أعاد مجلس شورى الدولة إحياء النقاش بشأن الهدر في قطاع الخلوي، فأوقف المجلس تنفيذ قرار وزيرَي المال والاتصالات السماح لشركتَي الخلوي بتحويل الإيرادات إلى الخزينة، بعد حسم المصاريف التشغيلية، خلافاً لقانون موازنة ٢٠٢٠، الذي لم يستثن سوى الرواتب
عندما أُقر قانون موازنة 2020، كان المجلس النيابي، وقبله الحكومة، قد بدآ يحثّان الخطى للدخول في عالم القوانين الإصلاحية، بضغط من المجتمع الدولي. لذلك، ضمّ القانون بنوداً وُصفت بأنها إصلاحية، انطلاقاً من غاية أساسية هي وقف الهدر. ولما كان قطاع الخلوي، على ما بيّنت لجنة الاتصالات النيابية، واحداً من مكامن الفساد والهدر في الدولة، كونه خارج الرقابة المسبقة، تقرر إنهاء هذه الحالة الشاذة التي شكّلت صندوقاً أسود لوزراء ومسؤولين على مرّ السنوات. لذلك، نصّت المادة 36 من الموازنة على إلزام شركتَي الخلوي بـ«تحويل كامل الإيرادات الناتجة عن خدمات الاتصالات المحصّلة، باستثناء الرواتب، إلى حساب الخزينة، يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، على أن تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجب على الخزينة لمصلحة الشركات من بدل إدارة ونفقات وأعباء ومشتريات وخلافها بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيرَي الاتصالات والمالية».
بذلك، كُبّلت يدا شركتَي الخلوي اللتين لم تعودا قادرتين على التصرف بالمال العام من دون رقيب. أدى ذلك إلى اعتراضات كبيرة، بخلفيات متعددة، في الأغلب مصلحية، وإن كان عنوانها أن القرار لا يتلاءم وطبيعة القطاع الذي يحتاج إلى قرارات سريعة. لكنّ أصحاب هذه الآراء، بعيداً عن أحقية ما يقولونه، لم يجيبوا عن السؤال الأساسي: كيف يمكن الحد من الهدر في القطاع الذي يكلف الخزينة مئات ملايين الدولارات؟ وهل يريدون من حملتهم استمرار العمل من دون مراقبة كما كان يفعلون دائماً؟
طُرح الأمر على الحكومة أكثر من مرة. المطلوب منها، بحسب القانون، تحديد آلية تنفيذية له، لكنها بدلاً من ذلك اتفقت على إصدار الوزيرين المعنيين قراراً يراد منه نظرياً تنفيذ القانون، لكنه في المضمون ينقضه بشكل واضح. فالقرار الصادر في 2 تموز 2020، نصّ في المادة الأولى على أن يُفتح لدى الخزينة حساب خاص لكل من شركتَي الخلوي يُسجل فيه صافي الإيرادات المحوّلة إلى الخزينة من الشركات، وكذلك النفقات المسدّدة للشركات لتسديد النفقات الاستثمارية. ونصّ في مادته الثانية على «إلزام الشركتين في الأول من كل شهر بتحويل الصافي من الإيرادات الشهري بعد حسم كلفة الرواتب والمصاريف التشغيلية». الاختلاف مع القانون الذي نصّ على تحويل العائدات مرتين أسبوعياً كان جلياً. كما أن القانون أشار إلى استثناء الرواتب، فيما استثنى القرار، إضافة الى الرواتب، المصاريف التشغيلية، مجيزاً عودة الهدر من بوابة هذه المصاريف التي وصلت إلى 200 مليون دولار عام 2018 وحده.
«الشورى»: تنفيذ قرار وزيرَي الاتصالات والمالية يسبب ضرراً بليغاً
أمام هذا الواقع، قدّم أحد حملة الأسهم في شركة «ميك 2» («تاتش») وسيم منصور، في 21 تشرين الأول 2020، استدعاءً أمام مجلس شورى الدولة، طلب فيه وقف تنفيذ القرار الصادر عن وزيرَي المالية والاتصالات، وإبطاله لتجاوز حد السلطة. وفي الأول من الشهر الجاري أصدر المجلس، عبر الهيئة الحاكمة التي يرأسها القاضي فادي الياس ويشارك في عضويتها المستشاران كارل عيراني ولمى أزرافيل، قراراً بوقف تنفيذ القرار.
وكان منصور طلب، بواسطة وكيله المحامي نزار صاغية، إبطال القرار لمخالفته المادة 36 من قانون الموازنة ولصدوره عن سلطة غير مختصّة (وزيرَي الاتصالات والمالية)، بعد موافقة مجلس الوزراء، في حين أن المادة 36 من القانون 6\2020 نصّت على صدور القرار عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزيرين. وعليه، طالب بوقف التنفيذ لتوفر شروط المادة 77 من نظام مجلس الشورى (أسباب جدية وضرر بليغ) ذلك أن القرار مخالف للدستور والقوانين، إضافة إلى أن الجمعية العمومية لشركة «ميك 2» رخّصت مراراً لمجلس إدارتها تسديد مستحقات الموردين قبل تحويلها إلى الخزينة وهي في صدد إعادة الكرّة.
في المقابل، ردّت الجهة المستدعى بوجهها، أي الدولة اللبنانية، طالبة رد طلب وقف التنفيذ، وردّ المراجعة لعدم تمتّع المستدعي بالمصلحة، ولأن المستدعي لم يُثبت الضرر الشخصي اللاحق بمركزه القانوني من جراء القرار المطعون فيه، إضافة إلى أن مجلس الشورى لا يقبل المراجعة الشعبية. واعتبرت المستدعى ضدها أنه يقتضي ردّ المراجعة في الأساس لأن القرار المطعون فيه استند إلى القرار الرقم 3 تاريخ 2 تموز 2020 الصادر عن مجلس الوزراء، والذي أورد أنه يتعذّر تطبيق المادة 36 من القانون لحلول الدولة في الإدارة وبالتالي في موجبات المدير المالية، وأن أي تأخير في تسديد النفقات التشغيلية والرأسمالية سيكون له تأثير على قطاع الاتصالات، وأن مجلس الوزراء قد وافق على مشروع قانون يرمي إلى تعديل المادة 36 من القانون بما يتلاءم مع الصيغة النهائية لدفتر الشروط وعقد الإدارة الجديدة. وهو ما وجدت فيه مصادر قانونية إصراراً على تنفيذ مشروع قانون لا قوة قانونية له على حساب قانون نافذ، إضافة إلى اعتبار قرار وزاري أقوى من القانون.
بالنتيجة، جاء في القرار الإعدادي للشورى أنه «يُنظر إلى طلب وقف التنفيذ في ضوء جدية الأسباب المُدلى بها وبالنظر إلى ظروف القضية وتلافياً للأضرار البليغة التي قد تنشأ عن تنفيذ القرار المطعون، يتبين أن شروط المادة ٧٧ متوفّرة في المراجعة، فيقتضي بالتالي وقف التنفيذ».
وإلى وقف التنفيذ الذي يفترض أن يُنفذ خلال شهر، تقرّر إدخال «ميك 2» في المحاكمة وتكليف وزارة الاتصالات تقديم مطالعتها حول موضوع النزاع. ورغم أن القرار يطاول بتداعياته «ميك 1» ضمناً كونه يوقف تنفيذ قرار وزاري يشملها، إلا أنه لم يتم التطرق إليها في قرار «الشورى» انطلاقاً من أن صفة المدّعي محصورة بـ«ميك 2» (مساهم).