Site icon IMLebanon

أخطاء في القوانين تقود الى تشويه العلوم السياسية احيانا

 

 

أخطاء في القوانين تقود الى تشويه العلوم السياسية احيانا

مخاوف على مستقبل النظام البرلماني القائم

واتفاق الطائف مؤهل للتصحيح لا للتشويه

كان ذلك في شهر أيار من العام ١٩٧٨، دخل رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه الى الغرفة السرية المخصصة للإجتماعات الضيقة، محاطاً برئيس الجمهورية السابق كميل شمعون وزعيم حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل والاباتي شربل قسيس رئيس الرهبانية اللبنانية، والتفت رئيس الجمهورية يومئذ الى ضيفه القادم من واشنطن دين براون، وبادره بانه أحب ان يلتقيه في بلدة الكفور، بعد تهديم القصر الجمهوري في بعبدا، وليس في المقر الرئاسي المؤقت في ذوق مكايل.

وامعاناً في التكريم، قدم الى الموفد الأميركي دين براون وزير خارجية لبنان السابق، في الحكومة العسكرية المستقيلة الدكتور لوسيان دحداح الذي يتمتع بثقافة دولية واطلاع على التحركات العربية والدولية.

وأحب الرئيس كميل شمعون مداعبة دين براون، فسأله عما إذا كان رسولاً لوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر ام للرئيس الأميركي جيرالد فورد، لان وزيره البروفيسور كيسنجر ليس محبوباً أو مقبولاً به من قبل الرئيس اللبناني.

ضحك الجميع باستثناء مساعد وزير الخارجية الأميركي الذي تسلم السلطة، بعد استقالة الرئيس جيرالد فورد من الرئيس الأصيل بعد فضيحة ووتر غيت إثر شيوع معلومات عن تجسس الحزب الجمهوري على مقر الحزب الديمقراطي الأميركي الكائن في شارع ووتر غيت.

وسأله الرئيس فرنجيه: وماذا يريد منا الرئيس فورد، فأجابه براون بانه يريد أن يعرف ماذا يريد المسيحيون في لبنان، ليقدمه اليهم رئيس أكبر دولة في العالم.

وعاد الرئيس اللبناني الى الكلام: هذا أنا أمامكم، لا نريد مساعدة للمسيحيين من دون المسلمين في لبنان، بل نريد انقاذ لبنان مما يتربص بالمسيحيين والمسلمين من أخطار تهددهم في كياناتهم ومصائرهم والمساعدة التي نريدها من فخامة الرئيس جيرالد فورد، أن يضع حداً للعدوان الصهيوني في لبنان.

 

وعقب الشيخ بيار الجميل على أقوال رئيس الجمهورية، بان اسرائيل تريد الإقتتال بين المسيحيين والمسلمين في لبنان، لان هدفها الأساسي، ان يشعر المسيحيون بأنهم بحاجة الى الصهيونية الدولية لحمايتهم وبقائهم في أراضيهم.

واشار الرئيس فرنجيه الى الأباتي شربل قسيس وقال انه رئيس الرهبانية اللبنانية، وان الرهبان المسيحيين، يعكفون على اعداد الطعام للمدنيين للبنانيين، بغية التفرغ للدفاع عن معاقلهم وأماكن تواجدهم.

وقال الأباتي شربل قسيس للسفير دين براون، اننا نطلب من رئيسيكم شيئاً واحداً، الا وهو وقف المؤامرة الصهيونية على الشعب اللبناني، وبعد ذلك يهدأ البلد ويعود الإطمئنان الى الشعب الذي يناضل من أجل البقاء، وليس بحاجة الى مساعدات أميركية أو سوفياتية أو أوروبية.

ارتاح دين براون، بعد الإصغاء الى أركان الجبهة اللبنانية وقال: سمعنا ان المسيحيين يفتشون عن بلد يلجأون اليه، والولايات المتحدة مستعدة اذا ما طلبوا المساعدة لنقل المسيحيين الى أميركا أو الى كندا، او الى أي بلد آخر لتأمين أمكنة هادئة ومستقرة لهم.

ودخل على خط الحوار الوزير السابق الدكتور لوسيان دحداح، وقال للموفد الأميركي، ان فخامة الرئيس سليمان فرنجيه والرئيس اللبناني السابق كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، وهو رئيس أكبر حزب لبناني وقدس الأباتي شربل قسيس لا يريدون إلا البقاء في لبنان، وان توقف اسرائيل مساعيها لاشعال نار الفتنة بين المسيحيين والمسلمين.

