هكذا عرفت باغتيال الحريري… ومحققو ميليس حقّقوا معي مرتين
كانت تجربة وزير الداخلية السابق العميد محمد فهمي في الحكومة قصيرة ولكنّ تجربته العسكرية كانت أطول. 17 عاماً أمضاها في مديرية المخابرات وهو يحتفظ بأسرار كثيرة لا يزال يعتبر أنّها ملك المديرية والجيش ولا يروي إلّا القليل منها. عن تجربته في الجيش والحكومة يتحدّث بما يسمح لنفسه أن يكشف عنه. في هذا الجزء الأول من الحديث يتناول مسألة دخوله إلى المدرسة الحربية وخدمته العسكرية ودوره في مديرية المخابرات وكيف كانت علاقته مع المخابرات السورية، وكيف علم باغتيال الرئيس رفيق الحريري وكيف تمّ استدعاؤه إلى التحقيق أمام لجنة التحقيق الدولية وعن رأيه في هذا التحقيق الذي اعتبر أنه غير محترف.
– دخلت المدرسة الحربية في العام 1978 خلال إعادة توحيد الجيش كيف تصف هذه البداية العسكرية؟
+ دخلت إلى المدرسة الحربية في 12 حزيران 1978. كنّا تقدمنا بطلبات الإلتحاق بالمباراة الممهِّدة للدخول بعد النجاح في الإمتحانات في العام 1977، ولكن العملية تأخرت خصوصاً بعد اشتباكات ثكنة الفياضية بين الجيشين اللبناني والسوري في شباط 1978 التي تركت انعكاسات سلبية على العلاقة بين البلدين، بينما كانت تتمّ إعادة بناء الجيش وتوحيده بعدما انقسم وتشتّت في الحرب. تخرّجت برتبة ملازم في أول آب 1980. كانت الدورات التي خضعنا لها مكثّفة وأنهيناها خلال عامين وشهر و18 يوماً لأنّ الوضع الأمني لم يكن مستقرّاً، وكانت قيادة الجيش تحتاج إلى تطويع تلامذة ضباط لدفع عملية إعادة بناء المؤسسة العسكرية والخروج من تأثيرات الحرب. كانت عملية الدخول إلى المدرسة الحربية تحتاج إلى جرأة في تلك المرحلة ولكنّني لم أخف ولم أتردّد. أنا الصبي الوحيد في العائلة لكن هذا الأمر لم يكن عائقاً فقد تجاوزته ودخلت عن قناعة. كان خياراً لم أندم عليه أبداً. خضعت لدورات عدة في الولايات المتحدة الأميركية وخدمت في أفواج وألوية مقاتلة وأُصبت أكثر من مرة.
– أين خدمت؟
+ خدمت في فوج الدفاع الثالث وفي اللواء الثامن والفوج المجوقل…
– ولكن عاد وانقسم الجيش
+ للأسف حصل ذلك بعد 6 شباط 1984. بعد هذا الإنقسام تسلّمت قيادة الكتيبة 87 التي ضمّت الجنود المسلمين الذين انتقلوا إلى المناطق الغربية وكانت تابعة لقيادة اللواء السادس، ولكن العلاقة ظلّت قائمة مع القيادة.
– أين خدمت بعد عام 1990؟
+ تمّ تشكيلي إلى فرع الأمن العسكري في مديرية المخابرات وبقيت حتى العام 2007 ونُقِلت بعدها إلى المكتب الوطني لنزع الألغام، والفترة التي أمضيتها في المديرية تبقى ملك المخابرات. كنت برتبة نقيب عندما تمّ نقلي وتدرّجت حتى صرت رئيس الفرع وعملت مع العميد توفيق جلبوط والعميد ميشال الرحباني والعقيد جميل السيد ومع العميد ريمون عازار، وعيِّنت قائداً لمنطقة جبل لبنان العسكرية قبل أن أتقدّم باستقالتي.
