Site icon IMLebanon

شهادات تُنصف جماعة «رسالة حياة»

 

تحوّل الفساد في لبنان منظومة يصعب تقييدها أو تحديد هويتها… إنه داء تفشّى في هيكلية الدولة الادارية ومؤسساتها القضائية والاعلامية، ووصل الى مؤسسات دينية، وبات من الصعب تحديد علاج ناجع يمكن الركون إليه لإيقاف تمدّده أو استئصال خلاياه الخبيثة التي تنخر كثيراً من الادارات والهيئات، لكن لا يمكن التعميم « فلو خِليت خِربت».

ليل الجمعة الماضي ضجّت وسائل االتواصل الاجتماعي بخبر اعتقال راهبتين من جماعة «رسالة حياة»، بعد أن أصدرت المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضية نازك الخطيب قراراً بتوقيف الراهبتين بينهما رئيسة جمعية، إثر رفض الجمعية تنفيذ أمر قضائي بتسليم أطفال رضّع، ما شَكّل صدمة للرأي العام اللبناني، ولاسيما أنّ هذا الاجراء يأتي على خلفية قرار للقاضية الناظرة في جنح الأحداث في بعبدا جويل أبو حيدر، التي كانت قد سطّرت كتاباً بنقل 12 طفلاً من هذه الجماعة ونقلهم إلى جمعيات أخرى، نظراً الى وجود خطر على حياتهم.

 

وورد في حيثيّات القرار القضائي أنّ الأطفال يتعرضون للتحرّش والاعتداء الجنسي، إضافة إلى شبهة بيع عدد منهم، ليُعاد إطلاق الراهبتين فجر السبت بناء على إشارة القضاء المختص.

 

وتضاربت المعلومات حول عملية المداهمة التي قامت بها القوة الامنية لمركز الجماعة تنفيذاً لقرار قضائي بتَسلّم طفلين قيل إنهما عرضا للبيع، في حين سارعت الجماعة الى تأكيد حضانتهم بأمر كنسيّ، وهنا بدأت الحرب الإعلامية بين سلطة القضاء وصلاحيات الأمر الكنسي عليها.

 

شاهدة عيان

 

تعددت الروايات بشأن المداهمة التي جرت، وتحدّثت شاهدة عيان كانت تشارك في حفلة «عيد البربارة» في دير الرهبنة، لحظة حصول الحادثة، فأخبرت بتأثّر عن « الأسلوب «العنفي» الذي اعتقلت به الراهبتان اللتان رفضتا تسليم الرضيعين»، كما تروي مشاهدتها تأثّر الاطفال المشاركين في الحفل، والأثر النفسي الذي ظهر على وجوههم جرّاء عملية الاعتقال و«الافراط» في القوة المستخدمة، الأمر الذي دفع بالاطفال الى الصراخ، سائلة: «من يتحمّل التبعات النفسية لهؤلاء الأطفال؟».

 

ورداً على ذلك، أكّد مصدر أمني أنّ «ما حصل هو عمل قضائي لا أمني، فنحن لا نتحرّك الّا بناء على أمر من القضاء». في حين فضّل أحد الأطفال الذين تمّت إعادتهم الى أهلهم عدم التحدّث الى الإعلام، مكتفياً بالقول: «أحبّ هذه الجماعة، وسيبيّن التحقيق الحقيقة كاملة».

 

الراهبة التي أطلقت

 

تنطلق إحدى الراهبتين اللتين اعتقلتا لدى القوى الامنية بكونها «إنسان» غير معصوم عن الخطأ، لتؤكد أنّ «الجماعة لا تدّعي أنّها مثالية، بل هناك ما نتعلمه يومياً».

 

ولفتت الى أنّ دورهنّ في الجماعة لا يقتصر على احتضان الأطفال داخل المركز، إنّما «عندما نلتمّس أي حدث طارئ مع الأطفال، وتحديداً بعلاقتهم مع أهلهم، نتواصل فوراً بمندوبات الأحداث، ونرسل تقاريرنا… فيصلنا الجواب بعد أشهر. الّا أنّ ما حصل وكأنّ هناك أموراً «حيكت» من دون علم الجماعة ولم تعلم بها أو تسمع عنها».

 

وأشارت الى أنّ «العلاقة مع الاجهزة القضائية مبنيّة على الشفافية والثقة والكثير من التعاون والإيجابية، الّا أنّ ما لمسته الجماعة في تعاملها مع القاضية (أبي حيدر) التي تُمسك الملف لم يكن مريحاً، بل شممنا رائحة مصالح خاصة، ولمسنا نوعاً من الكيدية وصلت الى حدّ شَخصنة الأمور».

 

وعن الأطفال الذين تسلّمتهم القوى الأمنية، كشفت «انهم يحاولون وبكل السبل المتاحة إعادتهم الى أحضانهم»، مستغربة كيف أنّ «قاضية الأحداث، التي من المفترض أن تكون حامية لهؤلاء الأطفال، أعادتهم الى أهلهم في حين أنّها سلمتهم بنفسها الى الجمعية بقرار بعد تأكدها ممّا يشكّله أهلهم من خطر عليهم».

 

أمّا الأطفال الذين نقلوا الى جمعيات أخرى فأكدت «أنّ لديهم ملء الثقة بهذه الجمعيات»، وعن الرضيعين أكدت «أنهما في المركز».

 

شهادة حيّة

 

السيد زياد عقيقي، الذي تبنّى طفلاً من «رسالة حياة»، شرح لـ«الجمهورية» المراحل الصعبة التي مرّ فيها ليتمكن من تبنّي ابنته، فأشار الى أنّه لم يكن من السهل الحصول على موعد لأنّ «الأمور تسير بتنظيم دقيق وبحسب الأرقام».

 

ويشرح آلية التبنّي التي تبدأ بتقديم الملف، وفيه كل تفاصيل حياته الزوجية، ومن بعدها تقوم الجماعة بتحرياتها الخاصة لتؤكد أنّ ما وضعته العائلة مُطابق لواقعها الاجتماعي.

 

وبعد إنهاء تحرياتها، عمدت الجماعة الى التواصل مع عقيقي طالبة منه إنجاز ملفه كاملاً (من أوراق صحية وطبية وسجل عدلي…).

 

ويضيف عقيقي شارحاً تفاصيل عملية التبني: «عندما وضعتني الراهبة المسؤولة في صورة ما يحمله الملف وما ينتظرنا قانوناً فضّلت الإنسحاب، إلّا أنّ إصرار زوجتي على رؤية الطفلة، دفعنا الى بدء الإجراءات القانونية والأمنية الطويلة».

 

وهنا بدأت رحلة التبني القانونية توازياً مع حضور زوجتي يومياً الى الجمعية لمرافقة الطفلة، والاشراف عليها على مدى أشهر.

 

الصعوبة التي واجهتها عائلة عقيقي دفعتها الى اقتراح حلول سهلة لتبنّي الطفلة، ومنها اللجوء الى المستشفى للاستحصال على «ورقة ولادة»، الّا أنّ الجماعة سارعت الى رفض هذا الاقتراح، الى أن جاء أوّل حكم كنسي بعد أشهر من العناء مع الحكم المدني.

 

ينفي عقيقي كل ما يُقال عن بيع الجماعة للأطفال، ويؤكد أنه لم يدفع أي مبلغ مالي مقابل التبني، وتدفعه ثقته بـ«رسالة حياة» الى «رَهن عمره وحياته لهذه الجماعة، نظراً الى الخدمات التي تقدّمها، ورفض أي هدية أو مساهمة أو مساعدة».