Site icon IMLebanon

استشارات الاثنين لـ«بلف» ماكرون أم لتأليف حكومة؟

 

للمرة الأولى منذ اتّفاق الطائف، يُدعى النواب إلى استشارات مُلزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة ليس فيها مرشح. غالباً ما كان ثمة مرشّح واحد متّفق عليه، أو اثنان يتنافسان. الآن يأتي موعدها، وأمامها مَن يقول إنه غير مرشح، ومَن يقول إن ذاك ممنوع

 

انتظرت أولى حكومات العهد عام 2016 يومين كي تبدأ الاستشارات النيابية الملزمة، بعد استقالة الحكومة السابقة. كذلك ثانية حكوماته عام 2019 يومين. أما ثالثتها عام 2020 فانتظرت 50 يوماً. في الحكومتين الأوليين، مرشّح وحيد هو الرئيس سعد الحريري في عزّ التسوية مع الرئيس ميشال عون. في الحكومة الثالثة كرّت سبحة المرشحين المحتملين للتكليف، من الحريري إلى محمد الصفدي إلى سمير الخطيب إلى بهيج طبارة إلى نواف سلام، قبل أن تستقر على آخرهم الرئيس حسان دياب. أما الاستشارات النيابية المُلزمة المقرّرة الاثنين، فأطرف ما فيها أن لا مرشح للتكليف. بل مَن يقول إنه غير مرشح، ومَن يقول إنه لا يريد أن يكون رغماً عنه، ومَن يُحظَر سلفاً عليهم أن يكونوا مرشحين.

 

ما لم يتمكّن المعنيون بالتأليف، من اليوم إلى الاثنين، من تبديد الغموض من حول استشارات الاثنين ومرشحها، وتالياً الاتفاق إما على مرشح واحد أو طرح أكثر من اسم برسم التنافس، سيكون النواب أمام لغط صعب، لأسباب شتى منها:

1 – ينتظر لبنان مساء الاثنين وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كي يواصل وساطته لإيجاد حلّ للمشكلة اللبنانية وحمل الأفرقاء على القبول بورقته للتسوية. يتزامن وصوله، المخصص في الأصل للمشاركة في مئوية لبنان الكبير، مع تسمية رئيس مكلف تأليف الحكومة، من غير الواضح مَن سيكون، وبأيّ نصاب من الأصوات سيحوز في ظل انقسام الكتل النيابية على الاسم الأكثر احتمالاً وهو الحريري الذي يقول إنه لا يريد ولا يسمّي أحداً ولا أحد سواه يتجرأ على ترشيح نفسه؟

مجرّد وجود هذا المأزق، يُفصِح عن أن الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، في غموض كهذا، لا أدلّ عليه سوى أنه «بلف» للرئيس الفرنسي، كي يُقال له أن ثمة رئيساً مكلفاً ليس إلا، وعلى الإصلاحات البنيوية التي لا يريدها أحد انتظار تأليف الحكومة الجديدة.

2 – أكثر من أي وقت مضى، يتطلّب التكليف أوسع نصاب نيابي في اختيار الشخصية المحتملة، نظراً إلى وطأة شبكة الأزمات المتشابكة المعقدة، سياسية واقتصادية ونقدية واجتماعية وأخيراً أمنية بعد أحداث الأيام المنصرمة وتحديداً في خلدة. أضف حجم الاهتمام الدولي المربوط بدوره بشبكة مصالح متناقضة ومتنافرة للدول الأكثر تأثيراً في لبنان، التي لا تكتفي بأن يكون لها مرشحون لرئاسة الحكومة، بل تجهر بوضع فيتوات وشروط على الرئيس المكلف، كما على تأليف الحكومة، مَن تضم ومَن تستبعد. ذلك ما يصحّ على الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وإيران.

