من الصعب الجزم بما إذا كانت التحالفات الإنتخابية التي شهدتها منطقتا بيروت والبقاع الإنتخابيتان هي حال إيجابية أو سلبية. فصناديق الإقتراع »تحمّلت« ما لا يحتمل: هنا تحالف بين هذا التيار وذاك الحزب ضدّ تيار وحزب آخرين، وهناك أحد الأولين متحالف مع أحد الآخرين، وهناك الجميع ضدّ هذه العائلة أو تلك الزعامة.
إنها، في تقديرنا، حال استثنائية غير مسبوقة في بلدان العالم قاطبة. إذ يتعذر معايشة هذه المخلوطة الغريبة العجيبة التي إختلطت فيها، كذلك، الشعارات المرفوضة من فريق والمقبولة من فريق آخر، فيما هما في لائحة واحدة… فيما تواجه في منافسة حادة فريقان بشعارات واحدة.
أبعد من ذلك تجربة حزب اللّه وحركة أمل وقد توافقا في معظم المناطق التي خاضا المعركة فيها، ثم تواجها في مناطق أخرى. وربما توافق الطرفان في هذه البلدة ليتواجها بقوة في بلدة لا تبعد عنها رمية حجر. علماً أنّ الأهالي في البلدتين هم من نسيج واحد (…).
وما شاهدناه بين »الحزب« و»أمل« عايشناه بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية اللذين كانا على لائحة واحدة هنا، وفي لائحتين متنافستين بشراسة هناك… وربما تكون اشرس معاركهما لم تقع بعد، وهي المنتظرة يوم الأحد المقبل في جونيه حيث يتفرد العماد ميشال عون في مواجهة الأحزاب والعائلات مجتمعة ضدّ لائحة جوان حبيش التي يدعمها الجنرال.
ولو شئنا أن نورد المزيد من الأمثلة على ما تقدم لتحدثنا ولا حرج،إلاّ أننا نريد أن نكتفي بما ذكرناه آنفاً لنصل الى سلسلة استنتاجات غير التي ذكرناها، أمس:
أولاً – إن مرجعية اللائحة التي فازت في زحلة تتمثل في ثلاثة زعماء من خارجها هم: الدكتور سمير جعجع والجنرال ميشال عون والشيخ سامي الجميل الذين ايدوا هذه اللائحة ودعموها وامنوا لها الفوز. والواقع ان سبب فوزها لا يكمن فيها، بدليل أن اللائحة الفائزة نالت عشرة آلاف وخمسماية وعشرة اصوات، بينما نالت لائحة الكتلة الشعبية (السيدة مريام سكاف) وحدها نحو 8900 صوت، وكذلك نالت لائحة آل فتوش أكثر من سبعة آلاف صوت… أي لو توافق أهالي زحله على لائحة واحدة لكان النصر حليفهم.
وفي البقاع، اضطر أمين عام حزب الله السيد حسن نصراللّه أن يصدر »تكليفاً شرعياً« حاثا المحازبين على الإقبال على الإقتراع للوائحه بالذات في بريتال ضد لائحة الشيخ صبحي الطفيلي التي سقطت… وهو ما يذكرنا بالتكليف الشرعي الآخر الذي أصدره للتصويت ضد لائحة الجنرال ميشال عون في بعبدا في العام 2005 قبل أن يتحالف الطرفان على »ورقة التفاهم« بعد سنة (في العام 2006).
وهذه المخلوطة التي قدّمنا نماذج محدودة جداً عنها مرشحة الى مزيد من البروز في جبل لبنان، وفي طرابلس ايضاً بعد اسبوعين.
والسؤال يعود مجدداً ليطرح ذاته: هل هذا النموذج »الديموقراطي« هو دليل عافية أو ضعف؟ وهل هو سلبي أو إيجابي؟
نبادر الى الإجابة بأنه يمكن أن يكون هذا أو ذاك إلا أنه، مهما كان، لا يمكن أن يغطي حقيقة أن »المجتمع السياسي« في لبنان يستبيح كل محظور في سبيل الحفاظ على الكرسي، سواء أكان عضوية في مجلس بلدي في ضيعة من 300 ناخب في 500 نسمة، أم كان ملء ذلك الكرسي الشاغر في قصر بعبدا.