ما تزال دول مجموعة سيدر تطيل حبل الصبر على الدّولة اللبنانيّة، وللمناسبة الموفد الفرنسي السفير بيار دوكان ليس كما وصفه بعضهم بـ»المندوب السّامي» فهو مكلّف بمهمّة بمتابعتها وفي كلّ مرّة يأتي إلى لبنان يصاب بخيبة أمل من عدم جديّة الدّولة في تحقيق أي إصلاح حقيقي طالبتها به دول سيدر، وهؤلاء باتوا يعرفون أنّ دولتنا تمارس لعبة الخداع، وأّنها متمسّكة بهذه السياسة بل ومتمرّسة في ممارستها!
هذا الإصرار على «الخداع» لا يخصّ فقط دول سيدر، بل تمارسه الدولة على الشعب اللبناني أيضاً، من المؤسف أنّ تجاهل تأسيس الهيئات النّاظمة لشركة الكهرباء والاتصالات والطيران المدني دليل «وقح» على «جقامة» المستفدين من نهب أموال الشعب اللبناني وإصرارهم على نهبها، الحيتان الذين تضخمت ثرواتهم وتضاعفت ملياراتهم هم أنفسهم القيّمون على دعوى الإصلاح ومحاربة الفساد وسدّ مزاريب الهدر، ومع هذا لا يتردّدون في خداع اللبنانيّين ببدعة التفاؤل!!
أيّ تفاؤل هذا، من الضحك أن دول سيدر تريد رفع سعر تعرفة الكهرباء على خدمتها الرديئة، ربما لا تعلم دول سيدر بأنّ مناطق كثيرة تمتنع عن دفع سعر ما تستهلكه من كهرباء مستقوية بالسلاح، وأنّ رفع هذه التعرفة سيصيب المواطن اللبناني الذي لم يبقَ له لحمٌ حيّ لتقتطع منه هذه الدولة شيئاً، كلّ حديث «يرشرش التفاؤل» هو «بدعة» لأنّ ما يقال ذرّ للرّماد في العيون.. أيّ تفاؤل ونحن في بلدٌ من دون دخلٍ حقيقي وغارق في فوائد الدّين؟ أي تفاؤل والأفق اللبناني شبه مسدود، كلّ متمسك بوزارة تحوّلت إلى مغارة نهب منظّم، من المؤسف أنّ الذين يلون أمور اللبنانيين «مافيا» مدرّبة على نهب ثروات الشعب، ولن تغادر هذه الطبقة الحكم إلا بعد إفلاس البلد وسلبه آخر فلس في خزينته الفارغة؟!
سنظلّ نقول أنّ هذه الحكومة لم تملك أصلاً برنامج إصلاح، وأنّها عجزت عن إنجاز شيء، إلا إذا كان إعداد موازنة مالية «إنجاز» من وجهة نظرها، وسنظلّ نقول لا تملك هذه الحكومة أيضاً مشاريع تنهض بالبلد، ونحن لا نصدّقها عندما تقول أنّها ستنفّذ خطّة طوارىء إقتصاديّة، من المفارقات أن تدّعي هذه الحكومة أنّها «ستشيل الزير من البير» في أشهر ستة مع أنّ هذا النّهب والخراب المالي جرت مراكمته بكل الحكومات التي تتالت من بعد اتفاق الطائف، فعلى أيّ أساس خائر تُبنى أحاديث التفاؤل الخدّاعة؟!
النّاس لم تعد تحتمل الاستمرار على هذا المنوال من القلق، ثمة مخاوف حقيقيّة تعتري الشعب اللبناني بأفكار يونانية، ولا يجب أن تمر مخاوف أن يصيبنا ما أصاب اليونان مرور الكرام، ومن المؤسف أنّ محاولات الطمأنة التي يجري بثّها هنا وهناك ليست أكثر من محاولات تسكين مخاوف جديّة تعصف بأذهان اللبنانيّين.. منذ العام 2005 ووضع اللبنانيّين ينحدر بثبات وقوّة بفعل الأزمات التي توالت على لبنان وعليهم حتّى أوصلتهم سياسة الحكومات المتعاقبة والفرقاء السياسيّين المتعنّتين إلى هذا الحال المخيف اليوم!
ما تطلبه دول سيدر من الحكومة اللبنانيّة هو تحقيق النّزاهة والشفافيّة قبل أن ترمي هذه الدول أموالها في مجاهل الفساد الذي اتسمت به الدولة اللبنانيّة، يريد هؤلاء المانحين أن ينتظروا ظنّاً منهم أنّ شروطهم المتشددة قد تغيّر الحال اللبناني، أكثر من يدرك أنّ شيئاً مما طلبوه لن يتحقّق باستثناء تحميل المواطن اللبناني أعباء فواتير باهظة وضرائب جديدة، ومع هذا الأفق اللبناني يشي بأنّ «سيدر» وأمواله ستبقى وعود لن تتحقّق، لأنّ «زعبرة» الحكومات المتعاقبة لم تعد تنطلي على دول العالم، كيف سيساعدوننا ونحن عاجزين عن مساعدة أنفسنا، بل ونتآمر عليها أيضاً!