يزداد الحديث عن التحالفات في دائرة جزين- صيدا على رغم أنّ الإنتخابات ما زالت مبكرة، لكنّ حركة المرشّحين ومشاريعَهم توحي وكأنّ المعركة حاصلةٌ غداً.
تكتسب هذه الدائرة أهميّة خاصة لأسباب عدّة، فهي الدائرة الوحيدة جنوباً التي تُعتبر عمَلياً خارج سيطرة الثنائي الشيعي، إذ إنها تتكوّن من غالبية مسيحية وسنّية مع وجود عددٍ لا بأسَ به من الأصوات الشيعية.
أما النقطة الثانية التي تعطي هذه الدائرة، أهمية، فهي أنّ تيار “المستقبل” يعتبر صيدا، عاصمة الجنوب، من أهم معاقله، فهي مدينةُ الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وتشكّل مع بيروت الغربية وطرابلس حلقة المدن ذات الغالبية السنّية، حيث عُرف تاريخياً عن السنّة أنهم سكّانُ مدن، بعكس الموارنة والشيعة.
وإذا خسر “المستقبل” مقعداً من المقعدَين السنّيَين المخصّصين لصيدا، فإنّ هذه الخسارة تتخطى العدد لتصل الى الرمزيّة والهالة التي أُحيطت بها هذه المدينة من قبل الحريريّة السياسية.
وبالنسبة الى النقطة الثالثة التي تجعل من المعركة أكثرَ حماوةً، فهي تحديد إنتماء جزين، إذ إنّ “التيار الوطني الحرّ” خاض الإنتخابات عام 2009 في مواجهة لائحتين، لائحة النائب السابق الراحل سمير عازار، ولائحة قوى “14 آذار” وحصَد المقاعد المسيحية الثلاثة تحت عنوان “تحرير جزين”، في حين أنّ مرشحه أمل أبو زيد حقق في أيار الـ2016 فوزاً كبيراً بالتحالف مع “القوات اللبنانية”، لذا فـ”التيار” يروّج أنّ جزين عونيّة ولا يستطيع أحد أن يخسّرَه فيها.
أمّا العنصر الرابع الذي يعطي رونقاً للمعركة فهو إعتماد القانون النسبي، ما يسمح لكل القوى بأن تتمثّل، فيما يبقى الأهمّ هندسة اللوائح والتحالفات لأنّ الحسابات في هكذا معارك أساسيّة جدّاً.
تُعتبر دائرة جزين- صيدا من أصغر الدوائر المعتمَدة، فهي تتألف من 5 نواب (2 سنّة في صيدا، 2 موارنة وكاثوليكي في جزين)، وتضمّ 120 ألف ناخب. في صيدا هناك 61 ألف ناخب يتوزعون كالآتي: 52 ألف ناخب سنّي، 5 آلاف ناخب شيعي، ونحو 3500 ناخب مسيحي.
أما في جزين فهناك 59 ألف ناخب بينهم 45 ألف ناخب مسيحي، ألف ناخب سنّي، 12500 شيعي، و500 ناخب درزي. وبالتالي فإنّ المجموعَ العام للناخبين حسب الطوائف في هذه الدائرة هو: 53 ألف سنّي، 48500 مسيحي، 17500 شيعي، و500 درزي.
باستثناء الإنتخابات النيابية الفرعية في جزين العام الماضي، والإنتخابات البلدية عامَي 2010 و2016 والتي لها حساباتُها العائلية والمناطقية، لا يوجد إحصاءٌ دقيق يُظهر حجم توزّع القوى السياسية، خصوصاً أنّه في السابق كان أيّ فريق إذا تقدّم بصوت أو 10 أصوات يستطيع الفوز بكل المقاعد، أما الآن فإنه يحتاج الى آلاف الأصوات ليحدّد المقعد الذي ستناله أيّ قوى.
في إنتخابات 2009، حصلت لائحة “المستقبل” المؤلفة من الرئيس فؤاد السنيورة، والنائب بهية الحريري على معدّل نحو 24 ألف صوت، فيما نال النائب أسامة سعد منفرداً نحو 13500صوت، وإذا حوّلنا الرقم الى النسبة المئوية تكون لائحة “المستقبل” حصلت على 63 في المئة، وسعد على 36 في المئة، وإذا وزّع “المستقبل” أصواته بالتساوي على مرشحيه، مع أنّ هذا الأمر شبهُ مستحيل، فسيحصل عندها كل مرشح على 31.5 في المئة، وبالتالي فإنّ سعد سيخرق حكماً إذا أخذ كل فريق نسبة الأصوات التي نالها في الدورة الماضية.
