IMLebanon

محمد المشنوق و«الطائف» و«عقارب الساعة»

 

من دون أدنى شكّ حمى «التمديد» للمجلس النيابي أول ما حمى «اتفاق الطائف»، فبعد ربع قرن على توقيع هذا الاتفاق، ولاحقاً على تعطيل الاحتلال السوري «تعطيل تنفيذه»، ما زال تعطيل تطبيق اتفاق الطائف سيّد المواقف، فمنذ خروج الاحتلال السوري من لبنان، وضعت إيران يدها على لبنان في احتلال مقنّع تحت ستار «المقاومة» أو «الممانعة» أو حزب الله» و»جنود الوليّ الفقيه»، والوجه الآخر لـ»ورقة التفاهم» التي جمعت الحليفيْـن ميشال عون وحسن نصرالله، هو تعطيل هذا الاتفاق إلى حين تكريس «المثالثة»، التي تُطبّق منذ طاولة الحوار في آذار العام 2006 وحتى اليوم، وتحت مُسميّات مختلفة، والمطلوب واحد ومنذ توقيع هذا الاتفاق الذي قبل به النظام السوري على مضض لأنه لم يستطع مواجهة الرياح الدوليّة العاتية الذاهبة باتجاه إقفال ملفّ الحرب في لبنان.

كان توصيف وزير البيئة محمد المشنوق ـ ممثلاً رئيس الحكومة تمّام سلام ـ في ورشة العمل التي حملت عنوان «أزمة تكوين السلطة: ربع قرن على اتفاق الطائف»، توصيفاً شديد الدقّة عندما تحدّث عن «فئة ثانية رفضت الطائف منذ البداية ولا تزال ترفضه، وما زالت تحلم بإعادة الساعة إلى الوراء تحت حجة استعادة صلاحيات مفقودة لهذا المنصب أو لتلك الطائفة»، والفئة المقصودة معروفة، وهي لم تألُ جهداً منذ العام 1989 لتدمير هذا الاتفاق والإطاحة به، وأعلى الرّافضين صوتاً آنذاك للاتفاق ميشال عون وحزب الله، وبعد ربع قرنٍ من الزمن لم يتغيّر شيء في هذا الموقف، ولا نظنّ أنّه سيتغيّر!!

وعقارب الزمن مع هذيْن الفريقيْـن تُعيدنا يوميّاً إلى الوراء، ومحمّد المشنوق تحديداً، واحدٌ من الذين صمدوا في بيروت في أحلك أيام «حرب التحرير» المزعومة، فالرجل كان مدير عام الإعلام في جمعية المقاصد آنذاك، وكان مدير عام إذاعة صوت الوطن في حقبة الثمانينات الصعبة التي شهدت «حروب الميليشيات» التي أحرقت بيروت، ودأب وقتها الرئيس تمام سلام على وصفها بحرب «الزعران» على أهل بيروت «الأوادم»، وقاد الرجلان يومها تياراً سُنيّاً مسالماً ومن دون ضجيجٍ، كانت بيروت تفتقد لقيادة سياسيّة، وكانت تفتقد لصوت يُعبّر عنها، إلا أنّ المقاصد لم تكن لتقدّم صوتاً إلا لكلّ «الوطن»، فكانت إذاعة «صوت الوطن»، من هناك كانت بداياتي الإعلامية، وفي تلك الحقبة الصعبة وبشدّة، فبين فلتان «الزواريب» وعودة «الاحتلال السوري» ليجثم على قلب بيروت، ثم اندلاع حرب ميشال عون على بيروت عام 1989، لم نكن نحظى بفرصة للتنفس بين حروبٍ متتالية…

و»اتفاق الطائف»، جزءٌ من ذاكرتنا الصعبة في تلك المرحلة، كان نهارنا يتّصل بليلنا على الهواء على وقع قذائف الـ 240 ملم التي أدخلها صدام حسين  إلى لبنان لتسقط فوق رؤوسنا، لم يكن محمد المشنوق يُغادر الإذاعة كثيراً، حتى عندما اضطر قسم كبير منّا نحن المذيعين للمغادرة، بقيَ مع قلّة قليلة خاض معها معركة صمود بيروت إعلامياً، وإنسانياً، ومنذ إن أعلن وقف إطلاق النار حتى عدنا إلى مواقعنا نترقّب الأخبار الآتية من الطائف.

منذ ربع قرنٍ، لم يتغيّر شيء، الحرب على الطائف ما زالت كما كانت في العام 1989، وأخذت منحىً تدميرياً دموياً منذ نسف حزب الله رفيق الحريري بما يقارب الألفي كيلو من المتفجرات في قلب بيروت، بعدما خطت إيران باتجاه الكشف عن مشروعها المستتر منذ العام 1979، قتل رفيق الحريري «مهندس» اتفاق الطائف على مذبح تنفيذ الشرق الأوسط الإيراني الكبير، وتلته كوكبة من رجالات لبنان الشهداء، وللمفارقة أن ذاكرة الشعوب والقيادات السياسية خائنة، بُعيْد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، سارع النائب وليد جنبلاط للتحذير من اغتيال الطائف بعد اغتيال الحريري، وللمناسبة هذا الاغتيال يُرتكب فعلاً وبشكل يوميّ في حربٍ متوحشة لاغتيال «اتفاق الطائف»، تعجيلاً باغتيال لبنان الوطن والدولة والكيان، وعلى رغم كلّ هذه المحاولات «عقارب الساعة» بات من الصعب جداً أن تعود إلى الوراء، ولن تعود.