كلنا في المزبلة أو بالأحرى كلهم للمزبلة وليس للوطن، باعتبار ان القتال على “الأكل” من الزبالة لم يعد يدور بين القطط الكبيرة التي تشتبك على الحصص المالية في صفقة حل مشكلة النفايات سواء بالطمر أو بالحرق أو بالتسفير، بل صار يدور بين الصغار ممن ينقلون في الشاحنات الزبالة مموهة بالتراب اما لايصالها الى المحارق المستحدثة أو “التراثية” لحرقها مقابل أجرٍ، وقد استجلبها سياسيون ومسؤولون وشبّيحة، واما لالقائها تحت جنح الظلام في أراضي الآخرين!
لقد اضحكني دائماً صراخ جماعة “طلعت ريحتكم” وهم يطالبون بتسليم الأموال الى البلديات لمعالجة الزبالة، لكأن معظم الذين في البلديات أحسن من الذين في الوزارات مع أن دود الخل منه وفيه، لكن ما يجعلني الآن أشعر بالعار والشنار ككل انسان يعيش في لبنان الغارق في الزبالة الى ما فوق رأسه، وقد جاء الشتاء الذي حذرونا منه وسيأتي بعده صيف وشتاء آخر ونبقى في القرف، ما يجعلني أشعر بالذل هو تحديداً كتاب رئيس السنغال ارنست باي كوروما الغاضب الذي جاء يهددنا لمجرد نشر احدى الصحف ان السنغال وافق على استيراد زبالتنا!
لقد ماتت جدتي وهي تخبرني كيف ان الجنود السنغاليين الذي جاؤوا مع الانتداب الفرنسي عام 1920، وكانوا يومها ظاهرة في البدائية، كانوا يقولون للبنانيين بالحرف “Moi civiliser vous” بمعنى نحن نعلمكم الحضارة، وهو ما يتحقق فعلياً وعملياً اليوم من خلال كتاب الرئيس السنغالي الذي يعلمنا كيفية احترام الأوطان، وأننا مجرد مجموعة من البدائيين المتخلفين المتقاتلين على الاستفادة من جبنة الزبالة سواء كمسؤولين لا يشبعون، أو كمواطنين جبناء وخانعين وتافهين، نقبل بكل هذا الذل والاهانات، وبالقرف الذي يطمر الشوارع والساحات، والدولة غارقة في الاقتتال على زبالة تدرّ الدولارات، كما تقتتل مجموعة من الشحاذين على عقب سيجارة ولا من يستحي!
كل الاحترام للرئيس السنغالي الذي نفى بغضب استيراد زبالتنا، لأننا ندرك تماماً مدى الخطر الذي تمثلة النفايات، ونحن نطمئن السنغاليين إلى اننا لن نعرضهم ابداً لهذا الخطر على الصحة العامة والبيئة، والاحترام للقنصل السنغالي دونالد روي جوزف عبد الذي حذّر السلطة اللبنانية من ترويج أخبار عن تصدير الزبالة الى السنغال تحت طائلة اللجوء الى القضاء!
أقول لصديقي الآدمي أكرم شهيّب: كفى أخرج من هذا المغطس، على الأقل لأننا لم نعد في الزبالة، بل أصبحنا بالشمع الأحمر نلوّح به لاقفال محارق للزبالة أقامها أصحابها من غير شر بالقوة والسطوة والتشبيح لتملأ أجواء الخنشارة وغيرها بالسموم وتملأ جيوبهم الفقيرة بالمال الحلال، لكأن صديقي الآخر وائل ابو فاعور قد أبقى لنا شيئاً من الشمع الأحمر يختم به بلداً غير مطابق لمواصفات الحياة والكرامة الانسانية!