IMLebanon

خبير دولي لـ”الجمهورية”: اقتراح مجلسٍ للنقد ليس الحل

 

إعتبر كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي غربيس إيراديان في حديث لـ»الجمهورية»، انّ اقتراح اعتماد مجلس النقد المتداول به حالياً، ليس حلّا مثالياً وشاملاً للأزمة التي يعاني منها لبنان، لأنّ أي نظام سعر صرف قد يتمّ اعتماده في غياب الاصلاحات، لن يجدي نفعاً. داعياً اللجان النيابية الى عدم إهدار المزيد من الوقت في البحث بهذا الاقتراح، على غرار ما حصل في موضوع تحديد الخسائر الفعلية للقطاع المصرفي.

• هل خيار اعتماد نظام مجلس النقد مناسب للبنان؟

اعتماد نظام مجلس النقد قد لا يكون نظام سعر الصرف المثالي للبنان في المدى المتوسط. هذا الاقتراح الذي نوقش على نطاق واسع في وسائل الإعلام المحلية، لم يوضح مصير الودائع بالدولار الأميركي في كل من مصرف لبنان والمصارف التجارية. كما انّ اعتماد مجلس النقد لن يؤدي الى استعادة صدقية السياسات الاقتصادية للبلد بطريقة سحرية، كما يزعم بعض المدافعين. بل انّ وضع سياسة مالية سليمة وتأمين مستوى كافٍ من الاحتياطات الرسمية، بما في ذلك الذهب، لتغطية المعروض النقدي (M2) اي الاموال المتداولة والودائع بالليرة، بالإضافة الى تفعيل المؤسسات واعتماد نظام مصرفي سليم نسبياً، هي عوامل يجب أن تكون جزءاً من حزمة السياسة المعتمدة عند إنشاء مجلس النقد .

 

ورغم أنّ نظام مجلس النقد أظهر فعاليته في العديد من البلدان، بما في ذلك هونغ كونغ (منذ 1983) وإستونيا (1993-2010) وليتوانيا (1994-2010) وبلغاريا (منذ 1997) والبوسنة والهرسك (منذ 1997)، إلّا انّ هذه البلدان نجحت، ليس بسبب نظام مجلس النقد نفسه، بل لأنّها اتبعت سياسات الاقتصاد الكلي والإصلاحات الهيكلية، بالتوازي مع مجلس النقد، ما ادّى الى الحفاظ على استقرار اسعار الصرف. بالإضافة الى ذلك، كانت الأنظمة المصرفية في هذه البلدان في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في لبنان.

 

في المقابل، فشل نظام مجلس النقد في الأرجنتين (1990-2001)، لأنّ جذور الأزمة الاقتصادية والمالية الحادّة التي اجتاحت البلاد في عام 2001 تعود إلى تاريخ طويل من المحاولات الفاشلة لاستعادة صدقية البلاد. وقد عكست هذه الإخفاقات نقاط الضعف الاساسية في الاقتصاد والمؤسسات. وتخلّت الأرجنتين عن نظام مجلس النقد، وانخفض سعر صرف عملتها المحلية من 1.0 بيزو لكل دولار أميركي في عام 2001 إلى 3.3 بيزو لكل دولار أميركي في عام 2002.

 

تكمن الايجابيات الرئيسية لاعتماد نظام مجلس النقد في القدرة على التنبؤ وطبيعة القواعد الاساسية لمجلس النقد، التضخم المنخفض، واستقرار سعر الصرف. كما انّ الانضباط الصارم يُعدّ من العوامل الرئيسية، حيث لا يستطيع البنك المركزي لمجلس النقد طباعة المزيد من العملة المحلية لتمويل العجز، ما لم تتجاوز احتياطات النقد الأجنبي المتوفرة، الأموال المتداولة والودائع بالليرة اللبنانية. اما سلبيات اعتماد مجلس النقد فهي:

 

لا يتيح اعتماد مجلس النقد المجال أمام البنك المركزي لتحقيق الاستقرار في الإنتاج (من خلال السياسة النقدية) أو العمل كمقرض الملاذ الأخير في أي أزمة مالية.

 

• سيشل اعتماد نظام مجلس النقد، الأداة الاقتصادية الأكثر مرونة (سعر الصرف) للتعامل مع قضايا الاقتصاد الكلي.

