Site icon IMLebanon

العفن… حين يختمر!

لا يفتقد مجلس النواب الحالي ولا المجالس التي سبقته الى شواهد صدامية أو مبارزات بالشتائم وصولاً الى عراكات متنوعة. وليس البرلمان اللبناني اكثر ترفعاً عن شواهد في برلمانات آسيوية وحتى غربية اخرى في هذا الكار. وما يقصر عنه المنبر البرلماني تعوضه الشاشات الشرهة والمحفزة على اجتذاب هذا الصنف الشديد الإثارة للناس. الطارئ في الصدام الأخير الذي عاينه اللبنانيون يتصل بلحظة انهيار داخلي وليس انفجاراً كما ساد الاعتقاد. هذا الانهيار كان سيحصل آجلاً أم عاجلاً، بتحريك من الشارع أو من دونه، ولكن من غير الجائز التنكر لفضل التحرك المدني في التعجيل بفضح بواطنه وعفنه خصوصاً اذا ظل التحرك على وتيرته الضاغطة وعرف كيف يمضي قدماً في اثبات كونه سلطة مراقبة في الشارع.

بلغ الاهتراء السياسي حدوده القصوى في لبنان ولم يعد الوسط السياسي قادراً على ابتلاع مزيد من الاستنقاع حتى لو حظي بغطاء العالم كله في تصريف مرحلة الانتظار الطويل. ولن نبحر في الملفات الكبيرة والأوضاع الاقليمية التي تحاصر لبنان انطلاقاً من الشغور غير المحدود في رئاسة الجمهورية. لنأخذ اللحظة المحلية المحدودة التي حصلت فيها حادثة تافهة كتلك المصارعة النيابية السخيفة. وسط سياسي غارق في سمعة فساد ولا أسوأ يعاند المحاولات المستهلكة للحوار العبثي، ويحاصر بعجزه وأنانيات بعض قواه الحكومة والمجلس، في تلك اللحظة كانت أزمة النفايات تحطم رقماً قياسياً في تشويه صورة البلد المبتلي بالقصور على مشارف شتاء “نفاياتي” واعد بكل الكوارث. وفي اللحظة نفسها، يسقط على طرق لبنان سبعة “شهداء” في حادثي سير مفجعين اما نتيجة تحلل في تطبيق القانون من مختلف وجوهه الفردية والجماعية واما نتيجة انحرافات مزمنة في اوضاع الطرق لا مكان لها في اولويات رسمية، بعدما سحقت اولويات الاستقطاب السياسي كل شؤون المواطنين. وفي اللحظة اياها ايضاً “وقف” المصير الحكومي على شعرة الفصل والقطع المتعلقة بترقيات عسكرية تنذر للمرة الأولى في تاريخ الجيش بإقحام التدخلات السياسية في هيكليته القيادية، الأمر الذي لم يحصل منذ ١٩٧٥. اما الحشوة الدافعة للانفجار النيابي فلا تحتاج الى كثير شرح، فحسب الناس ان يضيعوا بين ارقام المليارات المتساقطة فوق الرؤوس على إيقاع حروب الاتهامات المتبادلة الأشبه بتعرية غير مسبوقة لمجمل الوسط السياسي المتعاقب على الحكومات والمجالس فلا ترحم نظيفاً ولا تبرئ بريئاً ما دامت هذه الملفات الفضائحية لا تزال هائمة على المنابر ولم تفتح بعد أمام النيابات العامة وصولاً الى أقواس المحاكم.

هو العفن الذي كان نائماً وانفجر بفعل فراغ الدولة اولاً وأخيرا. فكيف نشتم الدولة التي اثبتت انها بغيابها أقوى من حضورها؟