مع استمرار التخبّط في مأزق سياسي حاد، لا تنافسه سوى الأزمة الاقتصادية، تتزايد المخاوف لدى البعض من أحداث أمنية في الوقت الضائع، فهل هذه المخاوف مشروعة، لا سيما بعد توقيف داعشي سوري كان يخطط لتنفيذ اعتداء إرهابي في الجميزة؟
تشكّل مراحل الاضطراب السياسي والاقتصادي عموماً فرصة ملائمة او بيئة مناسبة لتوجيه الرسائل الأمنية وتصفية الحسابات خلف غبار الازمات المستفحلة ودخان الحرائق المندلعة هنا وهناك.
وبهذا المعنى، فإنّ حالة انعدام الوزن التي تسود لبنان حالياً على مستويات عدة، قد تحفّز «أصحاب السوابق» على الاستثمار في الانهيار والاستفادة منه لتوجيه ضربات موضعية بهدف زرع الفتنة او إشاعة الفوضى.
ووسط الانكشاف السياسي وتصدّع الدولة، كما هو الواقع اللبناني الراهن، تشتد الضغوط على الأجهزة الأمنية التي تجد نفسها موزّعة على «جبهات» عدة، ومضطرّة الى مواجهة تحديات أصعب، علماً انّ هناك معادلة معروفة في لبنان وهي انّ الأمن السياسي يبقى ركيزة أي «حماية مستدامة»، ومن دونه فإنّ خاصرة البلد تكون رخوة وهشّة.
لقد عكست حادثتان سُجّلتا أخيراً حساسية الظرف الحالي وما ينطوي عليه من تهديد أمني، الأولى هي جريمة كفتون التي ارتكبتها مجموعة من المسلحين، والثانية تمثّلت في نجاح «شعبة المعلومات» في إلقاء القبض على إرهابي داعشي كان في صدد التلطّي خلف مشاركته في رفع الانقاض من الجميزة مقابل بدل مالي، لاستهداف عناصر من الجيش وقوى الأمن.
ولكن، ما هي دلالات هاتين الواقعتين، والى أيّ حَد تبدو الأجهزة مستعدة لمحاكاة كل الاحتمالات والفرضيات مستقبلاً؟
يقول وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي لـ»الجمهورية»: كَوني وزيراً في حكومة تصريف أعمال لا يعني انّ الأمن في موضع تصريف الأعمال أيضاً، بل العكس هو الصحيح، مشيراً الى انّ الاجهزة الأمنية كانت، ولا تزال، في أعلى جهوزية لمنع أي عبث بالاستقرار.
ويشدّد فهمي على أنّ العمل الامني الاحترافي منفصل عن تعقيدات الواقع السياسي وأزماته، وبالتالي فإنّ الأجهزة غير معنية بالنزاعات الداخلية واستقالة الحكومة والتجاذبات حول التكليف وطبيعة الحكومة المقبلة، لافتاً الى أنها تتفرّغ لتأدية مهامها وتحمّل مسؤولياتها بأفضل طريقة ممكنة في هذه المرحلة الحساسة بمعزل عما يدور حولها، من دون إغفال أهمية تحصين الأمن السياسي لأنه يؤدي الى تعزيز المناعة الوطنية في مواجهة المخاطر والتحديات، واستطراداً يخفّف الاعباء المُلقاة على عاتق الأجهزة.
ويوضح فهمي انّ بعض العناصر الداعشية والخلايا النائمة ربما تحاول الاستفادة من مرحلة انعدام الوزن التي يمر فيها لبنان حالياً لمعاودة نشاطها الإرهابي، وعلينا ان نتحسّب لمثل هذا السيناريو من زاوية الأمن الوقائي، مضيفاً: بالتأكيد سنكون لهم بالمرصاد ولن نقبل بأن يعيدوا لبنان الى الوراء، وما نجاح شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي قبل أيام في توقيف داعشي كان يخطّط لتنفيذ اعتداء ضد الجيش والقوى الامنية في منطقة الجميزة سوى دليل إضافي على الجهوزية العالية لهذه الشعبة ولكل الأجهزة من أجل إحباط محاولات تهديد الاستقرار الداخلي.
ويوضح فهمي انه سبق له ان حذّر قبل فترة من احتمال استئناف بعض الدواعش تحرّكهم في لبنان، «الّا انّ هناك من استخَفّ بالأمر ولم يأخذه على محمل الجد، في وقت كانت الأجهزة الأمنية تتعاطى مع هذا الاحتمال بكل مسؤولية وجدية، بحيث كثّفت الرصد المطلوب وحرصت على إبقاء عيونها مفتوحة لتخفيض منسوب المخاطر قدر الإمكان».
ويعتبر فهمي انّ توقيف الإرهابي في الجميزة قبل تمكّنه من تنفيذ الهجوم الذي كان يخطّط له يُبيّن نجاح الأجهزة الأمنية في تطبيق سياسة الأمن الاستباقي الى حد كبير، مشدداً على أهمية هذه الاستراتيجية لحماية لبنان.
وضمن سياق متصل، يكشف فهمي انّ التحقيقات أظهرت بأنّ مرتكبي جريمة كفتون «ليسوا مجرمين عاديين بل هم من الإرهابيين وهذا أمر أصبح محسوماً، غير انه لم تتضِح بالكامل بعد طبيعة المهمة التي كانوا في صدد تنفيذها»، مؤكداً انّ العمل مستمر للقبض على جميع عناصر المجموعة الارهابية.
ويدعو فهمي المكونات السياسية الى الترفّع عن المهاترات التقليدية والخلافات العبثية، «لأن لا الوضع الامني ولا الوضع الاقتصادي يتحمّلان مثل هذا الترف».