IMLebanon

ما لم نتغلّب على الأزمة « النقديّة»

 

 

ما لم يعد رئيس الحكومة سعد الحريري بـ»سترة النجاة» من أبو ظبي، وما لم تصدق التوقعات بدعم خليجي، ليس من السهل مواجهة الأزمة النقدية. فكل التقارير تتحدث عن أزمة حقيقية لها مسبباتها الداخلية قبل الخارجية. ومن الأهمية الخروج منها بأسرع وقت وبأقل الخسائر التي ترتبت حتى اليوم. ففي حال العكس ستكون الأمور أصعب بكثير. لماذا؟ وكيف؟

 

في ظل الحديث الذي تردد لفترة عن مؤامرة يتعرض لها العهد، وان هناك من استغل ركوب رئيس الجمهورية ميشال عون الطائرة الى نيويورك، من أجل تفجير الوجه النقدي منها، هناك من يتحدث عن أزمة حقيقية تفاعلت منذ مدة الى ان انفجرت بشكل طبيعي، وانّ الصدفة لعبت دورها فكانت الذروة قبل زيارة نيويورك وبعدها ولا شيء يثبت الربط بين ما جرى وموعد الزيارة للترويج لنظرية المؤامرة.

 

وما بين النظريتين، هناك الكثير مما يقال وما لا يقال. وبمعزل عن مختلف الآراء هناك شبه إجماع على أنّ منطق الأمور يوزع المسؤوليات في أكثر من اتجاه، وفي أكثر من قطاع. فوجود أزمة صامتة بين أهل الحكم والحكومة لم يعد سرّاً تتحدث عنه الغرف المغلقة الحافلة بالاتّهامات.

 

كما في الكواليس التي يسعى روّادها الى ترتيب سلسلة من المخارج لمجموعة من الأزمات التي ما زالت تتفاعل سياسياً واقتصادياً وإدارياً ومالياً، إضافة الى ما هو سياسي وربما ديبلوماسي، وهناك الكثير مما يؤكد ذلك.

 

فلم يثبت ان كل الخيارات المقترحة لمواجهة الأزمات بوجوهها المختلفة، والتي جُمعت في ورقة تمّ التفاهم عليها، بعدما التقت مجموعة اللجان المتخصّصة التي ضمت الخبراء من مشارب مختلفة على مجموعة من الأفكار والسيناريوهات الممكنة، فإنه لم يتمّ الاتفاق بعد على أولوياتها في ظلّ عدم القدرة على تنفيذها كدفعة أو سلة واحدة.

 

وهو ما فسّر التعثر الذي أصاب مقررات لقاء قصر بعبدا والتأخير في وضعها قيد التطبيق. فالخلافات الكبيرة بين أهل الحكم ما زالت تعوق ما يمكن تنفيذه، وإلّا فما معنى استمرار البحث الى اليوم في مصير برامج وخطط الإصلاح عبر اللجنة الوزارية التي تواصل اجتماعاتها الماراتونية دون نهاية محدّدة.

 

والأمر نفسه مطروح في لقاءات أخرى عند البحث في شكل موازنة العام 2020 ومضمونها. فالمطّلعون على مضمون ما يجري بحثه في الكواليس، يؤكدون ان النقاش ما زال قائماً في ما يمكن أن تتضمّنه الموازنة او ما يمكن تنفيذه من خارجها.

 

والى ذلك، فمن اطّلع على الكثير من تفاصيل اللقاء الذي جمع الرئيس سعد الحريري مع الوزير جبران باسيل ظُهر يوم الجمعة الماضي في «بيت الوسط» يؤكد ذلك، فرغم تفاهمهما على بعض البنود المطروحة على جدول أعمال اللقاء بعد عملية «غسل قلوب» محدودة، لم يلتقيا بعد على أولويات الكثير من الخطوات المقترحة ولم يتّفقا على ما يمكن ان يتضمّنه مشروع قانون الموازنة من إصلاحات، كما بالنسبة الى بقاء الخلافات قائمة على سلة من التعيينات الإدارية والمالية والجامعية والإعلامية، والتي يمكن ان ينعكس استمرار الخلاف في شأنها على مصير ملفات أخرى.

