على الرغم من الاجواء التفاؤلية التي نقلها نواب كتلة “الاعتدال الوطني”، مع بداية طرح مبادرتهم الهادفة الى إنتخاب رئيس للجمهورية بعدما طال أمد الفراغ، وسط تراكم المبادرات الرئاسية الخارجية، التي لم تصل الى خاتمة ايجابية، تفاءل طارحو المبادرة المذكورة خلال جولاتهم على الافرقاء السياسيين لفترة طويلة، إعتبروا خلالها بأنّ الحل يقترب، وهذا ما بدا خلال كل تصريحاتهم الاعلامية، اذ نقلوا تجاوب العدد الاكبر من الافرقاء السياسيين مع بنود مبادرتهم، كما تلقوا مطالب من قبل البعض لبحثها ومناقشتها قبل الرد الاخير، وبُنيت الآمال الى حين إعلان النائب وليد البعريني قبل يومين وخلال حديث اذاعي، “بأنّ التكتل قد يتّجه الى نعي مبادرته في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية، والامور لا تزال تراوح مكانها أكان على مستوى مبادرة التكتل، أو حراك “الخماسية” حيث يوجد تباينات، وشدّد على ضرورة ان تجد القوى الداخلية القواسم المشتركة التي تؤدي الى اتفاق حول الانتخابات الرئاسية”.
الى ذلك جرى لقاء عصر اول من أمس الاربعاء، بين سفراء “الخماسية” ونواب “الاعتدال” للتنسيق وتوحيد وجهات النظر، بغية الوصول إلى تذليل العقبات لإنجاح المبادرة، وفي نهاية الاجتماع صدر بيان عن تكتل “الاعتدال” أشار الى “انّ التوافق قائم مع أعضاء اللجنة على آلية عمل مشتركة، على ان يكون للتكتل موقف مرتقب في نهاية الحراك، حول النتائج وتوضيح مدى تجاوب كل فريق من عدمه، ودعا البيان كل الكتل النيابية الى الاسراع في التعاون، لانها الفرصة شبه الاخيرة للخروج من المأزق الرئاسي، وتخطي المناكفات على حساب الشعب اللبناني وكرامته ومصالحه”.
هذا البيان حمل في طياته أجواءً تشاؤمية، بالتزامن مع غياب معظم نواب “الاعتدال” عن السمع، ومَن ردّ على هاتفه فضّل عدم الغوص كثيراً بالكلام، لانّ ما قاله زميلهم النائب البعريني يعبّر عن الواقع، فيما كانت الانظار شاخصة بنتائج هذه المبادرة التي للاسف لم تصل الى مبتغاها، بسبب الخلافات السياسية التي لا تنتهي كما قال بعضهم”.
وعلى خط اللقاءات التي جرت مع الكتل النيابية، بدت مبادرة “الاعتدال” متأرجحة بين الموافقة والرفض، حتى انّ بعض الاطراف وافقوا عليها لانهم يعلمون سلفاً انها لن تسير على الدرب الرئاسي، وفق ما اشار مراقبون سياسيون متابعون للطروحات والمبادرات التي سبق ان اعلنت، معتبرين انّ النكايات السياسية لعبت دوراً بين الفريقين المتنازعين، ولذا وصلت المبادرة الى طريق مسدود، اذ فهمها البعض وفق ما يريد على الرغم من سلاستها، وعدم وجود تعقيدات ضمنها، فيما البعض الاخر أراد ان تكون على مقاسه، أي السعي لإيصال رئيس مقرّب من خطه وقادر ان “يمون” عليه، وأشاروا الى انّ بعض الاطراف وضعوا هوية مَن سيدير الحوار المنبثق عن المبادرة كحجر عثرة، غامزين من قناة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فيما تمسّك حزب الله خلال لقائهم الاخير بوفد كتلة “الاعتدال” بترؤس برّي للجلسة كشرط، الامر الذي رفضه المعارضون الذين يعتبرون رئيس المجلس طرفاً في المعركة، وكشف المراقبون بأنّ لقاء وفد نواب “الاعتدال” بكتلة نيابية قليلة العدد، شهدت خلافات لم تخرج الى العلن وجرت “لفلفتها”، كما انّ لقاءهم مع حزب الله تم خلاله التأكيد على موقف الحزب بدعم ترشيح رئيس تيار”المردة” سليمان فرنجية، لانهم ليسوا في وارد التخلي عن دعمه، لصالح البحث عن رئيس توافقي يوضع ضمن خانة الخيار الرئاسي الثالث، اذ يشدّد الحزب على وصول رئيس يوفر الحماية للمقاومة ولا يطعنها في الظهر”، فيما اكدت كتلة “الاعتدال” منذ إعلان طرحها بأنها على مسافة واحدة من الجميع، وهي تعمل لإيصال المرشح الوسطي التوافقي، وتفضّل السياسة الوسطية القادرة على جمع الافرقاء والمعنيين بالملف الرئاسي، ولن تكون مع فريق ضد آخر لانها ترفض الاصظفافات السياسية.
في السياق رأى المراقبون بأنّ بعض الافرقاء رفضوا فكرة الجلسة الانتخابية المفتوحة، لانها بدت كفرض على النواب، وسألوا: “مَن يؤكد حضور هؤلاء وعدم تعطليهم النصاب في اللحظة المهمة؟، لافتين الى وجود مرجعية اقليمية وراء المبادرة المذكورة، حتى ولو نكر اعضاء التكتل، وإستبعد المراقبون وصول رئيس الى قصر بعبدا قبل إنتهاء الحرب على غزة وجنوب لبنان، بالتزامن مع وجود معرقلين في الداخل لكن بطريقة مبطنّة وخفية، وأبدوا آسفهم من وجود من يعمل في الداخل على إسقاط اي طرح، من شأنه ان يحل مشكلة الرئاسة، فيما تسعى الدول الصديقة الى إنهاء الشغور وحل الازمة، لكن معرقلي الداخل يقفون في المرصاد، والمطلوب ان يتلاقى الجميع على طاولة الحوار، وضرورة غض النظر عن هوية من يترأس جلسة ذلك الحوار، لانّ المهم النتيجة والعمل على إنهاء الانقسامات والتباينات، وإلا سيبقى لبنان من دون رئيس حتى آجل غير مسمّى، وسط كل الاخطار التي تطوقه.