– لماذا استقلت؟
+ تلقّيت عرض عمل من مصرف بلوم بنك وكان مغرياً. قُبِلت استقالتي وانتقلت إلى العمل الجديد كمستشار للأمن والسلامة في البنك.
أهمّ مدير مخابرات
– من كان أهم مدير مخابرات بين الذين عملت معهم؟
+ لا أسمح لنفسي بتقييم من كانوا رؤسائي. كلهم كانوا ممتازين.
– المرحلة التي عملت فيها في المخابرات كانت في ظلّ عهد الوصاية السورية
+ هذا صحيح. مديرية المخابرات يتعلّق عملها بواقع الدولة الأمني والسياسي. مع العميدين الرحباني وعازار كانت هناك سلطة سورية حاكمة وكانت سوريا تستفيد من هذه السلطة للتقرير في الأوضاع السياسية اللبنانية. على مستوى مديرية المخابرات كنا نضع السياسة الخاصة بقيادة الجيش وبالسلطة السياسية وكانت المديرية في قلب الحركة والواجهة وخصوصاً في الأمن العسكري.
– هل كان هناك اختلاف بين قيادة الجيش ومديرية المخابرات؟
+ لم يكن هناك اختلاف. كانت المديرية العين الساهرة للقيادة.
– من كان أهم في المديرية العقيد جميل السيد نائب المدير أم المدير العميد ميشال الرحباني؟
+ كان العقيد جميل السيد.
– لماذا؟
+ بحكم علاقاته المتشعِّبة مع القوى السورية الفاعلة ولذلك كان في الواجهة. شخصية العميد رحباني كانت قوية ولكن الواقع الذي كان جميل السيد موجوداً فيه جعله في الواجهة لأن علاقاته كانت أقوى من علاقات العميد رحباني.
كيف كانت علاقتك مع السيد؟
+ ممتازة.
– اختلفت معه بعد دخولك الوزارة؟
+ أبداً. حصل سوء تفاهم.
من اختارك وزيراً؟
– هو اختارك لتكون وزيراً؟
+ من اختارني لأكون وزيراً هو رئيس الحكومة الذي كان مكلفاً الدكتور حسان دياب. نفيت أن يكون اللواء السيد هو الذي اختارني بعد تصريح له بهذا الشأن. الرئيس دياب أجرى مقابلات مع ضباط سنّة متقاعدين وكنت من بينهم واختارني في نهاية الأمر.
– بحكم عملك في مديرية المخابرات كنت على تماس مع المخابرات السورية؟
+ طبعاً. ولكن كنت أتصرف على أساس العلاقة من الندّ إلى الندّ. بعد تعييني رئيساً لفرع الأمن العسكري، كان لدي موعد مع العقيد وقتها رستم غزالة في المخابرات السورية في بيروت. كان الموعد يوم الإثنين الساعة السادسة مساء. كان ذلك أوائل العام 1998 ولا أتذكر التاريخ بالضبط. اتصل بي مدير المخابرات العميد ريمون عازار وأخبرني أن لدي موعداً مع العقيد غزالة وقال لي بدّك تتعرّف عليه. قلت له أين وأي ساعة؟ قال في بيروت، وحدّد لي الوقت. وصلت إلى مقر المخابرات السورية في بيروت الساعة السادسة إلا خمس دقائق استقبلني ضابط وقدموا لي الشاي. بعد عشر دقائق لم يكن قد حضر غزالة فقمت وغادرت لأنه تأخّر. كنت برتبة مقدم واعتبرت أنّني أمثِّل معنويات الجيش والمؤسسة العسكرية ككلّ. ولكن قامت القيامة عليّ. شو عملت؟ تلقّيت اتصالات تستفسر عما حصل. شرحت الوضع. قلت لمن اتصل بي أنّني نزلت إلى الموعد بصفتي المقدم محمد فهمي وليس لأنني محمد فهمي كشخص وأن الأمر يتعلّق بمعنويات الجيش.