 

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ هناك من يجزم بأنّ عدم القدرة على طيّ الأزمة النقدية وإعادة توفير ما تحتاج اليه سوق النقد من العملة الأميركية سيعوق الخطوات اللاحقة ويعقّدها.

 

فمظاهر الأزمة تهدّد في شكلها ومضمونها وتوقيتها الكثير مما هو منتظر من جهود. ولذلك كبر الرهان في الأيام القليلة الماضية على حراك الرئيس الحريري في أكثر من اتجاه، وأوله المشاركة في مؤتمر الاستثمار اللبناني – الإماراتي، وما يمكن ان تؤدّي اليه زيارة الدولة والوفد المرافق الى الإمارات العربية المتحدة من مبادرات وخطوات استثمارية ونقدية عاجلة لإنقاذ الوضع. فالمطّلعون على مضمون الاتصالات التي سبقت المؤتمر يمنّون النفس بحصاد لبناني وفير.

 

وإن صحّت التقديرات بإمكان ان ترفد أبو ظبي لبنان بوديعة مالية كبيرة تكسر حدّة أزمة فقدان العملة الخضراء من السوق اللبنانية سيكون خيراً. وان تقرر ان يساهم رجال اعمال اماراتيون وآخرون من المشاركين في المؤتمر، في الاكتتاب بسندات اليوروبوند المطروحة بملياري دولار، والتي تنتظر من يموّلها منذ صدورها من وزارة المالية، وتكليف بعض المصارف اللبنانية بتسويقها، سيكون الوضع أفضل بكثير ممّا يتوقعه احد.

 

وفي مقابل رهان البعض على وجود قرار خليجي كبير تترجمه ابو ظبي نيابة عن جيرانها الخليجيين المترددين في دعم لبنان لألف سبب، هناك من يخشى «النكسة الكبرى».

 

ومردّ ذلك الخوف من ان تتساوى الأثمان السياسية المطلوبة من لبنان مع تلك المطلوبة لتسييل بعض مليارات «سيدر واحد» وهو أمر سيقود حتماً الى مزيد من التعثر المالي والنقدي والاقتصادي في آن. كما ان استمرار الخلافات بين اهل السلطة على الكثير من القرارات المطلوبة بإلحاح سيزيد الطين بلة ويضيف العديد من المشكلات المعروفة الى اليوم.

 

والى كل هذه العيّنات مما هو منتظر، هناك من يخشى بروز ازمة مالية عالمية حادة في غضون العام المقبل تعزز المخاوف من حصول ما هو أخطر وأسوأ من انعكاسات على لبنان، فإمكاناته عبور ايّ خضة، كما عام 2008 غير متوافرة.

 

لكن هناك من يعتقد ان تقديم العون الى لبنان منذ اليوم، إن تحقّق، سيكون استباقاً لتخفيف وطاة ما هو منتظر ومن انعكاساته السلبية على لبنان. وفي انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة من تطورات، هناك من ينصح بعدم الحديث عن مؤامرات تزكّي نار الأزمة النقدية.

 

فالحلّ متوافر بأن يكتفي بعض من يتولون رعاية أعمال التهريب والتهرّب الضريبي وممن ينهبون المال العام ويضعون اليد على مؤسسات الدولة ومداخيلها بشكل غير قانوني الى الاكتفاء بما جنوه منذ عقود حتى اليوم والتنازل عما باتوا يعتقدون انه مكسب شخصي او طائفي او مذهبي للدولة وخزينتها، فلا يطول الوقت لتستعيد الخزينة العامة توازنها المالي والنقدي المفقود في وقت قريب.