3 – لا ريب في أن عودة الحريري إلى السرايا أفضل الحلول السيئة. فالرجل لا يختلف عن الطبقة الحاكمة المتّهمة برمتها بتدمير الاقتصاد والدولة، وتفشّي الفساد والمحسوبية والاهتراء والنهب وإهدار المال العام وسرقته. وهو جزء لا يتجزأ من مسؤولية الانهيار الواقع، من غير أن يتحمّله بمفرده، شأن والده الرئيس رفيق الحريري من قبل. ليس أقل المشتبه فيهم بالتسبب به، وهو في صلب المشكلة لا وجهاً محتملاً للحلّ ما دام وراء تقويض اقتصاده الشخصي وتدميره. بيد أن عودته تظل واجبة لدوافع:

أولها، أنه لا يزال السنّي الأكثر تمثيلاً في طائفته، ما دامت البلاد لما تزل واقعة تحت الفضيحة العظمى التي أرستها معادلة أن يكون في رأس السلطة الأكثر تمثيلاً في طائفته، فقادت الدولة إلى التلاشي.

ثانيها، إن ما حدث في خلدة ليل الخميس من اشتباك سنّي – شيعي بسبب لافتة دينية، أظهر أن الشارع لا يزال متفلّتاً من السيطرة، ولا يسع ضبطه إلا عبر محرّضيه على التفلّت. على وفرة ما قيل أمس في تبرير ما حصل أو التبرؤ منه، فإنّ الجهود التي بذلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بين قيادتي حزب الله وتيار المستقبل لوقف النار وسحب المسلحين ونشر الجيش، خير معبّر عن أن ما حصل اشتباك مذهبي، مرشح للتفاعل من وطأة التحريض المذهبي بين الطائفة الفائضة القوة وتلك الفائقة الضعف كما تريد أن تصوِّر نفسها. لم يقُل حزب الله منذ استقالة دياب أنه يؤيد عودة الحريري إلى السراي. إلا أنه أفرط في القول إنه يريد تفادي فتنة سنّية – شيعية، تشبه ما حدث في خلدة مع إدخال «عشائر العرب»، للمرة الأولى، في معادلة الصراع المذهبي من جهة، وتلويح هؤلاء باحتمال قطع طريق بيروت – الجنوب من جهة أخرى. وهم بذلك يُصوّبون على مقتل حزب الله.

 

عودة الحريري الى السرايا أفضل الحلول السيئة

 

 

ثالثها، أن تكليف الحريري لا يفضي بالضرورة إلى تأليف الحكومة بالسهولة المتوقعة. رئيس الجمهورية وكتلته النيابية الأكبر في المجلس لا تريده، ما يجعل تعاونهما في مرحلة التأليف أكثر من معقد، في ظل إصرار الرئيس المكلف – إذا كُلّف – على أنه لن يؤلف إلا الحكومة التي يريدها هو. ما يعني أنه سيفرضها على رئيس الجمهورية. الأمر الذي لم يُعطِه السوريون لوالده الراحل إبان حقبتهم، ولم يعطِه الثنائي الشيعي لحكومات قوى 14 آذار بعد انتخابات 2005 و2009. يعني ذلك أن إبصار الحكومة النور سيغدو مستحيلاً، ما دام سيقترن بتوقيع رئيس الجمهورية صاحب الكلمة الفصل. ما قد يطيل في عمر تصريف الأعمال إلى ما شاء الله.

رابعها، لأنه الأكثر تمثيلاً في طائفته، وفي ظل عراضة الغضب السنّي بالإصرار عليه، من شأن تكليف الحريري هذه المرة تكرار سابقة تفاداها والده على مرّ الحكومات التي ترأسها، وهي أن طائفته هي التي فرضته في السراي. حدث ذلك مراراً في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف، مقدار ما حدث نقيضه تماماً في الستينات ومنتصف السبعينات وتسبّب في أزمات دستورية. أقرب السوابق، يوم قرّرت «قمة عرمون» فرض الرئيس رشيد كرامي على الرئيس سليمان فرنجية – وكانا يتبادلان العداء مقدار ما كان بين طرابلس وزغرتا في «حرب السنتين» – فأضحى في الأول من تموز 1975 رئيساً للحكومة. يحاول نادي الرؤساء السابقين للحكومة، الموصد الأبواب على أعضائه الأربعة، استعادة دور «قمة عرمون» – وكانت حينذاك سنّية شيعية درزية رابع أقطابها وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام – بأن يكون لطائفة رئيس الحكومة أن تختاره.