عندما يتحدث الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، عن إيران وأفعالها، فإنه لا يتحدث بصفته رجل دولة فحسب، وإنما رجل قانون من الطراز الأول، وقيادي مُتمكنٍ يحملُ إرثاً جليلاً وكبيراً من الحكمة والحصافة السياسية السعودية، التي اتصفت بالنزاهة والاحترام والوضوح، على مدى عقود مضت من عمر الدولة السعودية المديد بإذن الله.
تحدّث كعادته، بوضوح، لأنه يعرف تماماً أن دستور إيران، في حد ذاته، متى ما تزامنت مع نصوص مواده أعمال فعلية لدعم ونشر الثورة، كما هي الحال بالنسبة للنظام الإيراني، يُمثِّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، لأنه إعلانٌ رسمي مكتوبٌ عن نية الدولة نفسها، وليس نية فردٍ أو جماعة فيها، تصدير ثورتها إلى دولٍ أخرى!
ومن المعروف أن الإعلانات الثورية، التي تُدعم على أرض الواقع من الدولة الداعمة للثورات، والتي تحث الأشخاص أو الجماعات على الإطاحة بحكومة دولة ما، أو تبنّي دستور مختلف، تُعد مُخالفة بشكلٍ صريح لنصوص ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، الذي سآتي على ذكر بعض فقراته في السطور المقبلة.
ولكن خطأ وجريرة مثل هذه الإعلانات تتعاظم لتُصبح جرائم دولية عندما ترتبط بأعمال فعلية تُجسّد التدخل في الحقوق السيادية لدولة ما. ويدخل في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، تكوين الميليشيات الإرهابية وتنظيمها ودعمها بشكلٍ كاملٍ ومُستمر، وكأنها إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني سيئ الذكر، وتجنيد وتمويل وتسليح الأفراد والجماعات، ودعمهم وتوجيههم وتدريبهم، بحيث يُصبحون قادرين على ارتكاب الأفعال الإرهابية التي من شأنها الإخلال بأمن بلدٍ ما، وانتهاك سيادته، لغرض تحقيق أهداف وتوجهات الدولة المُحرِّضة وفرض أفكارها، ولست في حاجة لأن أُبيّن للقارئ أن هذه الجرائم هي مما برع وبرز فيه النظام الإيراني، منذ قيام حكم ولاية الفقيه فيها عام 1979.
ولو نظرنا إلى ما فعلته إيران في العراق منذ عام 2003، وما حل بهذا البلد العظيم جراء جرائم إيران التفكيكية والتشرذمية، وإلى انتفاضة الشعب العراقي الكريم، في الآونة الأخيرة، ضد الجرائم والدسائس الإيرانية… ولو نظرنا إلى ما حل باليمن، جراء تدخّل إيران ودعمها لعصابات الحوثيين الانقلابية، الذين عاثوا في الأرض فساداً وأهلكوا الحرث والنسل، في توجُّهٍ واضحٍ لإنفاذ رغبات طهران.. ولو نظرنا إلى ما حل بسوريا، وإلى الدعم الذي تُقدمه إيران إلى نظام بشار الأسد، الذي لم يتردد لحظة في قتل شعبه وتخريب موارد بلاده، وإلى ما يُمثله هذا الدعم من غطاء لمساعي إيران لنشر مذهبها.
ولو نظرنا إلى حال الشلل السياسي، واستلاب الإرادة السياسية الحقيقة، التي وصل إليها لبنان جراء ما يتلقاه «حزب الله»، هناك، من دعمٍ مالي وإسنادي وتدريبي من إيران، مع إعلان قادته، بكل تعالٍ على التشريعات الوطنية والدولية، أنهم أتباع لولاية الفقيه، وأنها مُقدَّمة على الدستور اللبناني، وأن رواتبهم ومُخصصاتهم إنما تأتي من إيران.
ولو نظرنا إلى ما حدث ويحدُث في مملكة البحرين من تعدٍّ على الأرواح والممتلكات، وإرهاب للآمنين، وزعزعة للأمن، مما يثبُت في كل مرة أن إيران وراءه قلباً وقالباً.
هذا فضلاً عما ارتكبته إيران، منذ انطلاق ثورتها المشؤومة، من أفعالٍ عدائية خارجة على القانون الدولي والأعراف الدولية والإنسانية، ومُنتهكة لكل قواعد حُسن الجوار مثل احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث؛ أبو موسى وطُنب الكبرى وطُنب الصغرى.
