لا تنفصل قضيّة مسيحيّي سوريا عن تهجير الأقليات من الشرق وتدمير الإنسان عموماً، وتكتسب القضيّة السريانيّة أهمية بالغة في سوريا تعود الى أنّ هذه البلاد كانت أوّل مملكة سريانيّة في العالم.
يتنوّع الحضور المسيحي في سوريا ويتوزّع على المذاهب المسيحية كافة، ويكتسب الوجود السرياني أهميّة كبرى لأنّ ذلك الشعب الذي يقاوم من أجل الحفاظ على وجوده ما زال يتكلّم اللغة الآرامية، لغة السيّد المسيح، ويحافظ على جذوره وعاداته وتقاليده ويتمسّك بحضارته.
سلّط التفجير الإنتحاري الذي وقع في القامشلي عندما كان بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم مار اغناطيوس أفرام الثاني يشارك في إحتفالية رفع نصب تذكاري لشهداء الحرب العالمية الأولى، الضوء على الوجود السرياني هناك، وتبيّن أنّ المقاومة السريانية تُمسك بالأرض جيداً من خلال حضورها العسكري.
وفي التفاصيل، يروي راعي أبرشية جبل لبنان وطرابلس للسريان الأرثوذكس المطران جورج صليبا لـ»الجمهورية» الساعات التي سبقت الإنفجار وماذا حصل بعده، لأنه كان الى جانب البطريرك لحظة وقوعه وعايش الواقعة دقيقة بدقيقة: «استفاقت القامشلي منذ الصباح الباكر للمشاركة في إحتفال رفع نصب شهداء السريان الذين إستشهدوا أثناء الحرب العالمية الأولى، وسار الشعب الى مكان النصب حيث قدّرت أعداد المؤمنين بنحو 4000 شخص، يحملون المسابح والصليب.
سارت الجموع خلف البطريرك في شوارع القامشلي قرابة الساعة من دون تعب او شعور بحرارة الشمس المرتفعة، وبعد ذلك دخل البطريرك قاعة الإحتفال، وأثناء إلقاء الكلمات دوّى إنفجار في الخارج، وعمّت البلبلة القاعة، فطلب البطريرك من الجميع إلتزام أماكنهم وإستكمال الاحتفال «لأنّ شباب السريان ينفّذون الحراسة اللازمة».
«شبابنا أبطال، وهم مَن يحمون شعبنا»، بهذه العبارة يكمل المطران صليبا سرد ما حصل، حيث إنّ الإنتحاري حاول زرع البلبلة، «فعندما إقترب من ساحة الاحتفال، حاول المقاتلون السريان القبض عليه، فانفجر الحزام الناسف، وهنا طُرح تساؤلٌ عن إمكان تفجير الإنتحاري عن بُعد أم أنه هو مَن فجّر نفسه. ونتيجة الإنفجار سقط شهيدان سريان، فيما إستمرت الحياة بشكل طبيعيّ وإنتهى الإحتفال، وتناول البطريرك الغداء مع شعبه في القامشلي».
أبعد من هذه الحادثة التي يؤكّد صليبا أنّها تهدف الى تهجير السريان والمسيحيين من القامشلي، ولا تستهدف البطريرك، بات للسريان جيش مدرّب ومجهّز في تلك المنطقة، وبالتالي، وعلى رغم ما تعرّض له مسيحيّو الشرق، لم تنشأ أيّ مقاومة مسيحية، باستثناء لبنان أيام الحرب، لكنّ السريان في القامشلي إختاروا درب المقاومة.
ويروي شهود عيان ومطارنة وأساقفة، «أنّ قرار المواجهة قد اتُخذ من أجل الدفاع عن أرضنا، وقدّ إنتظم الشباب تحت لواء الجيش السرياني الذي يضمّ عدداً كبيراً من المقاتلين الأشدّاء المستعدين لمقاومة أيّ قوّة تحاول تهجيرهم».
الخطر في تلك المنطقة ماثل امام أعين السريان، فقرى نهر الخابور الآشورية هُجّرت جميعها، بينما قلب المقاتلون السريان الواقع في القامشلي. ويتحدّث كلّ مَن زار تلك المنطقة، أنّ الأرض باتَت تحت سيطرة الجيش السرياني على رغم وجود أقليات مسيحية وأكراد ومسلمين، والأسلحة التي بحوزتهم تسمح لهم بالصمود، بحيث يؤمّن هذا الجيش مداخل المدينة وينتشر في الشوارع، مانعاً أيّ قوّة عاجزة من إختراق المدينة.
لم تكن الصور التي بثّت منذ مدّة على الوكالات العالمية عن مقاتلات سريان يتدرّبن في القامشلي والحسكة إلّا تعبيراً عن واقع مسيحي بدأ ينشأ، شعر خلاله الشعب أنّ الخطر داهم وأن الوجود مهدّد، ولم يبقَ سبيل إلّا المقاومة المسلّحة التي تعتبر الخيار الأخير للحفاظ على الأرض والصمود.