لم يعد خافياً على أحد ان الصيغ المتداولة كمشاريع لقانون الانتخاب العتيد تدور في «حلقة مفرغة»، وما ان يعلن عن «خطوة ايجابية» حتى تلاقيها مواقف تعود بها الى الوراء خطوات، فتغيب الجوامع المشتركة في غالبيتها عن النقاط الأساسية، ما يدعو الى الاستنتاج بأن احتمال ولادة قانون جديد، عادل وعصري لا ينال من حقوق أي أحد، مستبعد وقد كثرت التحليلات حول ذلك..
كل المؤشرات التي تتسرب عن اللقاءات الثنائية و»الرباعية» تؤكد ان الأجواء التي يعمل على تسويقها بعض الافرقاء السياسيين، ومن بينهم «التيار الوطني الحر»، ويعطيها طابع «الايجابية» ماتزال على نفسها، ولم ترس بعد على بر الأمان، خصوصاً وأن ليس في المساعي واللقاءات التي تقوم بها اللجنة الرباعية التي تضم «تيار المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، و»حركة أمل» و»حزب الله»، ما يؤشر الى ان هذه اللجنة في وارد الاتفاق على صيغة ترضي الجميع وتنال موافقتهم.. والمشروع الذي قدمه رئيس «التيار الوطني الحر» (وزير الخارجية) جبران باسيل على أعضاء اللجنة الرباعية بات عرضة لسيل من الانتقادات، وهو في نظر البعض، استنسابي، و»لا يملك معايير العدالة وصحة التمثيل..»؟!
من التدقيق في الصيغ المسربة، والتي يجري تداولها على نحو غير رسمي، يتبين أنها في مجملها قابلة للطعن، وأنها اذا كانت مقبولة من فريق، او في جانب منها، فإنها غير مقبولة من أفرقاء آخرين، وفي العديد من عناصرها ومفاصلها، بسبب افتقادها أولاً لـ»وحدة المعايير» و»التوازن»، وبسبب ان كل فريق وضع في أولوياته توفير أكبر قدر ممكن من امكانات الحفاظ على حجمه الحالي او زيادته؟!
في المتابعات، يتبين ان «مشروع المختلط» (بين «الأكثري» و»النسبي»)، هو أكثر تعقيداً مما يتصور كثيرون، وان الناس سوف يترحمون على قانون الستين المعمول به.. وأنه، أي المختلط – لن يفضي الى نتائج تدخل تعديلات في خريطة وأوزان القوى السياسية القائمة، وان الحديث عن تمثيل «عادل وشامل» هو مجرد كلام او شيكاً من دون رصيد..
يتطلع كل فريق الى دائرته، ومراكز القوة المحسوب عليها والمحسوبة عليه، ويقدم مشروعه على هذا الأساس، وعلى خلفيات طائفية في مكان وخلفيات طائفية – مذهبية في مكان آخر، لا على خلفية وطنية لا طائفية، خلافاً لما يتطلع اليه غالبية اللبنانيين الذين يتطلعون الى نقلة نوعية في النظام اللبناني، والبدء بمسيرة «الاصلاح والتغيير»..
من الواضح، ان المفاوضات الجارية على مستوى الافرقاء الأربعة، تبنى على أساس ثنائية إسلامية (شيعية – سنية) والبعض يضيف (الدرزية) في مقابل احادية مسيحية، وهي مسألة وأن يرى فيها البعض، خللاً واتجاهاً نحو «ميثاقية» جديدة، فإن خريطة التوزعات التي وزعت، بين «الاكثري» و»النسبي» لم تراعِ «وحدة المعايير»، بل مصالح العديد من الافرقاء..
في المداولات هناك من يسأل لماذا استبعد الحزب «التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية» عن «اللجنة الرباعية» التي عقدت جولتها الثالثة يوم أمس؟ والجواب هو ان «الاشتراكي»، و»اللقاء الديموقراطي»، يغمسان خارج صحن الدعوات الى صيغة جديدة تحدث نقلة جوهرية في قانون الانتخاب.. وقد كان الوزير أكرم شهيب واضحاً بتأكيده «ان الظروف اليوم غير مؤاتية لطرح النسبية..» وهو يتساءل «من أعطى اللجنة الرباعية «الحق في ان تتحكم في كل القرارات في لبنان؟! هذا إضافة الى ان «القوات اللبنانية» ماتزال متمسكة بالصيغة الثلاثية؟!.
الواضح ان غير فريق، حتى من بين «اللجنة» بات على قناعة بأن «الأمور عادت الي المربع الأول» في موضوع قانون الانتخاب، وأن قانون المختلط يواجه صعوبات حقيقية تقرب من درجة الاستحالة»؟! الأمر الذي عزز من فرص العودة الى البحث في صيغة النسبية الكاملة، على خلفية أنها الضامن الوحيد لحسن التمثيل وشموليته وعدالته، والمعبر الالزامي لدولة القانون والمؤسسات.. وفي السياق توكد أوساط رئيس مجلس النواب نبيه بري ان «التسريبات الأخيرة للصيغة المختلطة (المقدمة من الوزير باسيل) جاءت في اطار جس النبض واستطلاع ردات الفعل..» مستبعدة «حصول اجماع حولها..» وقد تجلى ذلك في المواقف الأخيرة لحزبي «الكتائب» و»التقدمي الاشتراكي»..
الرئيس بري عند مواقفه المبدئية، وهو يؤكد أنه يريد «النسبية الكاملة» شأنه في هذا شأن «حزب الله»، ان على صعيد لبنان دائرة واحدة، او على صعيد صيغة تقوم على «الدوائر المتوسطة..» وهو في هذا، يرمي كرة المسؤولية في انجاز قانون جديد للانتخابات في مرمى الحكومة لتتبنى صيغة معينة فيصار بعد ذلك الى التصويت عليها في جلسة خاصة لمجلس النواب..»؟!
في قناعة البعض ان الرئيس بري يريد ان يغسل يديه من المسؤولية وأن تأكيده علي الدور الأساسي للحكومة في اعداد مشروع قانون جديد للانتخابات، لم يلق الترحيب المطلوب والمتوقع في الضفة الحكومية التي جيّرت، على ما يظهر، هذه المهمة الى «اللجنة الرباعية»، التي تضم أطرافاً أساسيين ممثلين في الحكومة، «الأمر الذي قد يعني، في مكان ما، أنها «لجنة حكومية مصغرة».. وعندما تصل الى «الخواتيم السعيدة» في صيغة يتفق عليه الجميع ترفع الى مجلس الوزراء لدرسها واقرارها ومن ثم احالتها الى مجلس النواب لاقرارها نهائياً ويبدأ مع ذلك العمل الميداني؟!