Site icon IMLebanon

أجراس الرهبنة تُقرع بإنتخاب الهاشم… هل بدأ عهد التغيير؟

فُتح عهدٌ رئاسيّ جديد في الرهبنة اللبنانية المارونية، تُوِّج بإنتخاب الأباتي نعمة الله الهاشم رئيساً عاماً، في وقتٍ بدأت الأسئلة تتوارد عن دور الرهبنة في المرحلة المقبلة ومواكبتها لشعبها، ومدى تدخّلها في السياسة الوطنية.

مرّت إنتخاباتُ الرهبنة اللبنانية المارونية بسلاسة تامة وبطريقة مغايرة عن إنتخابات العام 2010، حيث لم يكن على الرهبان سوى الإدلاء بأصواتهم، في خطوة ضرورية لإبقاء الروح الديموقراطية في جسم المؤسسة المارونية الأكبر في لبنان والشرق.

كلامٌ كثير قيل قبل الإنتخابات، وجلسات ونقاشات وتحالفات صيغت لتأتي النتيجة على ما هي عليه، لكنّ هامشَ التحرّك كان واسعاً خصوصاً أنّ اللعبة كانت مضبوطة الى الحدّ الأقسى ولم تخرج عن القاعدة المرسومة لها أو تصل إلى حدّ الإنقسام العمودي الذي يطاول جسمَ الرهبنة ويفرزها مجموعاتٍ متناحرة. 

شدّ الرهبان الهمّة منذ الصباح الباكر، وحضروا من كلّ مناطق لبنان والإنتشار، خصوصاً أنّ مهمات جسام ملقاة على كاهلهم حتّى لو لم تكن من ضمن مسؤولياتهم. ففي الذاكرة الجماعية المارونية وحتّى اللبنانية، تُعتبر الكنيسة والرهبان مسؤولين عن المواطنين، حتّى إنّ المسيحيين يطالبونهم بالمبادرة نتيجة تردّي الأوضاع وتأمين الخدمات التعليمية والإستشفائية والسكن وخلق فرص عمل، متناسين أنّ هذا الأمر من مسؤوليات الدولة التي يدفعون لها الضريبة، وليس أيّ مؤسسة أخرى.

شكّلت جامعة الروح القدس- الكسيك مسرَحاً للعملية الإنتخابية التي لم تُخض على أساس تحالفات فاضحة، بل أظهرت النتائج تقدّماً واضحاً للهاشم، الذي كانت الدوائرُ الفاعلة تعرف أنّه الأوفر حظّاً نتيجة إتّباعه خطاً رهبانياً جديداً، إضافة الى وقوفه على مسافة واحدة من مختلف القوى السياسية المسيحية.

أُقفل بابُ جامعة الكسليك منذ الصباح، ومُنع أيّ «دومَري» من الإقتراب أو الدخول، فالتعليمات واضحة ومشدّدة، ومثلما يقفَل بابُ بكركي لإنتخاب بطريرك، والفاتيكان لإنتخاب بابا، انطبق الأمر على الرهبنة المارونية، وبقي السؤال الأساس الذي طرحه مَن يتابعون هذا الملف حتى قبل دقائق قليلة من النتيجة: «ماذا عن موقف روما؟»

عند حلول الظهر، بدأ الرهبان الـ320 بالإنتخاب فيما غاب عددٌ قليل منهم وحضر آخرون من بلاد الانتشار للمشاركة في هذه العملية التي تتمّ على خمس مراحل، حيث يُنتخب اولاً الرئيس العام، ومن ثمّ 4 مدبّرين. وقرابة الأولى والنصف بعد الظهر، أُعلن عن إنتخاب الهاشم رئيساً للرهبنة حيث نال ما يزيد عن الـ200 صوت، أي ما يقارب ثلثي الأصوات، فيما كان الأب أيوب شهوان المنافس الأبرز، فقرعت أجراس كنيسة مار تقلا في بلدته حاصبيا- المتن والرهبانيات فرحاً بالرئيس الجديد.

بعد وقت قليل، أُعلن عن إنتخاب المدبّر الأوّل عن منطقة الشوف وهو الأب كرم رزق، وفي هذه الأثناء وصل راعي أبرشيّة بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنّا رحمة الى الكسليك آتياً من البقاع للإطلاع على العملية، ومطمئِناً الى أنّ الإنتخاب يسير بشكلٍ طبيعيّ، «فنحن رهبان، ولا نختلف مع بعضنا».

مع الوقت، تواصل إعلان النتائج، بحيث إنتُخب الأب جوزف قمر مدبّر كسروان، الأب هادي محفوظ مدبّر جبيل البترون، والأب طوني فخري مدبّر الشمال.

وفي هذه الأثناء، كان الرهبان الذين ما زالوا في المدرسة الإكليريكية في غزير والذين لا يحقّ لهم الإنتخاب، يتوافدون للمشاركة في القدّاس الذي يلي العملية، وكانوا يصرخون عند دخولهم: «مبروك، انتخبنا ريّس عام وعَقبال رئيس الجمهورية».

قرابة الساعة السادسة مساءً دخل الجميع لتلاوة الصلاة، في حضور جميع الرهبان من كلّ الأعمار. وعلى وقع التراتيل السريانية، كانوا يصفّقون للأباتي الجديد الذي جال في القاعة برفقة الأباتي الحالي طنّوس نعمة، يتقدّمهما الصليب، فيما عبقت رائحةُ البخور.

إنتهت الإنتخابات وبدأ التفكير في المرحلة المقبلة من حيث السياسة التي سيتبعها الهاشم، والتغيّرات التي ستشهدها إدارة الرهبنة ومؤسساتها والأديرة، وسط التأكيد أنّ أيّ إدارة جديدة لن تخرج عن الخطّ العام للرهبنة والذي ينمّ عن عقيدة أساسية هي الدفاع عن لبنان، خصوصاً أنّ الراهب الماروني يضع على ثوبه الأرزة ويسير بتوجيهاتِ المصلحة اللبنانية.

الى ذلك، شكرت الرهبنة في بيان، «جميع الذين واكبوها بالصلاة»، لافتة الى أنّ «المجمع العام والهيئة الانتخابية ذروة روحية عاشها الرهبان بالأمانة لروحانية رهبانية القديسين، وقد أكدوا طاعتهم للأب العام ولمجمع الرئاسة العامة الجديد، رافعين الصلاة من أجلهم، ليكونوا علامة رحمة في زمن يوبيل الرحمة الإلهية».

ويتقبّل الأب العام ومجمع الرئاسة العامة الجديد التهاني اليوم والاثنين من العاشرة صباحاً وحتى السادسة مساءً، كما يحتفل بقداس الشكر غداً في دير مار أنطونيوس – غزير، مقرّ الرئاسة العامة للرهبانية اللبنانية ويتقبّل التهاني حتى الخامسة مساءً.