نحن في شهر التذكارات والذكريات سواء الرئاسية منها والوطنية وسواء التاريخية، المُفرِحة منها وغير المفرحة.
واحدة من هذه التذكارات المُفرِحة والمحزِنة في آن، هي ذكرى تأسيس طيران الشرق الأوسط، الميدل إيست:
محزنة لأنها تنفض الغبار عن ذكريات مؤلمة، ومفرحة لأنّها تنفض الرماد عن مؤسسة شاء البعض إحراقها وإغراقها فكان هناك مَن أعاد إحياءها لتتحوَّل من مؤسسة عبء على الخزينة إلى مؤسسة هي الحجر الزاوية بالنسبة إلى الخزينة.
***
أواخر هذا الشهر تحتفل الميدل إيست بالعيد السبعين لتأسيسها، من أيار 1945 إلى محمد الحوت 2015، بين التاريخين طلعات ونزلات، الميدل إيست كادت في بعض المراحل أن تختفي عن الوجود لولا شخصان:
رياض سلامة ومحمد الحوت.
***
أسماء من ذهب مرَّت على الميدل إيست، لعلَّ أبرزها نجيب علم الدين وسليم سلام، وصولاً إلى الصديق محمد الحوت.
وتاريخٌ من ذهب مرَّت فيه الميدل إيست حين بدأت بتحقيق الأرباح بعد عقدٍ من الزمن على تأسيسها.
لكنَّ النار اندلعت في الميدل إيست إيذاناً باندلاعها في لبنان ككل، فعشية رأس السنة من العام 1968، فجَّرت إسرائيل طائرات في مطار بيروت بينها ثماني للميدل إيست، فكان عام الكارثة عليها.
وتلاحقت الكوارث:
الحروب المتعاقبة كانت تضرب، أول ما تضرب المطار وتحديداً أسطول الميدل إيست، ولطالما أقفل المطار وتحولت الرحلات إلى أقرب المطارات، وكانت الشركة تنزف.
لكنَّ حروباً أقسى من الحروب العسكرية مرَّت على الشركة، إنها حروب الفساد والإفساد والإهدار والتوظيف التنفيعي والتعاطي مع الشركة وكأنها بقرة حلوب. هذا النوع من الحروب على الشركة، لم يضرب أسطولها فحسب بل ضرب سمعتها وكاد أن يضرب الأمل بإنقاذها. كانت سنوات عِجافاً، ولا سيما مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إلى أن اتُخِذ القرار الصعب بإنقاذ الشركة في منتصف التسعينيات من القرن ذاته.
كان ذلك في العام 1996 حين تملَّك مصرف لبنان 99 في المئة من أسهم الميدل إيست، وتمَّ تعيين مجلس إدارة جديد برئاسة محمد الحوت الذي وضع نصب عينيه خطة إنقاذ وإصلاح الشركة ونقلها من شركة خاسرة وفاشلة إلى شركة رابحة وناجحة.
***
كان محمد الحوت يعرف حجم التحديات التي ستكون ملقاة على عاتقه، فثقافة التنفيعات للسياسيين كانت سائدة، وكوتا التوظيفات من دون إنتاجية كانت شعار الشركة قبل وصوله إليها، فكان شعاره الذي لم يكشفه إلا لقليلين جداً هو إن الميدل إيست مع محمد الحوت لن تكون كما قبل محمد الحوت، وإن مروري في الميدل إيست لن يكون مروراً عابراً بل سأترك بصمة للأجيال الآتية التي تتطلَّع إلى ما تفتخر به في هذا البلد.
بعد عقدين من الزمن على هذا الشعار، بالإمكان القول إنَّ محمد الحوت استطاع تحقيقه، فالميدل إيست اليوم مفخرة من مفاخر لبنان. ومع محمد الحوت باتت الثقة متوافرة بأنَّ الإصلاح في البلد ممكن، إنه ساحر هندسة إنقاذ الميدل إيست، فأين أمثاله في كازينو لبنان وفي الدوائر العقارية وفي أكثر من شركة تنزف وتنهار؟
إنَّ بلداً يكون فيه محمد الحوت، من غير المعقول ألا يستطيع إيجاد أمثاله لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.