شكّل اغتيال الوزير محمد شطح في العام 2013، حدثاً مدوياً ضمن مسلسل الإغتيالات الذي سبق عملية استهدافه، ولأن الشخصية المُستهدفة كانت في ذلك الوقت تُمثّل ما تُمثّل من اهمية كبرى على صعيد رسم مستقبل لبنان وتكريس امنه واستقراره من خلال النأي به عن الصراعات القائمة في المنطقة، كان لا بد من إزاحتها عن واجهة الأحداث بأي طريقة على قاعدة ان لا مكان للمعتدلين في منطقة تملؤها الذئاب بأشكال بشرية وتحكمها قوانين القتل بأبشع الطرق وأفظعها.
قبل فترة طويلة من الإغتيال الذي استهدفه في وسط العاصمة المكان الأحبّ الى قلبه، كان الوزير شطح قد عبَر كل الحواجز الطائفية والمذهبية من خلال دعواته المتلاحقة إلى إعلاء الشأن الوطني على المصالح الضيقة، وإلى تحييد لبنان عن كل ما يحدث حوله من صراعات مذهبية، كان يرى أنها قد تمتد إلى الداخل وسط المشاريع التي كانت وما زالت تُحاك والتي حاول البعض من خلالها، جعل لبنان ساحة دولية للصراع القائم في سوريا، أو صندوق بريد بين دول القرار. لكن شطح لم يكن يُدرك ان مساعيه هذه، سوف تحوله إلى هدف على طريق استكمال الأهداف التي سبقت اليوم المشؤوم، والذي كانت أولى حلقاته الإجرامية، اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقبله محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة.
مستشار الرئيس سعد الحريري صاحب الشخصية المتّزنة والهادئة، وأول الساعين إلى إقامة حوار بين اللبنانيين إنطلاقاً من خوفه على وطنه تماماً كما هو الحال بالنسبة الى خوفه على القضية الفلسطينية، تحوّل معه اليوم الذي استشهد فيه في السابع والعشرين من كانون الأول من العام 2013، إلى يوم مسكون بالرعب والخوف، وإلى يوم دموي كانت قبله ساعة بيروت موصولة مع موسيقى كلاسيكية كانت تبعث الآمال في النفوس، لكن في لحظة من الزمن غطّت سحب النار أجواء العاصمة التي لفها السواد واستسلمت لموت وزير برتبة آدمي ومرافقه محمد طارق بدر. ولأن معمودية الموت أبت إلا أن تنتهي بثلاثية “محمد” مع أربعة شهداء آخرين، فقد وقع الإختيار على فتى بعمر الورد هو الطالب محمد الشعار. وكيف للذاكرة أن تنسى جسد محمد وهو ممدد على الرصيف بعد أن قذف به عصف الإنفجار ونيرانه، إلى الجهة المقابلة وتعرضه لإصابة بليغة في رأسه؟
رسالة السابع والعشرين من كانون الأول من العام 2013، وصلت إلى كل من هو معني بالإعتدال. “لا معتدلين على الساحة، بل هناك متطرفون فقط يقتلون ويسرحون على كيفهم من دون محاسبة”. الرئيس الحريري رد على الفور “الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفراغ. إنها رسالة ارهابية جديدة لنا. ارهابيون وقتلة ومجرمون يواصلون قتلنا امام بيوتنا ومكاتبنا وفي مدننا وساحاتنا وشوارعنا”.
اشتياق لم يعبر ولم يُعبّر عن حجم الحنين والحب، بل ظل متأرجحاً بين عيدي الميلاد ورأس السنة. نجل الشهيد عمر، كان ترجم هذا الإشتياق على طريقته: “قبل ساعات قليلة كتبت له رسالة عبر الواتساب اخبرته عن اشتياقي له ورغبتي في أن يكون مع العائلة خلال الأعياد. أذكر أني غفوتُ يومها على الكنبة في غربتي، لكنني استيقظتُ على اتصال من صديق يخبرني بما جرى في بيروت”.
محمد شطح، محمد طارق بدر ومحمد الشعار. كانت حكاية حلم ضائع لوطن روته دماء أبنائه في السلم كما في الحرب. لكل شهيد منهم حكاية تروي في جوانبها قصة لم يستطع عصف التفجير، حرقها او تمزيقها. بين هذه الحكاية، سيبقى اسم محمد شطح يتكرر في كل وقت وحين وستبقى ذكراه السنوية، محطة تأمل في ذاكرة وطن، صحا صباح السابع والعشرين من كانون الأول العام 2013، على أصوات المآذن وأجراس الكنائس، مُعلنة رحيل وزير، ولّى وجهه باتجاه العاصمة، فابتسم لقدره ورحل.