IMLebanon

مخطئ من يعطّل صراع الأجيال أو يكابر عليه

يخطئ من لا يعي هذا البعد الاجتماعي والقيمي الأساسي الذي هو صراع الأجيال، وما هو حاصل في لبنان حالياً، اذا كان أزمة شاملة، أزمة شرعية وتمثيل وسيادة وهوية، فإنه، وفي هذه اللحظة المحتدمة بالذات صراع بين جيلين أيضاً.

وصراع الأجيال في هذا المقام هو مفصل، المكابرة عليه والتعامل معه بفظاظة يمكنه أن يعرّض بالسلم الاجتماعي. لا يمكن «استيعابه» في المقابل، وكل نفسية «استيعابية» ستكون استفزازية له أكثر. انه صراع لا يمكن فيه الا افساح المجال للتداول: التداول بين الاجيال.

عام خمسة وسبعين دفعت التركيبة اللبنانية ايضاً ثمن مكابرتها على التناقض بين الاجيال. صحيح ان الجيل الواحد تحارب، بين يمين ويسار، لكن هناك الجيل القديم الذي ننظر اليه اليوم بنوستالجيا قد تكون مبررة نسبياً، حسب زاوية قياس الامور، هذا الجيل المخضرم من ايام الاستعمار الفرنسي والذي عزز بامتناعه عن تداول الأجيال، او اراد حبس هذا التداول في قنواته المباشرة ليس الا، انهيار «الصيغة«.

توقفت الحرب الاهلية منذ ربع قرن. لكن الشباب اللبناني لم يفهم حتى الآن لماذا يتأخر التداول بين الأجيال بهذا الشكل المريع في هذا البلد وعلى كافة الأصعدة، او يستبقى في خانة التبديل البيولوجي – اللوجستي، الذي يعرف بـ»التوريث«.

هناك أكثر من نهر في عالم اليوم مشكلته انه لم يعد، بسبب التلوث وتخريب البيئة، نهراً يجري ماؤه، الا ببطء شديد، وهو بطء يعود فيرفع معدّلات التلوّث. بعض مما يعانيه لبنان حالياً مشابه لقصة هذه الأنهار. بعض آخر مما يعانيه لبنان السياسي حالياً مشابه لقصة أخرى .. قصة نهر بيروت. وربما بعض مما عاناه لبنان بعد الحرب ان نهر بيروت نفسه وبدلا من اعادة استصلاحه ليكون واحداً من مراكز اعادة تشكيل المشهد الاخضر للعاصمة، والفضاء العام، قد أمّن، بالحكم المزمن بتحويله الى «مجرور كبير» صورة معادية لكل اللون الأخضر.

في لبنان حالياً مصفوفة صراعات. صراع الأجيال هنا متصل بصراع بيئي، صراع على الحياة، صراع بين جيل يفهم ان حياة البشر مرتبطة بالحفاظ على التنوع البيولوجي، وبين جيل لا يفهم بعد ان البيئة ليست فقط تخبئة الأوساخ تحت سريرك كي لا تراها.

هذا لا يلغي أشكال أخرى للصراع موجودة. ولا يعني ان الجيل الجديد يمتلك «حقيقة». الا ان الحقيقة الوحيدة ان مصلحة الجيل الجديد في الحياة يفترض انها تفوق على مصلحة الجيل القديم في الحياة.

منذ عشر سنوات، وفي غمرة الانتفاضة ضد الوصاية السورية كان هناك متنفس لنبض جيل جديد، وبعد عشر سنوات تشكل جيل أجد منه، وفي الغضون جرى الانقلاب مرة جديدة على التداول بين الأجيال، الا فيما هو غير تداولي بالمرة من أمثلة.

يخطئ من يستهين بصراع الأجيال. يخطئ من يستكين الى فكرة ان الربيع العربي فشل اذاً لا حاجة لتداول أجيال في لبنان. ويخطئ من يكتب الف ديباجة عن اهمية تقنيات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لكنه غير قادر على ادراك تناقضها مع منطق تعطيل تداول الاجيال.

التعطيل؟ تعطيل التعطيل؟ الى آخر هذه الفزلكات في اللغة الصحافية والسياسية اللبنانية ما قيمتها في الأساس، ان لم تعتمد نظرة اساسية، الى ما هو حاصل من تعطيل، على انه يمثل الى حد كبير، عملية تعطيل للتداول بين الأجيال. فهذا لا يريد للشباب ان يستلموا الدفة قبل تحرير القدس، وذاك لا يريد للشباب أن يكونوا الا ما في لحظة مجمدة قبل عشر سنوات، وفي اطار طقوسي ليس أكثر.

مخطئ مرة جديدة، مخطئ في كل مرة، من باعتقاده امكان الوقوف حجر عثرة دون تداول الاجيال.