IMLebanon

غلطة “النأي” ومفاجأة الحريري

من الناحية السلبية يمكن القول والتأكيد أن الوزير جبران باسيل حقَّق نجاجاً باهراً في وزارة الخارجيَّة حصد لبنان خيراتها بالجرّافات، مثلما وفّى قسطه للعلى والواجب بإحراج لبنان أمام الإجماع العربي… عندما انفرد بإعلان “النأي بالنفس”، خلافاً للإجماع، وخلافاً للموقف اللبناني المألوف في مثل هذه الحالات.

وطبعاً تفرَّد مرة أخُرى بتعريض عشرات وربما مئات الآلاف من اللبنانيين العاملين في السعودية ودول الخليج لاجراءات، قد لا تتوقف عند قطع الأرزاق.

على رغم كل المراجعات والمحاولات، التي بذلت مع الوزير النائي بنفسه قبل انفجار قنبلة الغاء هبة الأربعة مليارات دولار ثمناً لتسليح الجيش، فإن باسيل أصرَّ على “نأيه”. وهنا يُقال إنه تلقَّى تهنئة وتشجيعاً على هذا الموقف الفذّ الذي تفسيره منه وفيه.

الكلام الذي انتشر في بيروت، وقد ازداد انتشاراً في السعودية ودول الخليج خلال اليومين الأخيرين، أن موقف الوزير اللبناني لم يكن مخالفاً للتقاليد والسياسة اللبنانية المألوفة فحسب، بل انه كان نتيجة طلبات لا تُردّ بالنسبة الى باسيل تحديداً.

من البديهي، هنا، أن تسأل السعودية ومعها دول الخليج، فضلاً عن دول عربيَّة وأوروبية، أين الحكومة اللبنانية؟ أين مجلس الوزراء؟ أين مصلحة لبنان؟ أين المقاييس التي تُبنى على أساسها السياسة اللبنانية، والمواقف اللبنانية، والقرارات اللبنانية؟

ومن تحصيل الحاصل أن تكون الحكومة هي مَنْ يجيب، وهي مَنْ يوضح، وهي مَنْ يقرِّر أموراً بهذه الأهمية، وفي مثل هذه الظروف. إلا أن الحكومة نادراً ما لبَّت الواجب، ونادراً ما كانت حاضرة لتبعد الأضرار والأذى عن لبنان واللبنانيين، ونادراً ما استطاعت اتخاذ قرار يعني المصلحة اللبنانية ويهمُّ عموم اللبنانيين.

ومَنْ يحبّ أن يطلع على مثل واحد، أمامه ملف الزبالة الذي يشغل هذه الحكومة بالذات منذ ما يقارب السنة، ولا يزال حتى اللحظة كأنه وُضِع أمس قيد التداول: يوم يقررون الترحيل. ساعة يفضلون الطمر، تارة يعودون الى اقتراحات جديدة غير قابلة للتنفيذ…

ليس من الضروري التكرار هنا أن لبنان بلد معطَّل، لا دولة فيه، ولا رئيس، ولا مؤسسات، ولا حكومة تعمل، ولا مجلس نواب يجتمع، ولا دورة حياة يمكنها أن تشق طريقها وسط هذا الشلل الشامل.

في وضع كهذا، من تحصيل الحاصل أن يغتنم وزير خارجية لبنان النائي بنفسه عن الفرص، ويحاول توظيفها حيث يمكن أن تعود عليه وعلى أحبائه وحلفائه بما فيه الخير والبركة.

إلا أن مفاجأة مدوّية لم يحسب لها أهل النأي حساباً قد حملت الرئيس سعد الحريري الى بيروت، وسط هذه الظروف العسيرة.

وحتماً، لن يكتفي الحريري بقلب الطاولة، بل سيقلب الحسابات والسياسات العوجاء.