واستدرك لوسيان دحداح: قد يتبادر الى اذهان الأميركيين، ان اللبنانيين من مختلف الطوائف يريدون تصفية بعضهم لكن هذا هو الهدف الاسرائيلي الذي نريد من الرئيس الأميركي جيراد فورد احباطه بسرعة اذا ما أراد إنقاذ لبنان.

عندما غادر الموفد الأميركي دين براون بلدة الكفور عائداً الى بيروت، راجت في الصحف اللبنانية أخبار مفادها ان رسول الرئيس فورد حضر الى لبنان، لإذكاء فتنة اسلامية – مسيحية، لكن الرئيس سليمان فرنجيه سارع الى تبديد تلك الأخبار، والى القول عبر الوسائل الإعلامية، ان هذه هي المؤامرة الإسرائيلية على لبنان..

وفي العام ١٩٧٦، سافر وفد لبناني الى قبرص، بعد اقدام الاتراك على احتلال القسم التركي من الجزيرة. وعندما قابل الوفد اللبناني الجزيرة العائمة على بحر من الاستقرار السياسي، بادرهم قائد الشعب القبرصي بقوله، انه يحذرهم من قبرصة لبنان أضاف: الان عمد الاتراك الى احتلال القسم التركي، وتركوا القبارصة اليونانيين للعصبية الطائفية. بعد مدة قضت المؤامرة بعزل المطران مكاريوس، حليف جمال عبد الناصر، وجواهر لال نهرو والجنرال تيتو، عن قيادة الجزيرة الصغيرة. وعندما حطت الطائرة اللبنانية الآتية من لارنا الميناء القبرصي – اليوناني، في مطار بيروت، كانت العاصمة اللبنانية تسودها الصراعات اللبنانية بين اليمين واليسار، وبين الطوائف اللبنانية، وكانت دار الفتوى مكاناً يجتمع فيه الأئمة المسلمون وقادة الحركة الوطنية بزعامة كمال جنبلاط، كما كانت بكركي الملاذ الدائم للمسيحيين.

وتعاقبت الأحداث وتألبّت على لبنان، وجاء مصرع الوزير طوني فرنجيه مع عائلته، عنواناً للحلقة الجديدة من المؤامرة على لبنان، وعقبه بعد بضعة أعوام، تصفية الزعيم الوطني داني شمعون مع عائلته في بعبدا، حلقة جديدة من المؤامرة على لبنان.

هل كانت المؤامرة على لبنان، أميركية الهوى والهوية، ام ان المؤامرة الآن ترتدي فصولاً جديدة، وتنطوي على مؤامرات غير مسبوقة.

وهل انتقلت المؤامرة الى فصول جديدة، بعد لجوء العماد ميشال عون الى السفارة الفرنسية في الحازمية، وبعد ذلك الى المنفى في مدينة مارسيليا الفرنسية بداية، أو الى مدينة لا هوت ميزون القريبة من باريس، قبل العودة الى الجمهورية اللبنانية، وبروز عصر الرئيس رفيق الحريري الى التخطيط لمصرعه، أم الى اعتقال الدكتور سمير جعجع في وزارة الدفاع اللبنانية لمدة ١١ عاماً في وزارة الدفاع، وما رافق ذلك من اقتتال بين الحلفاء داخل القوات اللبنانية، ولا سيما بين الدكتور جعجع وصديقه القائد ايلي حبيقه الذي اغتيل فيما بعد في جوار منزله في بلدة الحازمية.

وفي خضم الأحداث، برزت معادلات جديدة على الساحة اللبنانية أبرزها انعقاد مؤتمر الطائف في المملكة العربية السعودية برعاية العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، الصديق المعهود للرئيس سعد الحريري.

وفي ذلك الوقت برزت العبقرية الإعمارية للرئيس رفيق الحريري، الذي استطاع انجاز بناء مدينة الطائف، قبل ستة أشهر من الموعد المضروب له.

وهذا ما جعل العاهل السعودي يزداد ثقة به، ويكلفه بتعمير بيروت وترميم العلاقات بين القوى اللبنانية التي كانت الحرب فيما بينها تتوقف عند الخط الأخضر الفاصل بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية والتي كانت تفصل بينهما غابات كثيفة من الأشجار، والأبنية المرتفعة في اجواء العاصمة اللبنانية، وما بينها من فنادق مثل السان جورج والفينيسيا، ولمعان دور الميليشيات في القسم الغربي بقيادة ابراهيم قليلات وكمال شاتيلا ونجاح واكيم، وضمور نفوذ رئيس الجمهورية سليمان فرنجيه وحزب الكتائب اللبنانية بزعامة الشيخ بيار الجميل وظهور قوى جديدة أبرزها الرئيس نبيه بري الذي آلت اليه الزعامة الشيعية، بعد بروز زعامة جديدة يقودها حزب الله، وزعامة درزية يرئسها وليد جنبلاط، اثر مصرع والده الزعيم الوطني كمال جنبلاط.

