ـ ١ ـ
…الأيام كلها خطيرة.
لا تنتظر استمرار وضع أكثر من أيام قليلة. الهدنة في سوريا مثال باهر. لكنها ليست الدليل الوحيد على أنه لن يستقر «اتفاق» أو «تحالف» أو غير ذلك من محاولات «إعادة بناء الماضي» أو «إحياء الصيغ القديمة»، فالحل في سوريا لن يتم باتفاق روسي ـ أميركي، أو تحالف روسيا مع تركيا أو إيران، أو بقيادة السعودية لتحالف السنة ضد الشيعة.
كلها طرق مسدودة، على عكس ما تتخيل القوى المستقرة، بمالها وسلاحها وسيطرتها، لتحذف تأثير الفراشة منذ كانون الثاني (يناير) 2011.
هكذا تفشل التحالفات سريعا، ويتحول الحكام الى «حراس رهائن» يطلبون باسمهم معونات من المؤسسات الدولية، ومن دول يقول الحكام أنفسهم لشعوبهم إنها تدير «مؤامرات…».
العقل هنا لا يمكنه فهم ما يجري، وهذا يفسر غموض ما يحدث في ليبيا، حيث تتصارع إرادتان لتثبيت الوضع: كلاهما تمثل، واقعيا، دائرة المصالح ذاتها.
لمن «الطيران المجهول» الذي كان الغطاء الجوي لسيطرة «المشير» حفتر على موانئ النفط؟ وهل يميل الغرب الى دور للسيسي أم الى «تحييده»…؟ هذه هي الأسئلة التي ستظل أسئلة لان الإجابات مثل التحالفات سريعة السقوط وتحتمل الكلام ونقيضه.
وهل سيدخل السيسي المتاهة الليبية أم انها مجرد ورقة لعب مؤجلة، في إطار الحفاظ على دور في اللعب الدولي؟
السيسي خرج من عزلته، لكن ليس تماما.
كما ان الأسد استعاد مكانه في «المأساة السورية» لكن ليس تماما.
والسعودية، والخليج يقودان العالم العربي، لكن ليس تماما.
ـ 2 ـ
ليس تماما… هو أسلوب «الحفاظ على الميت في المشرحة»..
لبنان من دون رئيس، والطوائف تمارس ألعابها من دون قشرة الحفاظ على «الاتفاق القديم».
والعراق ينتحر بفساد نخبته ووصول الطائفية فيه الى منحنى لا عودة منه… بينما الطموح ينحسر أمام الجميع لتحكم فيه «غريزة البقاء..»
هكذا تنعقد الآن في القاهرة مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لمنح السيسي معونات طلبها تحت عنوان «مواجهة الإرهاب..» وتتمثل في سلاح وتدريب وأدوات أمنية.
وفي الوقت نفسه ايضا تتحول القوة الى وهم لا يمكن البناء عليه، كما حدث للسعودية في اليمن، بل وفي مصر حيث تشعر بأنها خسرت «صورتها» الإيجابية التي بُنيت بعد سقوط الإخوان، بسبب التمادي في الاستعراض السياسي لسطوة الرياض على صنع القرار المصري.
… هذا بينما تستفيد «تحالفات السلطة» من الازمة الاقتصادية بتقوية مركزها المالي (يبتلع الاقتصاد العسكري كل النشاطات الاقتصادية) والتخلص من أعباء السلطة تجاه المجتمع.
هذه الازمة ستصب لمصلحة ما بعد السيسي الذي يحارب الآن للحفاظ على تصريح بالاستمرار الشخصي، متكفلا بفواتير لأطراف متناقضة، مستفيدا من نجاحه في إخلاء المجال السياسي، ونوستالجيا القطاعات العريضة الى ما قبل مبارك.
هذا بينما تبني أجهزة الترويض دعايتها على النوستالجيا للتسعينيات… (وهذه تصدّرها للبنان الحالم بعودة أيام ما بعد اتفاق الطائف /والحريري مبعوث العناية..)
ـ 3 ـ
الماضي لم يرحل.. ولن يعود.
هذا هو سر ما يحدث، سواء تحت شعار «الديموقراطية» أو «المقاومة» أو «الاندماج» مع العالم المرتبك أساسا.
لم تعد الصيغ فعالة عالميا، والاكتشاف جاء من هذه المنطقة، حيث فشل الغرب في «رعاية» تجميد التغيير، وأوكل المهمة لامبرياليات إقليمية، انتفخت بهيلمانها.
المجتمعات تذهب الى «كهوف» تتصارع فيها الخرافات، بينما أطرافها تذهب الى أحدث ما ينتجه العالم…. وفي المقابل تحفر السلطات مكانها… وهذا ما يفسر المناخ السوداوي… فكيف تتخيل الأجهزة أن الناس ستعود الى «حظيرة قديمة» بعدما عرفت الطريق الى الشارع، بكل فئاتها ثوارا ورجعيين، ديموقراطيين وسلطويين، إسلاميين وعلمانيين، أي المجتمع كله طريق التعبير خارج تعليمات السلطة فكيف تبيع له فكرة «العودة» الى النوم مبكرا؟