وبالنسبة الى جزين، فقد حصلت لائحة “التيار الوطني الحرّ” على معدّل وسطي هو 14 ألف صوت تقريباً، في حين نالت لائحة عازار نحو 7 آلالاف صوت كمعدّل وسطي، و”14 آذار” نحو 7 آلاف، وفي هذه الحال سيحصل “التيار” على 50 في المئة، واللائحتان الأخريان على 50 في المئة، مع أنّ التشطيب كان سائداً، و”حزب الله” قسّم أصواته بين “التيار” وعازار، وهناك مواطنون شكّلوا لوائحَهم الخاصة.
لا يمكن الإعتماد على أرقام إنتخابات 2009 لمعرفة نتائج الـ2018، لكنها تُظهر في المقابل أنّ أيّاً من القوى السياسية لا تستطيع النوم على حرير حتّى في الأقضية والدوائر التي تُعتبر أهمّ معاقلها لأنها معرّضةٌ للخرق.
ومن جهة ثانية، فإنّ أموراً كثيرة تغيّرت، فجزين وصيدا باتتا دائرةً واحدة، وهذا يخلق حيويّة بين الأقضية في موضوع التحالفات، ويُعطي دفعاً لبعض القوى المستقلة والتي تبحث عن تمثيلها في النسبية.
كذلك، يجب إنتظار طبيعة التحالفات، وموقف القوى الرئيسة خصوصاً مع فرط عقد “8 و14 آذار” وظهور تحالفات جديدة على الساحة، وكذلك فإنّ غيابَ سمير عازار عن الساحة قدّ يؤثّر نوعاً ما رغم إصرار نجله إبراهيم على إكمال المشوار مع أنّ الأرقام التي حققها في الإنتخابات الفرعية الأخيرة لا تبشّر بالخير.
وأمام هذا الواقع، فإنّ الحراكَ قدّ ظهر جلياً، خصوصاً في فترة عيد الفطر، حيث زار نوابُ وكوادرُ “التيار الوطني الحرّ” صيدا وجالوا على معظم قياداتها، ومع أنّ عنوان الزيارة هو التهنئة بالأعياد، إلّا أنّ الكلامَ الإنتخابي لم يكن بعيداً.
وهنا لا بدّ من الإشارة الى شخصية كل مرشّح وقوته الذاتية لأنّ المحادل لم تعد تَحسم المعركة، فكل مرشّح يحتاج أصواتاً تفضيلية للفوز، ويبرز حديث عن نيّة “التيار الوطني الحرّ” النظر في مرشحيه، مع دخول أسماء جديدة الى الحلبة. في حين أنّ “القوات اللبنانية” تدرس خياراتها جيداً قبل الإعلان عن مرشحيها وتحالفاتها.
ويُطرح سؤال كبير خصوصاً بعد زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى معراب تلبيةً لدعوة الدكتور سمير جعجع الى السحور والإستفسار عن التحالف بين “القوات” و”المستقبل”، وبالتالي هل ستشهد هذه الدائرة تحالفاً قواتياً مستقبلياً في مقابل تحالف “التيار” وسعد، وعندها يستطيع “حزب الله” أن يمنحَ أصواته للائحة “التيار”، أم إنّ تحالف “المستقبل” والعونيين محسوم، وعندها ماذا سيكون موقف “حزب الله”؟
وفي حال بقيت “القوات” خارج هذا التحالف الجديد، فمَع مَن ستتحالف في صيدا خصوصاً أنّ علاقتها بأسامة سعد ليست في أفضل حال؟ وهل إذا تحالف “المستقبل” و”التيار” و”القوات”، سيتحالف سعد في المقابل مع إبراهيم عازار وعندها يمنح “حزب “الله” أصواته للائحة سعد فيصبح الصوتُ الشيعي بين جزين وصيدا هو المرجِّح، ويخسره “التيار الوطني الحرّ”؟
أسئلة كثيرة لا إجابات عنها حالياً، على رغم الكلام عن إعادة نظر الأحزاب في بعض المرشحين، وإستعداد شخصيات صيداوية وجزّينية تنتمي الى عائلات تقليدية لخوض المعركة إما في لائحة الأحزاب أو مع لوائح مستقلّة.