قمّة الرياض العربية الأميركية اللاتينية، خطوة كبيرة ومهمة سياسياً وإستراتيجياً. حتى ولو جاءت متأخرة فإنها منتجة وتؤهّل لعلاقات ضرورية سياسياً واقتصادياً.
أميركا اللاتينية أهملت طويلاً من خريطة العلاقات العربية. تضم هذه المنطقة الحيوية، جاليات عربية، خصوصاً لبنانية وسورية ضخمة، يمكن استثمارها في تعليب هذه العلاقات وتثبيتها. «الحرب» المكشوفة مع إيران ومشروعها بإقامة «الهلال الشيعي» أو أي تسمية أخرى تؤكد النفوذ الإيراني في المشرق العربي، دفعت باتجاه فتح معابر نحو العالم تنتج خطاً دفاعياً عن العالم العربي. طوال السنوات الأربع الماضية وأكثر، كانت إيران تهاجم وتتقدم، والعرب يتراجعون تحت ضغط انهيارات «الربيع العربي». الآن ومنذ «عاصفة الحزم» في اليمن والمواقف الصلبة في سوريا، يجري بسرعة بناء خط دفاعي عربي يسمح في ما بعد بالدخول في مفاوضات من موقع قوي يبعد محاولات القضم والهضم وتقاسم النفوذ على حساب العرب.
ما جرى في فيينا 1 وما يعد لاجتماع فيينا 2، يؤكد أن لا حلّ قريباً في سوريا. لذلك فإن لهذين الاجتماعين ما بعدهما للوصول إلى قائمة المفاوضات النهائية. ما يجري بداية لتشجيع الحوار وتقديم الأفكار والطروحات والاقتراحات في وقت لا حدود فيه ولا قيود على التصعيد العسكري من كل الأطراف. التسوية لم تنضج وهي لا بد أن تنضج على «النار» المتصاعدة في «الملعب» السوري.
موسكو تعمل على رسم مسار انعقاد المفاوضات النهائية. «عاصفة السوخوي»، سمحت لموسكو وبالاتفاق مع واشنطن وتل أبيب، بالإمساك بالملف السوري لصوغ الشروط المقبولة من المحورين المتواجهين. موسكو تتحرك من موقف الطرف المعني بالحصول على مكاسب متصاعدة لها ولمحورها. توجد فوارق صغيرة تضيق وتتسع بحسب الوضع بينها وبين حليفتها طهران. يهم موسكو أن يبقى بشار الأسد في السلطة. لكن في مرحلة معينة لم تتبلور وقائعها وشروطها، تبدو مستعدة للتخلي عنه. حالياً يبرز هذا الموقف في كيفية تعاملها مع تحديد المجموعات والشخصيات السورية المعارضة التي ستشارك في المفاوضات. أي خطوة إيجابية روسية نحو المعارضة السورية، تؤكد ذلك.
أما إيران، فإنها جعلت من بقاء بشار الأسد «خطًّا أحمر»، غير قابل للنقاش فكيف بالتفاوض. أعجب ما في الموقف الإيراني، أنه يركّز على «أن الشعب السوري وحده يملك حق تقرير مستقبله وما يريده»، وفي الوقت نفسه أن الأسد يبقى «خطًّا أحمر».
وما ذلك إلا لأن «سوريا هي حجر الأساس في محور المقاومة الشريفة»، ولأن الأسد» أظهر عبقرية واضحة في عملية التصدي للهجمة ضد المقاومة نتيجة لهذا يصبح رحيل الأسد مقدمة لأن تعم الفوضى سوريا كما ليبيا، وكأن النظام يسود حالياً كل سوريا.
رغم أن أمير اللهيان نائب وزير الخارجية لن يحضر اجتماع فيينا 2، لأنه يرافق الرئيس حسن روحاني في جولته الأوروبية، فإن إشارات تحت «عباءة» التشدد السياسي والعسكري، تدل على «خطوات خجولة»، بدأت تتبلور. من السابق لأوانه القول إن هذه الخطوات هي توجّه إيراني عام تحت إشراف الولي الفقيه آية الله علي خامنئي أو أنها جزء من الصراع الخفي بين المتشددين والمعتدلين، على وقع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والخبراء».
الرئيس حسن روحاني الذي سيبدأ جولته الأوروبية بالعاصمة الايطالية ثم الفرنسية، قال لـ«التلفزيون الفرنسي»: ليس الحل في سوريا مسألة شخص وإنما قضية أمن واستقرار، الحل ليس متمحوراً حول مصير الأسد بل على ضرورة وجود دولة قوية في سوريا لمكافحة الإرهاب»، طبعاً يمكن أن يؤخذ هذا الكلام على وجهين: إمكانية التخلّي عن الأسد، أو ضرورة بنائه لتحقيق الأمن. لكن مجرّد أن تطرح طهران على لسان اللهيان المتشدّد مشروع حل من ثماني نقاط تحمل نقاطها التغيير، يعني أن كل شيء قابل للنقاش مستقبلاً. وقد وصل الأمر إلى أن تعليقاً إيرانياً على نفي اللهيان وصل الى القول شبه الرسمي: «إنه ضروري لدواع ديبلوماسية».
من الخطوات اللافتة على طريق فتح الباب أمام الحوار حول سوريا الانفتاح على تركيا وذلك بعد فوز رجب طيب «إردوغان الكبير»، وبعد التأكيد أن «عاصفة السوخوي» قد فشلت، وأن خسائر الإيرانيين و«حزب الله» تزايدت مؤخراً وهي إلى ارتفاع (يقال إن إيران خسرت في الأربعين يوماً الماضية قرابة 60 قتيلاً بينهم خمسة ضباط كبار)، وأن الحل العسكري باعتراف طهران مستحيل.
فقد تحدث جهانكيري نصيري نائب الرئيس روحاني عن «ضرورة توظيف إيران وتركيا امكاناتهما لحل الأزمة سياسياً».
هذه الدعوة الإيرانية، قد تسمح بتحولات مهمة خصوصاً أن تركيا وإيران تعانيان من «الجرح» الكردي ولا يمكن لأي منهما أن «يقلّع شوكه بيده وحده». ولذلك يصبح التعاون على المدى الطويل مساراً صعباً لا بد من اقتحامه والتعاون فيه وحوله.
اعتدال السيد حسن نصرالله ودعوته لحل شامل لـ«سلة» المشكلات، قد لا يكون بعيداً عن التوجهات الإيرانية الجديدة. وقد يكون لبنان مدخلاً لتجربة التعاون والتنسيق والحلول. قبل بداية الحسم في سوريا من الضروري القول، إن الحلول الشاملة ليست غداً. يجب انتظار تنفيذ الاتفاق النووي ورفع العقوبات قبل نهاية الشهر المقبل. ومن ثمَّ الانتخابات التشريعية والخبراء في إيران في نهاية آذار من العام المقبل، وأيضاً مدى تقدّم «عاصفة الحزم» في اليمن، وانتخاب رئيس أميركي جديد للوصول إلى دائرة الحلول النهائية