على رغم تأكيدات الأطراف المعنية بالمشاورات الدائرة حول تشكيل الحكومة أن المسألة “حُسمت مبدئياً” لمصلحة الاتفاق على تسمية الوزير السابق محمد الصفدي كرئيس مكلف لتشكيل الحكومة، إلا أن الشكوك وعلامات الاستفهام سيطرت على المشهد الحكومي حول كلمة السر التي أعادت الصفدي إلى السياسة من بوابة التكليف بتشكيل الحكومة، علماً أن كل أجواء التفاؤل بقرب الحسم والتي أكدتها الأطراف المعنية بعملية التأليف لم تحُل دون وجود خيط رفيع من المناورة قد يرجح كفة الرئيس سعد الحريري دون الآخرين. فهل كان المقصود تسمية الصفدي ليواجه برفض الحراك تكليفه لتعود البوصلة إلى الحريري مجدداً؟
ملخص ما شهدته الساعات الأخيرة كان التالي: إقترح الحريري على الوزير السابق جبران باسيل و”الخليلين” مجموعة أسماء “تكنوقراط” وسياسيين، كان من بينها الرئيس تمام سلام والصفدي.
يميل رئيس مجلس النواب نبيه بري لخيار سلام و”حزب الله” يشاركه الأمر. أرسل الحريري يستشير سلام فرفض ليقع الخيار على الصفدي الذي اجتمع مع الحريري، مشترطاً لقبول ترؤس الحكومة موافقة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان و”تيار المستقبل”.
وبعد منتصف ليل أول من أمس اجتمع الصفدي مع “الخليلين” واتفقوا على العناوين العريضة لحكومة تكنو – سياسية شرط توزير شخصيات سياسية غير مستفزة شعبياً.
الصفدي حليف عون
كان الصفدي أول شخصية يستدعيها رئيس الجمهورية ميشال عون. حضر من لندن إلى قصر بعبدا. وقبيل مقابلة عون المتلفزة اجتمع الرجلان مطولاً وخرج الرئيس يقول ما قاله عن “تردّد” الحريري والخيارات المتاحة.
تسابقت مصادر الأطراف لإعلان التوافق على الصفدي، علماً أن كلامها المبطن أشار في طياته إلى وجود قطب مخفية تعزز الشك، بإمكانية أن يسلك التوافق على الصفدي مساره المفترض وصولاً الى مرحلة التكليف الرسمي.
تقول مصادر وزير المال في الحكومة المستقيلة علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله حسين الخليل: “أصرينا على أن يتولى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري رئاسة الحكومة المقبلة، ولا مانع لدينا أن يكون ثلثا الحكومة من التكنوقراط، غير أن الحريري أصرّ على تكليف غيره”، وتحدثت المصادر عن “تعهد الحريري بأن يتمثّل “المستقبل” وأن يسمي الوزراء في الحكومة”.
كلام وصفته مصادر “بيت الوسط” بأنه “غير صحيح”، نافيةً أن يكون الحريري “أعطى تعهدات بالمشاركة في الحكومة وتسمية وزراء”، وأكدت أنه “اقترح مجموعة أسماء من بينها الصفدي وغيره”.
وفق رواية “بيت الوسط”: “منذ ما يزيد عن عشرة أيام والمشاورات دائرة ويخوضها الرئيس الحريري تحت عنوان التحدي بحكومة اختصاصيين، أو تسمية غيره لرئاسة الحكومة مع استعداده لدعم من يقترحونه. تمّ التداول بأسماء عدة معظمها لها طابع تكنوقراطي من نواف سلام إلى وليد علم الدين وأسامة بكداش، إضافة إلى شخصيتين سياسيتين هما تمام سلام ومحمد الصفدي”. حظي سلام بالتوافق وحين فاتحه الحريري بالأمر رفض رفضاً قاطعاً وقال “هذا أمر لن أقدم عليه ولا أريد أن يسميني أحد”.
وتكمل المصادر قولها: “كان بإمكانهم أن يختاروا علم الدين ولكن اختيارهم وقع على الصفدي فوجد الحريري أن من واجبه أن يحميه، وعده بأن يسميه ويعطيه الثقة ولكن ليس من الضروري أن يتمثل “المستقبل” في الحكومة المقبلة”.
من وجهة نظر الحريري فإن الثقة للحكومة الجديدة “مرهونة بشكلها”، يعتبر نفسه معنياً “بدعم موقع رئاسة الحكومة والحكومة الجديدة والتي يفترض أن يكون على جدول أعمالها تنفيذ برنامج الخطة الاقتصادية التي سبق وأعلنها”.
