لا تسأل اذا كانت دبي ستصبح يوماً ما سويسرا الشرق، لقد اصبحت بالفعل كذلك وقدمت مزيجاً رائعاً بين سويسرا «النظام والامن والأمان»، وهونغ كونغ «المال والأعمال»، ونيويورك «ناطحات السحاب».
في الاسبوعين الماضيين تعمدت السفر الى دبي بعيداً عن ضجيج الانتخابات البلدية والاختيارية كوني لم استطع «هضم» اجراء انتخابات بلدية واختيارية في لبنان في غياب رئيس للبلاد وكانهم يقولون ان «البلد ماشي» مع ومن دون رئيس للجمهورية، وكذلك بسبب اعتراضي على الطريقة التي تعاطت فيها الاحزاب والسياسيون في موضوع الانتخابات الاختيارية في الدائرة الاولى من بيروت والتي ولدت غضبا شعبيا كبيرا ادى الى مقاطعة عدد كبير من ابناء مناطق الدائرة الاولى لهذه الانتخابات، كون الانتخابات الاختيارية هي انتخابات عائلية وخدماتية وليست انتخابات سياسية.
اقبلت دبي على الحداثة والتطوير بشغف ونهم وبايقاع سريع يفوق كل التوقعات، تدهشك وتبهرك هذه الامارة العصرية والحديثة بكل شيء فيها: الأبنية، الشوارع، الشواطئ، المراكز التجارية، النظافة على الطرقات العامة وفي الشوارع، الامن والامان، سرعة الخدمات والمعاملات الحكومية والتسهيلات التي تقدمها لمواطنيها كما للاجانب المقيمين على ارضها والعاملين فيها، وتخطفك الى عالمها الخاص كونها لا تشبه اي مدينة اخرى، وجهها يتغير حتى على من يزورها دوريا بشكل مذهل كل شهر لا بل كل اسبوع وكل يوم ودائماً نحو الأفضل والأجمل والاحدث، حتى انها سبقت في حداثتها وتطورّها كل مدن العالم.
كل ذلك التطور يحصل استناداً الى خطط عملية ومنهجية علمية وجدولة زمنية ورؤية ثاقبة لنائب رئيس دولة الامارات المتحدة وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه الشخصية الفريدة في عالمنا العربي التي كرست جهودها للارتقاء بالدولة والمجتمع والنهوض بهما في اطار رؤية مستقبلية حافظت على الهوية والتقاليد الموروثة من جهة والانفتاح على الحضارة والعصرنة من جهة ثانية.
مع الشيخ محمد بن راشد لا مكان للإرتجال والقرارات العشوائية والخطب الشعبوية، كل شيء منظّم في مكانه وفي زمانه، فهو اذا حدث صدق، واذا وعد وفى، واذا اؤتمن ادى الامانة.
تتميز شخصية حاكم دبي الشيخ محمد في قدرته على مخاطبة الشباب بروح عصرهم ولغتهم وفتح الآفاق لهم ومحاوراتهم وتقديم نماذج متطورة وعصرية للتنمية يستطيعون التفاعل معها وتجعلهم قوة فاعلة في بلدهم.
يعتبر الشيخ محمد انه عندما تتوافر للناس كل اسباب الراحة والرفاهية والمستوى المعيشي الكريم تكون قد تحققت العدالة الإجتماعية وجرت صيانة الكرامة الإنسانية، وهذه هي الغايات القصوى والسامية للديموقراطية الحقيقية، والتي تعني في السياسة ان الحكام يمثلون شعبهم وتطلعاته وطموحاته ويعملون على تأمين الأفضل له، من هنا فان المسؤولين في دبي وعلى رأسهم الشيخ محمد بن راشد يعملون بكل تصميم وعزم على تقدم المجتمع ورفاهية افراده وقطعوا في هذا المجال اشواطاً متقدمة وبعيدة.
في دبي حرية بهوامش واسعة جداً وفي نطاق الحرية المسؤولة والمنظمة، كل من يعيش في دبي يشعر انه يمارس حريته في كل ابعادها، حرية الرأي والمعتقد، حرية الحياة الخاصة، ولكنها الحرية التي تنظمها وتضبطها وترعاها القوانين والأنظمة التي تُحترم جداً في هذا البلد ويجري الإلتزام بها وتطبيقها بحذافيرها من دون زيادة او نقصان، ومن دون اجتهاد وتفسير يخدم مصالح ونفوذاً.