– عدت وزرته؟
+ عدت وزرته وكان ينتظرني واعتذر عما حصل في الموعد السابق.
– كان يتصل بكم مباشرة؟
+ كلا. كانت تحصل الإتصالات مع مديرية المخابرات. كنت مكلّفاً من مدير المخابرات بالتواصل وكان قائد الجيش على اطلاع بهذا الأمر وعلى التنسيق الذي كان يحصل مع السوريين.
– كنت الوحيد؟
+ على صعيد قيادة الجيش. كنّا نتابع الإشكالات التي تحصل على الأرض ونعالجها وكنّا نتابع حاجات الجيش من الذخيرة وغيرها.
– تابعتم ملفات أمنية؟
+ طبيعي كانت توجد ملفات أمنية.
– مثلاً؟
+ تبقى ملك الجيش.
مع سمير جعجع
– تعاطيت بموضع «القوات» والدكتور جعجع؟
+ بأمور كنت أُكلَّف بها. على صعيد القيادة كان هناك من يتعاطى بهذا الموضوع.
– اللواء جميل السيد؟
+ طبيعي. كل العالم يعرف ذلك. عندما كان مديراً للمخابرات وبعدما أصبح مديراً للأمن العام.
– تابعت التحقيقات في تفجير كنيسة سيدة النجاة؟
+ كلا.
– قابلت الدكتور جعجع في وزراة الدفاع؟
+ شاهدته من بعيد.
– في التمشاية اليومية؟
+ صحيح. شخصياً لم أقابله. قبل أن أصبح وزيراً للداخلية لم أقابل سياسيين إلا خالي النائب عبد اللطيف الزين.
– تابعت توقيفات «القوات اللبنانية»؟
+أبداً. كنت بفرع الأمن العسكري وأتابع القضايا المتعلِّقة بالجيش. التحقيق كان من مسؤولية فرع التحقيق الذي يمثّل الضابطة العدلية وينسِّق مع النيابات العامة.
– كيف كانت العلاقة مع قائد الجيش العماد ميشال سليمان؟
+ ممتازة. ما كنا نقوم به كان بعلم القيادة. تعليمات قائد الجيش تُبلَّغ إلى مدير المخابرات وهو يُبلِّغ رؤساء الفروع الأمنية وأنا كنت منهم. كان يعطي توجيهات لفروع الأمن القومي والعسكري والفني والتحقيق وللمناطق…
– لماذا استقلت من الجيش؟
+ كانت عليّ ديون مادية ولم يكن راتبي في الجيش يكفيني وتلقّيت عرضاً من بلوم بنك فاستقلت.
– خروجك من المخابرات في العام 2007 كانت له علاقة بخلفيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟
+ أبداً. التغيير في أجهزة المخابرات بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حصل في العام 2005 وأنا تركت في العام 2007 وكنت على علاقة ممتازة سابقاً مع الرئيس رفيق الحريري.
– شاركتم في التحقيق في عملية الإغتيال؟
+ كنت أول من أكد أنّ عملية الإغتيال استهدفت الرئيس رفيق الحريري. كنت في مكتبي في وزارة الدفاع عندما سمعت دويّ الإنفجار. وكان المكتب مطلّاً على كل بيروت. استطعت تحديد مكان الإنفجار من خلال سحابة الدخان التي ارتفعت في الجو. وقدرت أنّها قرب أوتيل الفينيسيا بحكم أنني أعرف المنطقة جيداً. اتصلت بضابط الأمن في أوتيل مونرو التابع للجيش وكان من آل القزي. سألته شو في عندك؟ قال سيدنا الإنفجار حدّنا وكل شي تكسّر. سألته عن الإصابات. قال ما عنّا إصابات. طلبت منه التوجه إلى مكان الإنفجار والتأكد من أنواع سيارات الموكب. توجه وقال هناك سيارات مرسيدس ويوكون وإسعاف وبي أم… عرفت أنه موكب الرئيس رفيق الحريري. كنت أرى هذا الموكب بحكم وجود منزلي قرب قصر الرئيس الحريري في قريطم. اتصلت بمدير المخابرات العميد ريمون عازار وأبلغته بالأمر وكان يقدّم التعزية في إحدى الكنائس.
