Site icon IMLebanon

«حرب مرايا»!

لا تسري هذه المعادلة إلاّ في نواحينا: كلّما تقدّم المشروع الممانع على الأرض، تراجع أكثر فأكثر واقع تلك الأرض وظروف أهلها وأحوالها وثرواتها وقيمها..

وتلك الحركة العكسية متأتية من حسبة رياضية بسيطة مفادها أن حاصل جمع سيئين لا ينتج معطى إيجابياً. بل الأصحّ الواضح الملموس والمحسوس في كل حال، هو أن الأسوأ يلي السيّئ! وإن الإرهاب الوبائي، الحقيقي والمفتعل و«الأصيل» والمركّب يُعالج بجرعات من طينته وإن اختلف العنوان! وهذا لا يمكن إلاّ أن ينتج «حالة» متقدمة منه ومحصّنة إزاء المضادات المعتمدة، أكثر من سابقاتها!

.. كأنّها «حرب مرايا»: تدور بين متشابهين وإن اختلفت الممارسة، وتقدمت الهوامش على المتون في النصّ المعتمد! وظهر أحد عنصري الصورة (التي في المرآة) أكثر شطارة وقدرة على تسويق نفسه، وتبرير انقضاضه على صنوه المقابل.

إختلاف التفاصيل لا يغطّي المشتركات الكثيرات والطافحات. لا في الغلو والتطرف والمكابرة وكثرة الطقوس الإيمانية، ولا في صدّ الآخر ونفي حقّه بالاختلاف! ولا في اعتماد لغة جذرية لا تعوزها قلّة الاحتشام ولا المبالغة الموصلة الى التكفير وما دونه! ولا رعونة الاتهام المقيت والمخزي. ولا خفّة الشطط التهويلي والتهديدي. ولا العودة الى السيرة المألوفة الخاصة بالتشبيح المفتوح على هواه، والتشبّه بالعسس وأهل العتم. ولا الانتشاء بالحديد أمام عُزّل. ولا الإكثار من الصراخ الدال على خواء، تماماً مثل الطبل الفارغ! ولا الادّعاء الاحتكاري للحق في مواجهة «باطل» الآخرين! ولا غير ذلك الكثير من الذي يدلّ في خلاصته على مقدار الضعف في مُدّعي القوة والبأس!

حامل الصواريخ لا يحتمل حامل قلم! وحامل «هموم الأمة» لا يحتمل صرخة أم! ولا يطيق قولة اعتراض! ومحتكر الاقتدار والطريق الى الجنّة لا يحتمل الإشارة الى بوصلته وزوغان اتجاهاتها! ومدّعي القدرة على تغيير خرائط المنطقة لا يطيق أي خريطة اختلافية موضعية! ولا يحتمل صوت مدني في مقابل أصوات مدافعه الهادرة في كل حين! وذروة الغرابة في ذلك، أنّ الشعارات الكبرى تسوّق بلغة مسفّة، و«القضايا المقدّسة» تُعمّم بالشتيمة والإسفاف ومفردات الرعاع.

في ضمور اللغة ضمور الحُجّة وغياب «القضية». والعلاقة بين الأمرَين سببيّة وتلاقحيّة. وأوّل وأكثر من يعرف ذلك، هو القتالي المحترف، الموغل في «حروب المرايا». والمنخرط في تصنيع الفتن. والاختصاصي في توليد التشظيات «الأهلية»: يطمر أسئلته القلقة بالإكثار من الأجوبة اليقينيّة! ويداوي شكوكه بالإكثار من مبالغاته وبلاغاته ومفردات الحسم واحتكار الحق والحقيقة! ويداري توتره بكثرة الصراخ وتعلية الصوت! ثم لا يتورّع عن التشبّه بالانفصاميين: يلبس أثواب الملائكة ويعتمد أساليب الشياطين!

في بعض الاستطرادات المحتملة، يمكن ملاحظة غرابة أخرى: أخذ الإسرائيليون عن النازي بعض أدائه تعبوياً وعسكرياً. وأخذ بعض الممانعين عن الإسرائيليين بعض أدائهم تعبوياً وعسكرياً.. والخلاصة المشتركة في ذلك هو أن «الآخر» شيطاني تام. لا تنفع معه سوى لغة الاستئصال ولا شيء دون ذلك.. سوى أنّ الفارق عندنا هو أنّ «الآخر» في حروب الممانعة ليس سوى ذلك الظاهر في «المرآة» أمامها!!