف بين عين التينة و«بيت الوسط» قائم قبل الخلاف مع بعبدا، وانّ تطور الخلاف مع بعبدا لا ينفي استمرار الخلاف مع «بيت الوسط»، فهما في مواجهة عين التينة، ولَو بِنسَب متفاوتة».