إنتهت جلسة الحوار الاولى أمس الى سؤال طرحه الجميع في ضوء تباعد المواقف حول بند رئاسة الجمهورية على وقع الصخب الشعبي في وسط بيروت، وهو: هل سيتمكن المتحاورون من الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد وامتصاص غضب الشارع الذي قد يتفجّر أكثر فأكثر في قابل الايام؟
تَشي التطورات الجارية أنّ لبنان سيشهد في الايام والاسابيع، وربما الاشهر المقبلة، مزيداً من الحراك الشعبي في الشارع، خصوصاً بعدما تبيّن انه ليس بريئاً بمجمله، وإنما يقف خلف بعض المنظمات المنخرطة فيه جهات دولية ومنها الولايات المتحدة الاميركية، حيث انّ السفير الاميركي ديفيد هيل صارحَ أخيراً رئيس مجلس النواب نبيه بري بأنّ بعض رموز الحراك على علاقة بالسفارة الاميركية، لكنه اكد له انّ السفارة لم تدفعهم الى التظاهر وانما تحركوا من تلقاء أنفسهم.
دافعَ هيل أمام بري، وقبله أمام رئيس الحكومة تمام سلام، عن الحراك، مؤكداً انّ بلاده تعارض التعامل بقوة مع المتظاهرين الذين يعبّرون عن آرائهم. لكن لا بري اقتنع بأنّ جماعة «طلعت ريحتكم» تحديداً تحركوا من تلقاء أنفسهم، ولا سلام بدوره اقتنع ايضاً.
فما خُفي قد يكون أعظم، ولكن المهم ان لا يكون خلف ما يجري مخطّط لإدخال لبنان في فوضى عارمة تنتهي بفرض حلول على الجميع لا يقدرون على معارضتها، او حتى النقاش فيها.
ويقول البعض انّ خلف الحراك «موّالاً خارجياً» سيُغنى وتصدح به اصوات بعض القيّمين عليه في وسط بيروت. وتفيد معلومات انّ لبنان سيشهد جولات متلاحقة من الحراك المدني في مناخ هذا «الموّال». ومن المفارقات التي تسجّلها الاوساط السياسية انّ الخليط السياسي الغريب العجيب لجماعة الحراك يشكّل اليسار عموده الفقري حيث يلتقي فيه مع دول فاعلة مُشتبه بدعمها للحراك، وكانت حتى الأمس القريب العدو الاول لليسار الدولي.
ويضيف هذا البعض أنّ الحراك المدني سيكون في ضوء انطلاق الحوار مضطراً للمرة الاولى منذ انطلاقته لأن يثبت انّ لديه لجنة متابعة وان يكشف أجندته السياسية، خصوصاً في حال فشل الحوار في التوصّل الى النتائج المرجوّة منه، امّا اذا كان هذا الحراك بريئاً فإنّ مجرد انطلاق الحوار ينبغي ان يدفع الداعمين له الى سحب ثعالبهم المختبئين بين المتظاهرين.
لكنّ المؤشرات تدلّ الى انّ قادة الحراك يحضّرون لأجندة مطلبية جديدة في موازاة أجندتهم السياسية التي ينتظر ان تنكشف شيئاً فشيئاً في قابل الايام. وربما تحركوا قريباً في اتجاه وزارة الطاقة احتجاجاً على أزمة الكهرباء المُستفحلة، بعد حراكهم الاخير في اتجاه وزارة البيئة ومطالبتهم باستقالة وزيرها محمد المشنوق.
ويرى سياسي بارز انّ الحوار سيفرض على الحراك الشعبي إثبات انّ لديه لجنة متابعة حقيقية في ظل تساؤلات إزاءه، ومنها: هل سيتصدى للعناوين السياسية؟ وما هي خطوته المقبلة في ضوء جلسة الحوار؟ وهل العنوان المطلبي هو الذي سيتحكّم به فقط؟
وهل هي أزمة النفايات بالتحديد؟ أو انّ هناك أجندة تغطي زمنياً المرحلة المقبلة كلها وتشدّ انتباه الناس الى الشارع في استمرار وبقوة؟. ويخلص هذا السياسي من هذه التساؤلات الى القول «إنّ هناك مجموعة من الاسئلة ستبدأ بالإفراج عن أجوبة في المرحلة المقبلة».
وبغضّ النظر عمّا سينتهي اليه الحوار في ساحة النجمة، فإنّ المكتوب قُرىء من عنوانه، حيث انّ الانطباع السائد ان ّهناك استحالة في توصّل المتحاورين قريباً الى اتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد او على قانون انتخابي جديد، فالرئيس التوافقي موجود لكنّ الاتفاق عليه ما زال بعيداً، وقانون الانتخاب موجود ولكنّ الاتفاق عليه ما زال مفقوداً، مع العلم انّ احتمال اللجوء الى إجراء الانتخابات على أساس القانون النافذ حالياً، والمسمّى قانون الستين، على قاعدة «لا حول ولا…» هو احتمال قائم يروّج له بعض القوى التي استفادت منه في انتخابات العام 2009.
فريق 8 آذار يريد إقرار قانون انتخابي جديد وانتخاب مجلس نيابي ينتخب رئيس الجمهورية الجديد. وفي هذا السياق وَضعَ رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون بالحشد الشعبي الذي نظّمه في ساحة الشهداء الاسبوع الماضي «صخرة كبيرة» في طريق «الرئيس التوافقي». فالرجل متمّسك بترشيحه، واذا كان متعذراً فوزه فإنه يريد ان يكون الناخب الاول في عملية اختيار هذا «الرئيس التوافقي».
وفي المقابل يريد فريق 14 آذار ان ينتخب المجلس النيابي الحالي الممدّد لنفسه رئيس الجمهورية الجديد، ولا مانع لديه في أن يكون هذا الرئيس «توافقياً»، ثم تؤلّف حكومة جديدة تتولى وَضع قانون انتخابي يُنتخب بموجبه مجلس نيابي جديد.