Site icon IMLebanon

تعديل القانون الكنَسي والأحوال الشخصية… قريباً

تتزايد قضايا الطلاق وبطلان الزواج يوماً بعد يوم بفعل التحديات الكثيرة، المادية منها والخيانات الزوجية، وتدَخُّل الأهل بين الطرفين، والذي يُعتبَر في لبنان من أبرز الأسباب وأكثرها، ويشكو كثيرون من التكاليف الباهظة والرشاوى التي يتكبّدونها أحياناً، والمدّة الطويلة التي تستنزفهم وعائلاتهم. وقد بدأت بكركي في الفترة القريبة الماضية التصدّي لهذه القضية، فماذا حقّقت على صعيد المحاكم الروحية، وما هي خطّتها الإصلاحية، وهل من إجراءات جديدة؟

يقول البعض إنَّ تحرّك البطريركية للإصلاح ولتسريع الاحكام يأتي اليوم بعد الاقاويل التي كثرت عن فساد في مسلك بعض القضاة الروحيين من تحرش وابتزاز وما شابه، والبعض الآخر يقول إنّ القرار اتخذ بعدما كثُرت الشكاوى من المماطلة والأجر المرتفع الذي يتقاضاه المحامون، والرسوم المتوجبة للحصول على «بطلان زواج»، بالإضافة الى تقاضيهم الرشاوى الصغيرة والكبيرة.

يقول المشرف الأوّل على المحاكم الروحية المطران يوحنا علوان إنّ أسهلَ شيء على الإنسان هو «رميُ» التهَم جزافاً… والمحكمة الروحية ليست فاسدة كما يُشاع، بل هي في أحسن أحوالها.

لكنّه لا ينفي أنّ هناك شوائب في داخلها، وهي قيد المعالجة، بعدما بدأت المحكمة اتّخاذ إجراءات واعتماد طرُق مختلفة لمعالجة تلك الشوائب، ومن أهمّها طول الفترة الزمنية التي تقتضيها القضايا المرفوعة وطول المدّة التي تسبق صدور الأحكام، بالإضافة إلى الكلفة الباهظة للدعوى كاملةً، إلّا أنّه نبَّه من أنّ المشكلة هذه ليست مشكلة اللبنانيين وحدهم بل مشكلة المحاكم في العالم مدَنيةً كانت أم كنَسية، ولذلك شكّلَ البابا قبل نحو شهرين في روما لجنةً خاصة لدراسة تقصير أصول المحاكمات الكنَسية وتقصير المهَل كي تصل إلى نتائج سريعة.

وكشفَ علوان أنّ المحكمة بدأت في لبنان منذ 3 سنوات العملَ لاختصار الفترة الزمنية للدعوى الكنسية، وما زالت تبذل جهداً لتقصير المهَل، وهي تتفهّم وضعَ أبنائها المتلهّفين إلى إقرار حقوقهم والإسراع في بَتّ ملفاتهم بشكل نهائي وعادل.

وينفي المشرف الأوّل للمحكمة الروحية وجود قضايا دامت عشرات السنوات، موضحاً أنّ الدعاوى تطول ليس بسبب قرار المحكمة بل بسبب المتقاضين، إذ إنّ دعوى بطلان زواج لا تحتاج أكثر من سنة أو سنة ونصف، إنّما عندما يأتي الزوج ويطلب مشاهدة الأولاد أو حين تطلب الزوجة نفَقة، وهذه الدعاوى تسمّى دعاوى طارئة، تتوقّف حينها الدعوى الأساسية التي هي «البطلان» ويصبح المتداعيان يتبادلان اللوائح بما يخصّ المشاهدة أو اصطحاب الأولاد ألخ… بينما الدعوى الأساسية متوقّفة.

ولكي يستطيع القاضي إصدار قراره في دعوى طارئة بالحراسة أو المشاهدة أو الحضانة في وقت التداعي يجب عليه الاستماع إلى المتنازعين، أي يجب عليه أن يستمع إلى دفاعاتهم ويرى مستنداتهم. والأمر نفسه ينطبق على النفقة.

الإجراءات الجديدة

– بدأت المحكمة بالاشتراط على المتنازعين والطلب من القضاة الروحيين وجوب تحديد فترة زمنية قصيرة للمتنازعين لتنفيذ تلك الإجراءات، وليس كما كان يحصل في السابق.