وهكذا عرفت تلك الحقبة، ظهور النفوذ السوري في لبنان، معطوفاً على معارضة سورية عنيفة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

واستطاع السوريون بقيادة الرئيس حافظ الأسد الهيمنة الكاملة على لبنان، من خلال ايصال الرئيس الياس الهراوي الى رئاسة الجمهورية لمدة تسع سنوات بدلاً من ستة أعوام، كما نص إتفاق الطائف، وكذلك الامر في عهد الرئيس العماد اميل لحود الذي حافظ في أيامه، على مدى تسع سنوات أيضاً على الموقع القيادي الأول في البلاد.

بعد غياب استمر نحو ٢٨ عاماً، استطاع العماد ميشال عون بسط زعامته على البلاد متفقاً مع حزب الله على الوضع الداخلي، وحاول الرئيس سعد الحريري، بعد اغتيال والده ايصال الدكتور سمير جعجع الى الرئاسة الأولى عدة مرات لكنه أخفق، غير انه نجح بعد ٣ محاولات مع الدكتور سمير جعجع، تأييد العماد ميشال عون في الحصول على رئاسة الجمهورية.

إلا أن الحلف الرباعي من دون توافق وطني واتفاق سياسي، يتعرّض الآن لنكسات سياسية، ذات اتصال بتحالفات اقليمية أبرزها حلف إيران وحزب الله ضد القوة الأساسية المؤلفة بزعامة السعودية ودول الخليج، ذلك ان ثنائية التحالف المسيحي بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية تواجه الآن تحديات على المستوى القيادي، بسبب حرص العماد عون على أن يكون رئيس الكل وبيّ الكل بوصفه رئيساً للجمهورية، الأمر الذي لا يستسيغه حزب القوات اللبنانية البعيد عن حزب الله والقريب جداً من تيار المستقبل وزعيمه الرئىس سعد الحريري.

غير ان بروز الدور القيادي للرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون أضفى نكهة فرنسية على المعادلة السياسية.

وهذا ما جعله يدعو الرئيس سعد الحريري الى مأدبة غداء باريسية، بحضور زوجته ونجله وزوجة الرئىس الفرنسي.

وبعد ذلك كانت زيارة الرئيس سعد الحريري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولجمهورية قبرص ومن ثم لدار الفتوى ولقائه مع المفتي عبد اللطيف دريان، واجتماعه مع العماد عون ثم مع الرئىس نبيه بري في عين التينة ليجعله في موقع الزعامة الأساسية في البلاد.

وهكذا أصبح الرئىس سعد الحريري يتكئ على زعامة فرنسية، منسقة مع السعودية، حيث زار وزير الخارجية الفرنسية الرياض، قبل أن يتوجه رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل إلى باريس.

ماذا حدث في أثناء عودته إلى بيروت؟

والجواب انه حدثت أمور لا تخلو من الايجابية أكدت إستمرار التحالف غير المعلن رسمياً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيل حديثاً سعد الحريري والتفاهم القائم بين رئيس البرلمان اللبناني ورئيس مجلس الوزراء نفسه.

وأبرز ما حصل، خلال الساعات السابقة لاحتفالات عيد الإستقلال، هو أن حضور الرئىس الحريري لبيروت إثر استقالة ملتبسة خصوصاً من قبل رئيس الجمهورية هو الملاحظات الآتية:

أولاً: التفاهم بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء المستقيل، ان لبنان عاش مرحلة الاستقلال الثاني اذ ان اللبنانيين جميعا ظهروا يوم الأربعاء الماضي، وكأنهم حصلوا على الإستقلال الجديد عن فرنسا. وفي ذلك اليوم، الذي كانت اللحمة الداخلية أقوى من أي شيء آخر، كانت الوحدة الوطنية الداخلية تستعيد صلابتها الكاملة.

وهكذا نجح سعد الحريري، من خلال جولاته، وعبر الوفود الشعبية حول بيت الوسط مقره السياسي والقيادي على بروز دور رئيس الوزراء اللبناني من الدور الطائفي إلى الدور الوطني.