من العوامل الرئيسية لإنشاء مجلس النقد في لبنان هي معدل سعر الصرف. وإذا قررت السلطات اللبنانية اعتماد هذا النظام، فمن الأفضل التريث الى حين تنفيذ الإصلاحات الحاسمة، والتوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والحصول على جزء من الدعم المالي الخارجي من المجتمع الدولي. في مثل هذه الحالة، يمكن توحيد أسعار الصرف المتعددة الحالية، من موقع قوة بسعر يتراوح بين 5000 و 6000 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي، والذي يمكن أن يكون سعر الصرف الجديد لمجلس النقد. إنّ اعتماد مجلس النقد قبل التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ينطوي على مخاطر تثبيت سعر الصرف عند مستوى أقلّ، قد يكون قريباً من السعر الحالي البالغ 8500 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي.

 

الغاء وظائف للمركزي

• كيف يختلف اعتماد نظام مجلس النقد عن سياسة تثبيت سعر الصرف؟

مجلس النقد هو نظام نقدي قائم على التزام تشريعي واضح، بتبادل العملة المحلية بعملة أجنبية محدّدة بسعر صرف ثابت، وفقاً لقيود تُفرض على سلطة الإصدار لضمان الوفاء بالتزاماتها القانونية. ما يعني أنّ اصدار العملة المحلية يجب ان يتمّ فقط مقابل توفر النقد الأجنبي، على ان تبقى مدعومة بالكامل بالأصول الأجنبية، مما يلغي بعض وظائف البنك المركزي التقليدية، في حين انّ عمل البنك المركزي التقليدي يجيز طباعة النقد متى شاء.

 

في اطار سياسة تثبيت سعر الصرف التقليدية، تقوم الدولة (رسمياً أو بحكم الواقع) بربط عملتها على سعر ثابت بعملة أخرى أو بسلّة من العملات. في هذه الحالة، سيكون البنك المركزي مستعداً للحفاظ على سعر الصرف الثابت من خلال التدخّل المباشر (أي عن طريق بيع / شراء العملات الأجنبية في السوق) أو التدخّل غير المباشر (على سبيل المثال، من خلال استخدام سياسة أسعار الفائدة وفرض قواعد على الصرف الأجنبي). وبالتالي، فإنّ مرونة السياسة النقدية في نظام تثبيت سعر الصرف، أو ربطه بعملة أجنبية، أكبر مما ستكون عليه في حال اعتماد نظام مجلس النقد، لأنّ الوظائف المصرفية المركزية التقليدية ليست مقيّدة.

 

• هل من المنطق استخدام ما تبقّى من الاحتياطات لتغطية عملة مجلس النقد؟

لا يجب أن يستخدم ولا يمكن ان يستخدم مجلس النقد الاحتياطي الالزامي المقدّر بحوالى 17 مليار دولار، لتغطية الأموال المتداولة والودائع بالليرة اللبنانية. ونظراً لاستنفاد الاحتياطات الرسمية المتاحة (المقدّرة أخيرًا بـ 0.6 مليار دولار فقط)، سيتعيّن على مجلس النقد استخدام جزء من احتياطات الذهب اللبنانية او كامل الاحتياطي (المقدّر بـ 17.3 مليار دولار في نهاية عام 2020) وفقاً لسعر الصرف الذي سيحدّده مجلس النقد من أجل تغطية 100% على الأقل من الأموال المتداولة والودائع بالليرة اللبنانية (M2).

 

كما يوضح الجدول أدناه، إذا تمّ تحديد سعر الصرف الموحّد أو سعر الصرف من مجلس النقد عند 3900 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي، فإنّ لبنان بحاجة إلى 17.4 مليار دولار من صافي احتياطيات النقد الأجنبي لتغطية الكتلة النقدية المعروضة M2. إذا كان سعر الصرف الموحّد عند 8500 ليرة مقابل الدولار، فإنّ لبنان يحتاج فقط إلى 8 مليارات دولار لتغطية M2. اما من الناحية المثالية، فإنّ سعر الصرف الموحّد يجب ان يكون أقرب إلى 5000 ليرة لبنانية مقابل الدولار، من اجل خفض نسبة التضخم إلى مستويات تقلّ عن 10 في المئة، خلال فترة زمنية قصيرة، وتحسين القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على القدرة التنافسية.