IMLebanon

الحاكمية والاقتصاد النقدي أنعشا الملف الرئاسي

 

بعصا سحرية عاد الملف الرئاسي إلى طاولة المفاوضات الجدّية وتحالفاته الجديدة والقديمة وخلافاته وتجاذباته الداخلية العادية، والتدخّلات الإقليمية والدولية لمصالح عدة. عاد هذا الملف إلى الظهور، ليس بفضل اجتهاد وهموم السياسيين اللبنانيين، وحرصهم على انتخاب رئيس للبلاد، وسدّ الفراغ واحترام الدستور المطعون، لكن لأسباب عدة وضغوط خارجية.

على الصعيد الإقليمي، لا شك في أنّ الإتفاق الذي جرى أخيراً بين المملكة العربية السعودية وإيران، والصين، يُمكن أن تكون له امتداداته على المنطقة ككل، تتمحور حول المصالح النفطية، الإقتصادية، الإجتماعية، المالية والنقدية، ويُمكن أيضاً أن يكون إمتداداً للتوازنات والاستقرار في المنطقة، وفي لبنان تحديداً. التجاذبات في المنطقة لن تسهّل تطبيق هذا الإتفاق والتبادلات الراهنة جراءه. فيُمكن أن تكون هناك تدخّلات من هذه الدول الكبرى، ومصلحة مشتركة للإستقرار في لبنان، وتجميد الوضع الراهن من دون خلافات حادّة ومدمّرة والاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

على الصعيد الدولي، لا شك في أنّ البلدان الكبرى والعملاقة وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، لا تريد الفراغ المستشري في لبنان، وخصوصاً حصول الفراغ في منصب حاكمية المصرف المركزي، حيث أصبح مؤكّداً أنّ الحاكم الحالي سيغادر منصبه في تموز 2023. بعد تحويل لبنان من إقتصاد مُراقب دولياً إلى إقتصاد الكاش، الذي زاد مخاطر واحتمالات تبييض الأموال، والتهريب وتمويل الإرهاب والمخدرات، بات يشكّل خطراً محدقاً ومتزايداً ليس على لبنان فحسب، بل على كل العالم. وأصبح لبنان تحت المجهر من كل وكالات التصنيف الدولية، ويُمكن إدراجه على القائمة الرمادية بسبب ممارساته غير المرضية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب. فإدراج لبنان على هذه القائمة ستكون بمثابة ضربة كبيرة للبنان الذي يعاني تدهوراً مالياً منذ العام 2017، وأيضاً لاستقرار المنطقة والجوار. فهناك مصلحة مشتركة دولية للحدّ من الإنهيار ومحاولة إعادة بناء دولة القانون واقتصاد مراقب دولياً، عوضاً عن اقتصاد الكاش الخطر والتدميري.

هذه البلدان العملاقة تضغط بشكل كبير على السياسيين اللبنانيين، وتهدّد بعقوبات فردية وجماعية، على ممثلي الشعب، إذا امتنعوا وقاطعوا جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهناك حتى ضغوط جدّية وصارمة بعقوبات حتى على لبنان وفصله من المنصّات المالية والنقدية الدولية وتصنيفه رسمياً، ليس فقط على القائمة الرمادية فحسب لكن من بعدها على اللائحة السوداء وتصنيفه رسمياً بأنّه بلد المافيا والمافيات.

من لا يخشى العقوبات، فهذه الضغوط لن تغيّر موقفه، لكن الذي له حضور ومصالح تجارية في الخارج، يمكن أن يخاف ويرتجف من هذه العقوبات المالية والنقدية الدولية التي ستمنعه من السفر وتجميد أمواله في الخارج، وصولاً إلى الملاحقات الدولية وحتى مذكرات التوقيف إذا لزم الأمر.

على الصعيد الداخلي، نذكر ونكرّر، أنّ هذا الملف عاد ليس من الداخل لمواجهة أكبر أزمة اقتصادية، واجتماعية في تاريخ العالم فحسب، بل لأنّ المسؤولين المباشرين أو غير المباشرين عن هذا التدهور والتدمير الذاتي، لن يرفّ لهم جفن أمام آلام شعبهم، ويختبؤون وراء وعود كاذبة ووهمية، لإرضاء جمهورهم من دون أي نيّة للإصلاح وإعادة الهيكلة الداخلية، واحترام الدستور ومواعيده.

المضحك المبكي، أنّ التحالفات أو الخلافات هي حيال الأسماء المطروحة، ولن نرى أي تجاذب أو تنافس على خطط أو مشاريع أو حتى رؤية للمرحلة المقبلة. فعوضاً عن أن تكون الخلافات على المشاريع والخطط والإستراتيجيات، نلاحظ أنّ البازار مفتوح على الأسماء والمصالح الحزبية والمذهبية والطائفية، بعيداً من مصالح الشعب المرهق والاقتصاد المتدهور، والدولة المفكّكة، والبلاد المشلّعة.

في المحصّلة، لبنان على مفترق طرق، وهناك فرصة جديدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل نهاية حزيران 2023، وسريعاً الإتفاق على حكومة فاعلة وإعادة جهود السلطة التنفيذية، وسريعاً تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي لتنفيذ الإصلاحات المرجوة، وخصوصاً المطالب الجدّية من منظمات المراقبة الدولية، لمحاربة الفساد وتمويل الإرهاب والمخدرات وتبييض الأموال. أما الخيار الثاني، فهو متابعة الحفر في الخندق عينه المظلم والعميق، ومتابعة التدمير الذاتي وتدمير كل ما تبقّى من مؤسسات الدولة، والفراغ التام لكل المناصب وتجميد كل الإدارات والمنصّات الرسمية، وإنماء الإقتصاد الأسود، والتهريب، واتخاذ خيار فصل لبنان عن جذوره وارتباطه بكل المنصّات الدولية، ليصبح رهينة العقوبات الدولية ورهينة الأيادي السود، وإدراجه على كل اللوائح السوداء الدولية، وتحت العقوبات الدولية.