تعديل مهام «اليونيفيل» وما نصّ عليه القرار 2650 يهدفان لتمرير الاتفاقيّة كما يُريده الأميركي و«الإسرائيلي»
مرّ تعديل مهام قوّات «اليونيفيل» مع التمديد السنوي الدوري لولايتها المؤقتة في جنوب لبنان لسنة أخرى مرور الكرام، من خلال تبنّي القرار 2650 (2022) في مجلس الأمن الدولي، مع تحرّك متأخّر، مقصود أو غير مقصود، من قبل وزارة الخارجية والمغتربين، شرح موقفه من مشروع التعديل المطروح عشية اجتماع مجلس الأمن. وقد صوّت هذا الأخير في 31 آب الجاري بإجماع أعضائه الـ 15 على مشروع القرار (654/s 2022) الذي قدّمته فرنسا، كما جدّد التأكيد على ولاية «اليونيفيل» بموجب القرار 1701 (2006) والقرارات اللاحقة ذات الصِّلة.
ولكن لماذا يجري طرح هذا الأمر اليوم، بعد أسبوعين على اتخاذ قرار التعديل من دون أن تتخذ أي جهة داخلية أو خارجية مواقف لافتة منه؟ تجيب أوساط ديبلوماسية عليمة، بأنّ كثرة الحديث عن تبنّي القرار 2650 بالإجماع، والذي يتعلّق بتعديل مهام «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، التي تأسّست في العام 1978، وتمّ توسيع ولايتها في القرار 1701 بعد حرب تمّوز- آب 2006، إنَّما يرتبط بأمرين مهمّين:
– أوّلهما: إيصال رسالة من أميركا، ومن خلفها العدو الإسرائيلي الى حزب الله ، أنّه بات لديهما قوة عسكرية «أممية» قادرة وبموافقة دولها التي صوّتت على مشروع القرار، أن تشكِّل تهديداً لحركة المقاومة، لا سيما في منطقة الجنوب. فالقرار 2650 نصّ على أنّ «اليونيفيل» لا تحتاج إلى إذنٍ مسبق أو إذنٍ من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنّه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل. ويدعو الأطراف إلى ضمان حرية حركة «اليونيفيل»، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها». علماً بأنّها كانت لا تتحرّك إِلَّا بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني.
– ثانيهما: حثّ الدولة اللبنانية على تحديد الخط الأزرق، وهو خط الإنسحاب بين لبنان والعدو الاسرائيلي، وليس خط الحدود البريّة للبنان، والذي هو اليوم من دون علامات على نصف طوله، بِحُجَّة أنّه يُمكن أن يؤدّي الى توتّرات عند حدوث حالات عبور، والتي قد تكون غير مقصودة. كما أعرب القرار عن قلقه أيضاً إزاء التطوّرات على طول الخط الأزرق، وأشار إلى التركيب الأخير للحاويات التي تُقيّد وصول حفظة السلام إلى أجزاء من الخط أو قدرتهم على رؤيته. فيما الهدف من ذلك، أن يتزامن هذا الأمر مع ما حمله الوسيط الاميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان و «الإسرائيلي» من مقترحات «إسرائيلية» الى المسؤولين اللبنانيين من بينها ضرورة رسم إحداثيات الخط الأزرق أو ما يُسمّى «خطّ العوّامات» لتتلاقى مع الخط 23. ولهذا حثّ مجلس الأمن في القرار الأطراف على تسريع الجهود لتحديد الخط الأزرق بشكل واضح، والمضي قدما في حلّ النقاط الخلافية. ولكن في هذا الأمر خطورة من أن يتحوّل الخط الأزرق البحري، من وجهة النظر الأميركية و»الإسرائيلية»، الى حدود لبنان البريّة، وهو الفخ الذي يُخشى وقوع لبنان الرسمي فيه في حال وافق على المقترحات الجديدة التي تحفّظ وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب عن الإفصاح عنها.
وأوضحت الأوساط نفسها أنّه كانت جرت محاولات سابقة عديدة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لتمرير تعديل مهام «اليونيفيل» لتشمل إمكان دخولها الى أي منطقة جنوبية، وأكثر الى أي بيت جنوبي. وكان المقصود من هذا التعديل توسيع دائرة مهام القوّات الدولية، وحتى نوعيتها لكي تتخطّى مسألة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، بما قد يخدم المصالح الأميركية و»الإسرائيلية» في المنطقة، ويسمح بالتالي لهذه القوّة الدولية بمداهمة منازل مسؤولين في حزب الله للتفتيش عن «أسلحة غير مصرّح بها»، على ما ذكر القرار الأخير، وتُشكِّل من وجهة نظرها، تهديداً للسلم الذي تقوم بالحفاظ عليه.
غير أنّ الحزب لم يُبَدِ أي خشية من القرار الجديد، لأنّ القوّات الدولية لن تتمكّن من القيام بما ينويه الأميركي و»الإسرائيلي»، فما يقومان به لا يتعدّى سوى المزيد على الضغط على الحزب كما على المسؤولين اللبنانيين للقبول باتفاقية الترسيم التي يخيطانها ويريدان بأي شكل من الأشكال إلباسها للبنان، فيما باستطاعة المسؤولين رفض ما ليس في مصلحة لبنان، وتقديم اقتراحات جديدة تحفظ حقوق لبنان البريّة والبحرية.
وفي ما يتعلّق بالقرار 2650 الذي اتخذ بغالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بما فيها روسيا، فرأت الأوساط عينها أنّ هذه الأخيرة ردّت الصفعة التي تلقّتها من لبنان في مجلس الأمن خلال تصويته الى جانب أوكرانيا وضدّ روسيا في الحرب العسكرية التي نشبت بين البلدين. ولهذا ليس على لبنان أن يتعجّب من موقف روسيا التي بدأت تسحب يدها من لبنان شيئاً فشيئاً، والدليل انسحابها أخيراً من كونسورتيوم الشركات الملزّمة عمليات الإستخراج والتنقيب في البلوكين 4 و9، والتي قد تحلّ محلّها شركة «شوفرون» المشغّلة من دولة قطر.
وذكرت الاوساط بأنّ مجلس الأمن كان طلب من «اليونيفيل» في العام الماضي، وفي القرار 2591 (2021)، اتخاذ «تدابير مؤقتة وخاصة» لمساعدة القوات المسلحة اللبنانية في الغذاء والوقود والأدوية والدعم اللوجيستي، وقد جرى تمديد هذا الدعم لمدّة 6 أشهر أخرى في القرار 2650.. غير أنّها استبعدت أن تتمكّن «اليونيفيل» من خلال توسيع مهامها من مراقبة الحدود الشمالية أو السورية، على ما تريد أميركا والعدو الإسرائيلي. علماً بأنّها مكلّفة مراقبة وقف الأعمال العدائية بين لبنان و «الإسرائيلي»، ودعم السلطات اللبنانية في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني.