العلاقات الروسية مع دول الخليج العربي مرّت خلال السنوات الماضية بمرحلة توتر، فروسيا لم تراع في دعمها لنظام بشار الأسد خلال السنوات الأربع الماضية حقوق الشعب السوري في الحرية وآماله في نظام سياسي بديل عن نظام آل الأسد الطائفي والمذهبي.
صحيح أن لروسيا مصالح في المنطقة، وقد استطاعت من خلال علاقتها مع إيران والنظام السوري تحقيق بعض مصالحها، ولكن أن تذهب روسيا في علاقاتها مع إيران على حساب حقوق الشعوب العربية، فهذا أمر لم تتقبله الكثير من الدول العربية وفي مقدمها دول الخليج العربية، كما أن روسيا تدرك أن النظام السوري الذي تقدّم له الدعم العسكري الكبير، والحماية السياسية في الإطار الدولي، استخدم ضد شعبه كافة وسائل القتل والتدمير وهي وسائل روسية، وقد زاد من منسوب التوتر خلال السنوات الماضية أن روسيا أصرت على دعمها لنظام ديكتاتوري مارس ضد شعبه من وسائل القتل والقمع ما لم يمارسه أي نظام آخر في العالم، وأن أقل ما كان يمكن أن يقال في «الفيتو» الروسي الذي استخدم أكثر من مرّة لمنع إدانة النظام وأعماله ضد شعبه، بأنه موقف «وقح» تمّ شراؤه على حساب دم وحقوق الشعب السوري.
يسجل لقيادة المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية رغم «وقاحة» الموقف الروسي في ما يخص الأزمة السورية، أنها لم تقطع «شعرة معاوية» مع النظام الروسي، فالتواصل بين القيادتين في موسكو والرياض استمر، فوزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل زار موسكو أكثر من مرّة، وكذلك الأمير بندر بن سلطان، وكذلك زار الرياض أكثر من مبعوث روسي.
واستكملت هذه الجهود بزيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، التي جاءت في ظل مناخات جديدة بدأت تحيط بالأزمة السورية من معالمها: تزايد نفوذ منظمات المعارضة وتحديداً الإسلامية منها، وانحسار نفوذ وسلطة النظام تدريجياً، وفي وقت بدأت تتضح فيه دلائل رغبة روسية في البحث عن مقاربات جديدة لحل الأزمة السورية.
طبعاً الزائر السعودي لموسكو ليس مسؤولاً عادياً، فهو زائر استثنائي لمهمة استثنائية نظراً للمهام المناطة به ولقربه من خادم الحرمين الشريفين ولكونه يُشارك ويقود عمليات مواجهة إقليمية شرسة للحد من تمدد المشروع الإيراني في أكثر من ساحة عربية، والمهمة استثنائية أيضاً إذ توفرت قناعة عربية وخليجية تحديداً لضرورة التعامل مع روسيا بصورة «إيجابية» بهدف تأكيد المصالح المشتركة لروسيا والعرب.
فهناك تشجيع خليجي وكذلك أميركي للتعاطي مع القدرات الروسية كقطب كبير على الساحة الدولية بصورة مختلفة، وصولاً لدور روسي مختلف في الأزمة السورية، خاصة بعد بروز ظواهر تؤكد أن نظام بشار الأسد آيل للسقوط في أي وقت، وأنه من المصلحة السورية والإقليمية والدولية الإسراع بتحريك العملية السياسية، وضرورة قيام روسيا بدور فعّال يُشجّع حلاً يستبعد بشار الأسد، وقوام الحل حكومة معتدلة يُشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري، وهذه القناعة العربية والدولية ومنها الروسية توفرت بعد تزايد قدرات المنظمات الإسلامية المتطرفة، فالحل السياسي وفق جنيف واحد، من الممكن أن يقطع الطريق على انهيار منظومة الجيش السوري وبالتالي على وصول المتطرفين إلى السيطرة على دمشق.
من نتائج التقارب السعودي – الروسي: صدور قرار مجلس الأمن الخاص باليمن بالإجماع وبموافقة روسية واضحة (إمتناع عن التصويت)، وقف شحنات الأسلحة الروسية للنظام السوري، إعادة السفير السعودي إلى موسكو لاستئناف عمله، سحب 100 خبير عسكري روسي من دمشق، اعتذار أو رفض موسكو استقبال ثلاثة أعضاء بارزين من المقربين من الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح وهم ممن شاركوا في مؤتمر جنيف منذ أيام قليلة.
الأمير الشاب عاد من مهمته الاستثنائية من موسكو وفي جعبته «النجاح» في الحصول على تحول إيجابي وكبير في موقف موسكو من أزمات المنطقة، ممهوراً بـ6 إتفاقيات استراتيجية هامة.