– تخصيص مكتب داخل المحكمة يجمع المتداعين في حضور متخصّصين للوصول إلى حلّ حُبّي بالاتّفاق، بدل التقاتل داخل المحكمة على المشاهدة والحراسة والنفقة، والقضية الأساس هي دعوى بطلان، على أن تعمل المحكمة فقط على تسريع البَتّ بالحكم الأساس كي لا يطولَ صدور الحكم، فيوفّران بالتالي الوقت والأموال المتوجّب دفعُها للمحامين عن كلّ دعوى طارئة، وعلى كلّ لائحة، وعلى كلّ استئناف، وعلى كلّ ملف، وعلى كلّ حكم.

وفي المعلومات أنّ المعنيين قد باشروا فعلاً الإضاءة على الإجراءات الجديدة إعلامياً إلّا أنّ التأخير قد ينتج أيضاً بسبب أحقّية المتنازعين بالاستئناف في محكمة الروتا في روما التي تطلب الأحكام مترجمة، وصاحب العلاقة قد لا يهمّه أن يعجّل في الدعوى لأنّ أحد الطرفين يكون حتماً لديه مصلحة في المماطلة، فلا يذهب فوراً إلى ترجمة الحكم، وتمرّ سنة وسنتان وروما تنتظر الملف، والمدّعى عليه هنا يماطل ويستفيد من الوقت.

ولا يمكن إلغاء إجراء محكمة الروتا في روما، لذلك أنشِئ مكتب Rota في لبنان منذ 3 سنوات لكلّ من أراد الاستئناف، على أن يُحدّد لماذا يريد الاستئناف، فيما عقدت المحكمة الروحية في لبنان اتفاقاً مع محكمة الروتا في روما تُلزمها إبلاغ المحكمة الروحية في لبنان عن أيّ استئناف للأحكام النهائية في لبنان، على أن تحدّد المحكمة الروحية بدورها في لبنان فترة معيّنة لا يمكن تخَطّيها للشخص المستأنف بعد استجوابه والاقتناع بالأسباب الموجبة، على أن لا تستمرّ الفترة الزمنية أكثر من شهرين أو ثلاثة.

أمّا مسؤولية إيصال الملفّ إلى روما فتكون على عاتق المحكمة الروحية في لبنان وليس على عاتق المتنازعين. ولا يحقّ لأحد أن يراسلَ روما إلّا من خلال المحكمة في لبنان، وذلك لضبط المراسلات التي قد تطيل أيضاً صدور الأحكام.

شركة تبليغ سريعة لتنفيذ الأمر

وقد اتّخذت المحكمة الروحية قرارات خلال اجتماعات دورية مع القضاة لوضع حدّ لقضية المماطلة الناتجة عن رغبة الزوج أو المرأة في تمديد فترة دفع النفقة، كذلك لوضعِ حدّ بالنسبة لقضية «التبليغات»، فشكّلت مكتباً لتبليغ المحامين مباشرةً داخل المحكمة أو أصحاب العلاقة لكي لا يطول التبليغ، توفيراً للوقت والمال، فيما اعتمدَت المحكمة شركة تبليغ سريعة لتنفيذ الأمر.

وفيما أوضحَ البطريرك مراراً ضرورة التمييز بين رسوم المحكمة وأتعاب المحامين، أشارت مصادر روحية معنية إلى أنّ رسوم المحكمة معلومة، وهي معلّقة على أبواب المحكمة، وليست كما يقال «لائحة أسعار وسوبّر ماركت»، وقد أُلصِقت على أبواب المحكمة خصّيصاً تحديداً للشفافية، وليعلم المدّعي كلفة دعوته التي تقدَّر بحوالي المليون وليس 10 ملايين حسب المصدر، ومعناها أنّ المدّعي يجب عليه مُساءلة المحامي الذي يتقاضى 12 مليون ليرة مثلاً ومجادلته، إذ إنّ لوائح أتعاب المحامين محدّدة بين 3 و4 آلاف دولار، مع الإشارة إلى أنّ المحامي المرافع في قضايا البطلان عليه أن يقدّم للمحكمة عقدَ اتّفاق مع المتقاضي قبل البدء بالقضية.

أمّا بالنسبة إلى الأصوات المتذمّرة بعد إعلانها أنّها تكلّفت بما يفوق الـ 20 ألف دولار ثمن طلاقهم، فيوضح علوان أنّ المعنيين ينبشون الملفات ويتحقّقون دائماً من الشوائب، أمّا بالنسبة لقضايا الرشوة فلفتَ إلى أنّه ومنذ 3 سنوات يؤمّن المطران المشرف على العدالة دواماً من الاثنين الى الجمعة ويستقبل كلّ الناس داعياً كلّ مَن لديه شكوى للتوجّه إليه مباشرةً وليس إلى أبواب وسائل الإعلام.