من مِن الدول العربية او الاوروبية بادرت الى استحداث وزارة السعادة الا دولة الإمارات؟ وهل سمعنا في دولة عربية ان هناك برنامجاً وطنياً للتحفيز على القراءة وان هناك اجراءات تشريعية لإصدار «قانون القراءة» لترسيخ القراءة في الأجيال الجديدة؟ وهل يتوافر في اي مكان في العالم هذا التنّوع البشري والسكاني الذي نشهده في دبي؟
لقد غدت دبي مركزاً وملاذاً لكل الباحثين عن عمل وحياة افضل، وتحولت الى مجتمع لكل الناس من كل اصقاع الأرض دون تفريق وتمييز ديني او عرقي او إتني. وهذا ما ادى بهذه المدينة الإماراتية الساحرة ان تكون عملياً مدينة عابرة للقارات و»عاصمة دولية» ومركزاً لتلاقي وتفاعل الثقافات والحضارات، ونموذجاً عصرياً لسياسة الإنفتاح والإعتدال والحوار.
انه لأمر مؤسف ان نشهد هذا التفاوت الكبير والمريع بين ما وصلت اليه دبي، وما هي عليه اوضاع بعض المدن والعواصم العربية التي تعيش تصحّراً في كل المجالات وتقبع في نفق مظلم ومعاناة قاسية ونزف بشري واقتصادي.
ليت القادة والمسؤولين في العالم العربي يتشبهون بالشيخ محمد بن راشد صاحب الرؤية الثاقبة والبعيدة والذي يحب بلده وشعبه ويطمح الى ان يصبح بلده درة الشرق او سويسرا الشرق.
دبي هذه الإمارة المتوقّدة نشاطاً وحيوية وازدهاراً يجب ان تكون نموذجاً ومثالاً في هذا العالم العربي مثالاً في الإرتقاء بالدولة والمجتمع الى مستويات راقية تضاهي اكثر الدول والمجتمعات تطوراً.
إذا توافرت الإرادة والرؤية وحب الوطن وانعقد العزم، لا شيء مستحيل ولا شيء يحول دون بلوغ وضع افضل ومستقبل افضل. ولا ابالغ اذا قلت ان دبي اعادت إحياء الشخصية العربية والثقة العربية. ثقة العرب بأنفسهم وبأنهم قادرون على التطور والتقدم والإبتكار والإبداع واللحاق بركب العصر. ثقة الشعب العربي بحكامه اذا اقلعوا فعلاً عن الفساد والتسلّط وتحلوا بروح المبادرة والمسؤولية وثقة الشعب العربي بنفسه اذا ما توافرت له امكانات وظروف التغيير والتطوير والإصلاح.
ما يحزّ في نفسي اكثر عندما أستحضر وانا في دبي، ما آل اليه وضعنا في لبنان وعندما تتراءى امامي هذه الهوة الواسعة والسحيقة بين بيروت ودبي.
بيروت التي تعاني من غياب الدولة، وتعاني من فراغ مؤسساتي وخدماتي، وغياب ابسط مظاهر الدولة وما يُعتبر من البديهيات، بيروت التي جرى تشويه وجهها وسمعتها، وجهها الجميل التي لم تبشّعه قباحة الحرب، وسمعتها الطيبة التي لم تلوثها النفايات التي تراكمت في شوارع العاصمة ومعظم مدننا وقرانا اللبنانية في مشهد يندى له الجبين وتقشعر له الابدان، بيروت التي امتلأ وسطها بصيحات الإحتجاج والحراك الإعتراضي، وتغلغل الفساد في ارجائها ودوائرها واداراتها ومؤسساتها.
بيروت التي لطالمت تغنّينا بها منارة عربية ولؤلؤة على شاطئ المتوسط، تذوي وتُذبل وتُجبر على خفض سقف طموحاتها واحلامها.
بيروت التي لطالما وُصفت بأنها «سويسرا الشرق» تبتعد اكثر فأكثر عن هذا «اللقب» وهذا «الإمتياز»، ولم تعد في موقع القادر على المنافسة وهي تكافح للصمود والبقاء وسط محيط عاصف ومتفجر.
هنيئاً لدبي بحاكمها الذي تربطه بها قصة عشق وغرام وهي التي تربعت بفضل رؤيته البعيدة المدى وحبه لوطنه وشعبه على عرش «الجمال العربي» وتُوجت ملكة العصر والحداثة والتطور، على امل ان يأتينا قريباً حاكماً لوطننا يشبه محمد بن راشد على كل المستويات وان يأتينا مسؤولون ووزراء ونواب يبدون مصلحة وطنهم على مصالحهم الخاصة والشخصية .