لو نظرنا إلى كل هذا، وغيره، لتأكد لنا، ولكل من يحترم التشريعات الوطنية في كل بلد، والقوانين الدولية التي تربط دول العالم، أن الأمير محمد بن سلمان لا يتحدث من مُنطلقٍ وطني أو إقليمي فحسب، وإن كان له كل الحق في هذا، وإنما يتحدث بلسان رجل القانون الذي يعرف تماماً أن ما تقوم به إيران كدولة يعد انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول، ولتشريعاتها الوطنية، وللقانون الدولي نصاً وروحاً، وأن تصدير الثورة، الذي تتولاه إيران هو، بلا جدال، من أنواع الإرهاب التي تترتب عليها مسؤوليات جنائية، وطنية ودولية.
ولتأكيد ما أقوله، وما ذكره الأمير من تعدي إيران على القانون الدولي وارتكابها جرائم دولية تستحق أن تُحاسب عليها، أسرد هنا، كما ذكرت آنفاً، أمثلة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وهو الميثاق الذي ارتضته دول العالم المُحترمة ذات السيادة، ليكون الإطار الذي تُمارس فيه علاقاتها في مُناخٍ يتميز بالعلاقات الإنسانية الطيبة، والاحترام المتبادل لسيادة الدول، والسعي إلى حل الخلافات بالحوار البناء الإيجابي، وعدم اللجوء إلى القوة حتى في نشر الأفكار والمُعتقدات. وأكتفي هنا بنقل نصوص بعض فقرات المادتين الأولى والثانية من الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة التي جاء فيها:
«المادة (1). مقاصد الأمم المتحدة هي:
- حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب…
- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية، ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً…
- جعل هذه الهيئة مرجعاً لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
المادة (2)
تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقا للمبادئ الآتية:
- تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.
- لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات…
- يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
- يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد (الأمم المتحدة)».
أما فيما يتعلق بالإرهاب الذي يُعرّف، بشكلٍ عام، وكما رأت المحكمة الجنائية الدولية، بأنه استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظم للمدنيين، أو تهديدهم به، لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الأبرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الاستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للإذعان لأهداف سياسية، ولا شك أنه يُمكن أن يُضاف إلى كل ما ذُكر السعي لفرض توجهٍ فكري أو ديني أو اجتماعي بالقوة، فإن الأمم المتحدة، إدراكاً منها لما ينطوي عليه الإرهاب من مخالفة صريحة لمبادئ ومقاصد ميثاقها، وإخلال بقواعد الأمن والسلم الدوليين، قد دعت، في اعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على ارهاب الدولي، المرفق بقرارها رقم 60/ 49 الصادر في 9 ديسمبر (كانون الأول) 1994م، أعضاء المنظمة، والوكات المتخصصة ذات الصلة، والمنظمات الحكومية الدولية، والهيئات اخرى ذات الصلة، إلى بذل كل جهد بغية تعزيز تدابير مكافحة وإزالة أعمال الإرهاب، وتعزيز دورها في هذا المجال. وفي هذا، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، حتى الآن، الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل (عام 1997)، واتفاقية قمع تمويل الإرهاب (عام 1999)، والاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي (عام 2005).
وعلى هذا، فإنني لا أعتقد أن القارئ بحاجة إلى بذل كبير جهدٍ، ليتأكد من أن الإعلان الذي ينطوي عليه الدستور الإيراني، والذي يدعو إلى تصدير الثورة ونظام الحكم والفكر، ويُحرّض على التدخل في شؤون دولٍ ذات سيادة، الذي تتبناه إيران، إنما هو انتهاكٌ صارخٌ وصريحٌ للقانون الدولي. كما أن قيام طُغمة إيران الحاكمة بتصدير ثورتها بالقول والفعل الإجرامي، إن مباشرة أو غير مباشرة في الدول المُختلفة، وبأساليب أهلكت الأنفس والأموال، وبثت الرعب لهي أفعالٌ تدخل في عداد الأعمال الإرهابية المتجاوزة للحدود، فضلاً عن أنها تُهدد السلام والأمن الدوليين، وتنتهك مبدأ احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها.
ومثل هذه الأفعال الشائنة، من ناحية قانونية وحقوقية، تتيح للدول المتضررة أن ترفع شكوى، أو شكاوى مُتعددة، إلى محكمة العدل الدولية، لاتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها وإنصافها من الدولة المتسببة في مثل هذه الجرائم.
وهكذا، فإن الأمير محمد بن سلمان، عندما أتى على ذكر إيران وأفعالها إنما كان رجل دولة ورجل قانونٍ، في آنٍ معاً، يتحدث عن دولة اختارت، مع الأسف والأسى الشديدين، أن تكون خارجة على القانون!
– محامٍ دولي