ويشدّد المطران علوان على أنّ المحكمة أعطت توجيهاتها الصارمة للمحامين بعدم قبول رشوة، كذلك الأمر بالنسبة للقضاة، بعدما عقدت عدّة اجتماعات معهم وشدّدَت على عدم قبول حتى الهدايا البسيطة. أمّا الذي يشتكي بأنّ الكنيسة تتقاضى كثيراً من الأموال لتبطلَ زواجه فيطلب منه التوجّه إلى مكتبِه في المحكمة لتحديد موعد، علماً أن لا تأخير في تحديد المواعيد لأكثر من يوم أو يومين كحَدّ أقصى.

ويجزم أنّ القاضي الذي يتمّ التأكّد من أنّه «تبرطل» سيكلّفه الأمر في الحد الأدنى وظيفته، أمّا إذا كان للمواطن شكوى على قاضٍ معيّن فلا يشهِّرَنّ بالمحكمة والمؤسسة وقضاتها، وهي المؤتمَنة على نحو 700 ملف.

تدريب محامين للمرافعة في أصول المحاكمات الكنَسية

جديد إجراءات المحكمة الروحية أيضاً اتّفاق مع نقابة المحامين لإجراء دورة للمحامين لتلقينِهم أصولَ الحقوق الكنَسية فيُسمَح لهم عند ذلك بالمرافعة في المحاكم الروحية، وهذه الدورة في إطار المحادثات اليوم وخلال شباط أو آذار ستبدأ في نقابة المحامين لمدّة 5 أيام، ويومين في المحكمة، يحصل المحامي عند انتهائها على إفادة من النقابة ومن المحكمة المارونية تُمكّنه من المرافعة ، علماً أنّ بعض المحامين الحاليّين غير مضطلعين كفاية بالحقوق الكنَسية، وهي مغايرة لأصول الأحكام المدنية. والمحامي غير المتقِن لأصول المهَل قد يخسر الدعوى إذا لم يكن ضليعاً بالحقوق الكنَسية.

ومن الإجراءات الجديدة أيضاً دورة للشباب والفتيات لتأهيلهم، ليصبحَ هناك داخلَ كلّ أبرشية مكاتب للمصالحة للتّدَخُّل قبل وصول المتنازعَين إلى المحكمة. ويتكوّن هذا المكتب من اختصاصيّين اجتماعيين وروحيين مؤهّلين للعِب دور المصالحة بين الأطراف، فيوفّرون دعوى بطلان إذا نجحوا في مهمتهم. وقد خرّجَت المحكمة الروحية السَنة الماضية 75 شاباً لهذه المهمة، وتهيّئ هذه السنة نحو 50 شخصاً.

إتفاق مع جامعة الحكمة

من الإجراءات المهمة أيضاً اتّفاق مع جامعة الحكمة تهبُ الشباب من خلاله Credit لدخول هذه الدورة، لتشجيع التواصل في الجامعة والـMédiation والمصالحات، الأمر الذي شجّع الشباب، علماً أنّ كلّ هذه التدابير اتّخِذت ليس لإصلاح المحكمة بل للحَدّ من المتشكّين من طول فترة الدعاوى والمتضرّرين من ذلك.

وهناك تحسينات في موضوع التعويضات نتيجة البطلان، كما يتمّ تعديل القانون الكنَسي وقانون الأحوال الشخصية، وبدأ بعض القضاة تطبيقَه، فبعدما كان التعويض مخصّصاً فقط للبريء عند الانفصال، ولا يعطى في حالة التساوي في المسبّبات لأنّ الحقّ يكون عليهما معاً، ارتأت المحكمة أنّ الأمر لا يجوز لأنه ليس عدلاً، فالمرأة التي لم تعمل طوال حياتها واكتفَت بتربية العائلة، وبعد الانفصال وحتى لو كانت هي المذنبة لا يمكن «رميُها بالشارع». أمّا الأولاد فيبقون مدى العمر على نفَقة الزوج.

لا تتوقّف العدالة بسبب المال

أمّا الذين لا يملكون المال، فيؤكّد علوان أنّ العدالة لا تتوقّف بسبب المال، مشيراً إلى أنّ الكنيسة تقدّم معونات قضائية تقدَّر بحوالي مليار و200 ألف سَنوياً بعد التحقّق من الملفات التي هي بحاجة إلى الدعم. وهناك 30 % من الملفات أعفِيَ أصحابُها من الأتعاب السنة الفائتة بعد مطالبة المحامين بالمساهمة مع الكنيسة بملف مجّاني سنوياً.