يُلهمنا تصريح الحاج محمد رعد “التاريخي” عن استحالة حكم أكثرية تنتجها الانتخابات لنبدأ القول، إنه يحقّ لأي لبنانيّ مقيم أو “منتشر” التساؤل مجدداً عن جدوى التسجيل والاقتراع والأمل بالانتصار. تجارب 2005 و2009 حبلى بالدروس. ربحت “14 آذار” عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري فمُنِعت من ممارسة السلطة كأكثرية، فكان ما كان من “7 أيار” و”اتفاق دوحةٍ” اقتلع ما تبقى من روح “الطائف” مكرّساً بدعة “الديموقراطية التوافقية”. وكرّرت “14 آذار” فوزها بعد أربعة أعوام فكانت “القمصان السود” وحكومة الرئيس ميقاتي التي ابتدعت شعار “النأي بالنفس”، ودخل في ظلها “حزب الله” الحرب السورية وتكرّس لاعباً اقليمياً من القصير حتى مأرب وحدود نجران.
تصريح رئيس كتلة “حزب الله” عن نيات فريقه صادق بلا التباس. نحن لا نعيش في ظلّ نظامٍ متماسك أو دولة تضمن تداول السلطة والاختلاف. نحنُ في “شبه دولة”، تحت خيمة نظامٍ إقتلعت منظومة الفساد أوتادها محولةً المواطنين فقراء أو ضحايا “نيترات” أو حالمين بتأشيرةٍ على أبواب السفارات. هي منظومة استولت منذ ثلاثين عاماً على المؤسسات الشرعية بالقوة والتعطيل والولاء للخارج فنُهبت المقدرات والودائع وضاعت السيادة وباتت الحدود مستباحة. لا عجب اذاً في أن نشهد انفراط البلد بين يديها وعجزها عن لملمته وتحوّل سلطتها فيه الى ما يشبه احتلالاً قائماً على العسف وتدمير مقوّمات الدولة بأسرها وآخرها القضاء.
كان أفضل حتماً لو تمكنت ثورة 17 تشرين من تقصير عذابات اللبنانيين بإطاحة التركيبة وجرّ المرتكبين الى المحاكمات، وإقامة “سلطة انتقالية” ترسي دولة القانون وتخرج اللبنانيين من الحفرة، لكن “ما كل ما يتمنى المرء…”. ولا يجوز هنا المبالغة في “جلد الذات”، فلنعترف برسوخ المنظومة وكفاءتها في ممارسة العنف منعاً للتغيير والحؤول دون عودة لبنان الى أهله وحضنه العربي والدولي.
خلاصة الأمر انّ الانتخابات هي الخيار الأول المتاح والفرصة المتوجبة الاقتناص، ليس لأن الظروف تتغيّر ولا يمكن السباحة بمياه النهر نفسها مرتين فحسب، بل خصوصاً لأنّ اللبنانيين أمام مهمّة وطنية تاريخية لا انتخابية عادية، وقد يتعلّق بنتائجها بقاء الكيان أو سقوطه كلياً في فمِ تنين الهيمنة او الانقسام او الفوضى القاتلة.
“صوتك رصاصة”، كان “حزب الله” يقول لأهل بيئته زمن الاحتلال الاسرائيلي وعقبه. يمكن الاستفادة من روح الشعار بالقول للبناني: “صوتك صرخة حرية وإنقاذ”، فلتكن مدويةً في الصناديق. أما للحاج محمد رعد- الذي يصرّ على أنّ تغيير الأكثرية لن يغيّر شيئاً- فيتوجب القول في المقابل إنّ التجديد للأكثرية الحالية، وإن عبر صناديق الاقتراع، لن يمنحها شرعية على الاطلاق… حقّ اللبنانيين في مقاومة الانهيار واستعادة السيادة وإقامة “دولة القانون” مضمون أيضاً خارج الصندوق وهو غير قابلٍ للتصرّف أو النقاش.