التحقيق الدوليّ
– هل شاركتم في التحقيق؟
+ كلا. بل حقّقوا معي.
– من؟
+ مثلت أمام التحقيق الدولي كرئيس لفرع الأمن العسكري ولأنني أبلغت العميد عازار. أرادوا أن يعرفوا كيف عرفت.
– أين حقّقوا معك؟ في مقرّ لجنة التحقيق في المونتفردي؟
+ نعم.
– كيف كان التعاطي معك؟
+ لم يكن تحقيقاً مهنياً.
– القاضي ديتليف ميليس هو الذي حقّق معك؟
+ كلا. حقّقت معي قاضية ألمانية كانت تتحدّث باللغة الإنكليزية. وزيادة في الحرص على دقّة التحقيق والترجمة طلبت أن يكون هناك مترجم فأحضروا مترجماً مصرياً أميركياً ولكن طريقة طرح الأسئلة كانت بدائية ومضمونها لم يكن يدلّ على احتراف.
– على ماذا ركزوا معك؟
+ أين خدمت وكيف عرفت ولماذا بلغت مدير المخابرات. كانت أسئلة ضعيفة لا يمكن أن تصل من خلالها إلى معلومات تفيد التحقيق. بعض الأسئلة كان يتعلق بتركيبة الجيش. كانت لديهم معلومات ضعيفة بحيث تستطيع كخبير أن تسيطر على التحقيق، بالإضافة إلى أنني لم يكن باستطاعتي أن أفيد التحقيق لأنني ما كنت أتعاطى إلا في القضايا العسكرية ومع الأجهزة العسكرية «وما رح يطلع مني شي يفيد التحقيق». ولذلك ختموا التحقيق.
– كم من الوقت بقيت؟
+ في أول تحقيق بقيت نحو ساعتين. الثاني استمر ساعة وربع تقريباً. قلت في النهاية للمحققة بكل تهذيب واحترام «عم تضيّعي» وقتك معي.
– كنت تقابل غير رستم غزالة؟
+ كنت أقابل ضباطاً تابعين له. حصلت إشكالات بيننا ووضعت لهم حدوداً. طلبت أن يراجعوه وهو يتواصل معي وكان صار في عنجر مسؤولاً عن المخابرات السورية في لبنان.
– بقيت على علاقة معه؟
+ طبيعي بحكم ما تمليه علي وظيفتي العسكرية والأمنية.
– تعاطيت مع اللواء غازي كنعان؟
+ كلا. لم تكن هناك علاقة لا شخصية ولا عملية.
– ما الفرق بينه وبين رستم غزالة؟
+ كنعان جدي أكثر و»جنتلمان» أكثر. رستم غزالة لم يكن كذلك. لم يعط موقعه الهيبة اللازمة.
– كيف تلقيت خبر تعيينك وزيراً للداخلية؟
+ كنت أمارس الرياضة وعدت إلى البيت وكان الوقت صباحاً عندما تلقّيت اتصالاً هاتفياً وسألني الشخص المتصل: العميد فهمي؟ قلت نعم. قال دولة الرئيس حسان دياب بدّو يشوفك. قلت أي متى؟ قال يوم الثلاثاء. وحدّد لي الوقت. كان أول موعد الساعة 3 ونص. ذهبت إلى الموعد وحصل اللقاء الأول. ثم حصل لقاء آخر بعد نحو أسبوعين.
يتبع:
القاضي بيطار حقق معي وهو ذكي ومحترف
قائد الجيش ضابط مغوار
وأتمنى أن يكون رئيساً
(السبت 10 كانون الأول 2022)