ثانياً: تجسد للرئيس سعد الحريري دور الزعامة اللبنانية، وأخذ يضطلع مع رئيس الجمهورية العماد عون، بمهمة صيانة الوحدة اللبنانية لا الوحدة الطائفية للطائفة الاسلامية – السنية.

ولعل المساعي المرتقبة للزود عن سياسة النأي عن الخلافات الاقليمية، هي ميدان اللعبة السياسية للنظام اللبناني القائم على وحدة الانتماء الى بلده واحد.

ويقول الدكتور داود الصايغ، ان الاقدار شاءت أن يظهر الرئيس الفرنسي ماكرون، التزاماً ثابتاً تجاه لبنان، ذلك ان ما رسم خلال أجيال من العلاقة سبق الاستقلال بزمن طويل وأدركه بعمق الجنرال شارل ديغول أكثر من غيره.

ما هي القضية المشتركة اليوم بين فرنسا والسعودية؟

في مذكراته العام ٢٠٠٩ كتب الرئيس الفرنسي جاك شيراك، عن وجوب تحرير لبنان من الإرتهان لأزمات الشرق الاوسط، فلبنان كان رهينة ولا يزال، وكان وجوده، وقضيته ورسالته أن يبقى حراً، وهذا ما أدركه الاباء المؤسسون عند الإستقلال، وترجم في بيان وخفايات للرئيس بشارة الخوري وللرئيس رياض الصلح، وهذا ما فهمه العرب يوم استقلال لبنان.

وهذا ما دعا إليه الرئيس جمال عبد الناصر لحماية لبنان وابعاده عن المواجهات، وما عبّر عنه الجنرال ديغول العام ١٩٦٤ في رسالته الجوابية الى الرئيس فؤاد شهاب حين قال انه نموذج توازن واعتدال، وسط هذه المنطقة من الشرق الأوسط المضطربة غالباً، وذلك قبل أن يرد البابا بينديكتوس العام ٢٠١٢ كلاماً مماثلاً في بيروت ويريد عليه انه نموذج للعالم والذي سبقه كلام البابا يوحنا بولس الثاني، بوصفه لبنان بأنه رسالة إلى الغرب كما للشرق.

وفي رأي الدكتور داود الصايغ انه عندما ذهب الرئيس ميشال عون الى الجمعية العمومية للامم المتحدة في دورتها الأخيرة، طالب بأن يكون لبنان مركزاً لحوار الحضارات.

والاهم من ذلك هل يعود الرئيس سعد الحريري عن استقالته، ويتابع مشوار الحكم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري؟.

السؤال دقيق لكنه ليس لغزاً، والعارفون بالأسرار السياسية يقولون ان الرئس الحريري – كما هو مرجح – سيتابع الطريق بروية وهدوء، لان غيابه عن السلطة الآن، يبرر للرئيس ميشال عون عزمه على العودة إلى برنامجه السياسي الذي بدأه في العام ١٩٩٠، والذي يعني، من دون أي مواربة، تجديد وتغيير نهج الحكم السائد، القائم على تسويات لم تعد مقبولة في العالم الحديث.

ويقول سياسي يرافق هذه التطورات، ان الحكم الحالي وما سبقه على الصعيد النيابي، قد قاد هذه الحقبة إلى الإفلاس السياسي، بعد تهريبه قانون الإيجارات الذي جرى تمريره في البرلمان في خطة مشبوهة قد ترمي بعشرات الالوف من الناس في الشارع.

والمشكلة ان المحامين من النواب ارتكبوا هذه الخطيئة، من دون مراعاة لقدامى الملاكين والجدد من المستأجرين، وهذه آفة من آفات العصر النيابي، والبلاد على أبواب انتخابات نيابية جديدة.

وفي رأي الفقهاء في الدستور، ان القانون الإنتخابي الجديد على أساس النسبية قد جرى تشويهه، من خلال اعتماد الصوت التفضيلي الذي يجعل القائمة الإنتخابية الواحدة، معركة ضارية بين الحلفاء لا بين الحلفاء والأخصام ولا أحد يعرف على من يضع اللائمة في ذلك.

إلا أن المطلوب كان اعتماد صوتين تفضيليين بدلاً من صوت واحد، كما يقول وزير الداخلية السابق مروان شربل الذي يعتبر القانون الحالي جريمة العصر في أيام الحداثة السياسية الباحثة عن مصلح اجتماعي لا عن المخطئ في تشويه القانون الانتخابي.