في تقدير المصادر نفسها أن المسألة “خلصت”، ويُفترض أن يدعو رئيس الجمهورية إلى استشارات سيسمي خلالها الحريري الصفدي رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة “أللهم إلا إذا أراد البعض العرقلة وتأخير الاستشارات”.
أجندة الحريري مبنية على فكرة أساسية وهي أن “الاستقالة يجب ترجمتها ترجمة دستورية بإجراء استشارات”. كان يفترض أن تلي الاستقالة الدعوة إلى استشارات تؤدي إلى تكليف رئيس حكومة، ولذا وجد الحريري نفسه معنياً بترجمة الاستقالة والانتقال من مرحلة تصريف الاعمال إلى مرحلة حكومة دستورية حقيقية تتولى إدارة الأزمة. إذ لا يمكن له أن يستمر ممسكاً بالبلد من خلال حكومة تصريف أعمال، لا سيما في ظل الغليان الذي نشهده وهو أبلغ الطرف الآخر بضرورة الخروج من حالة تصريف الأعمال إلى حالة جدية”.
ولكن ماذا لو رفض الشارع تسمية الصفدي وهذا ما هو حاصل بالفعل؟ تجيب المصادر: “كان يمكن أن يرفض تسمية الحريري أيضاً والأوضاع لا يمكن أن تبقى جامدة عند نقطة محددة، وهناك إضافة إلى رأي الشارع ورأي القوى السياسية، الوضع الاقتصادي ومصلحة البلد والمجتمع الدولي، كلها عوامل يجب أن تؤخذ في الاعتبار، فضلاً عن أن الحراك الشعبي لم يسمّ أي شخصية لرئاسة الحكومة”.
وفق ما هو واضح يبدو وكأن الامور ليست ايجابية بين أطراف المشاورات أو أنها انتهت على زعل مبطّن، وهذا ما تؤشر إليه أجواء غالبية الأطراف، حيث يخفي كلامها المعلن وجود قطبة مخفية وكأن خلف الأكمة ما هو غير واضح بعد.
تتجنب مصادر “بيت الوسط” توصيف “الزعل”، لتقول: “للحريري هدف استراتيجي، في ظل الوضع الراهن لا يريد تشكيل حكومة تسبب مشكلة للبلد ولا هو خرج من الحكومة ليتسبب بأزمة، كانت له مواصفاته للحكومة التي أرادها، حكومة من اختصاصيين وخبراء فرفضوها فرفض في المقابل أن يكون رئيساً للحكومة”.
الرؤساء السابقون
وعلى خط المشاورات حضر رؤساء الحكومة السابقون. دعاهم الحريري للقاء عقد في “بيت الوسط” حضره فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، ووضعهم في أجواء المشاورات لكن من دون الدخول في التفاصيل، حتى أنهم لم يطرحوا مسألة القبول بالصفدي من عدمه لأن اسم الصفدي، وفق المصادر، “لم يطرح من الأساس”، كل ما حصل أن الحريري عرض على الرؤساء السابقين مسألة التسمية ورفض أي منهم الترشح للمنصب.
غير أن بياناً صدر عنهم أمس، جاء فيه: “نؤكد موقفنا الأساسي بإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة وإننا نرى، في ضوء الأوضاع الراهنة، أن على القوى السياسية كافة تسهيل مهمته في ذلك”، ما يعني ضمناً أن الحريري لا يزال المرشح الأساسي للطائفة السنية، خصوصاً أن موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان قد لا يخرج عن إجماع الرؤساء السنّة الثلاثة، ويعني الإصرار على الحريري ضمناً ومعارضة تكليف الصفدي. علماً أن مصادر المجتمعين رفضت هذا الاعتبار وقالت إنّ “الصفدي لم يكلف رسمياً بعد كي يصار إلى تأييد تكليفه والحريري هو المرشح من قبلنا منذ البداية وخياره يتقدم على غيره من الخيارات، ولكن إذا سُئل الحريري واختار الصفدي فهذا شأنه ولن يتدخلوا به، لكن من ناحيتهم فالحريري هو زعيم السنّة ويجب أن يكون رئيساً للحكومة على أن يتمّ تسهيل مهمته”.
ولكن هل يعني كل ما تقدم أنّ الأمور حُسمت نهائياً؟ مبدئياً لا يرى “حزب الله” أن ثمة عقبات قد تعترض طريق الصفدي إلى رئاسة الحكومة، غير أن مصادر متابعة عن قرب أصرّت على اعتبار أن في الأمر مناورة ما، قد تعيدنا إلى مربع خيار الحريري دون غيره.