سيحتاج الأمر إلى أكثر من اجتماع بين رئيس البرلمان نبيه بري وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لمعالجة الملاحظات التي تتراكم من قبل الأول على أداء الحكومة التي يرعاها الثاني، ويوجه العديد من وزرائها سواء مباشرة أو عبر دوائر القصر الجمهوري وعن طريق الفتاوى القانونية التي تصدر عن بعض المستشارين، ويشارك في قراراتها من وراء الستار، بغطاء من حليفه “حزب الله”. فـ”الحزب” تارة يترك حليفه باسيل يحاول استخدام وزراء في الحكومة وأحياناً رئيسها حسان دياب، من أجل قضم مكسب أو موقع إداري هناك أو تحريض رئيسها على فريق هنالك، فيدعوه إلى التراجع إذا فشل ولقي مقاومة وممانعة، فينصحه بلقاء بري، وتارة أخرى يدعمه إذا وجد أن له مصلحة في اندفاعته.
أما بري الذي استقبل قبله دياب، فلسان حاله هو التساؤل متى سنبدأ بتنفيذ الحلول، وأين سيذهب البلد في حال استمرت الممارسات القائمة على الكيدية والاستئثار؟ وهو يكتم امتعاضه من إضاعة الوقت بممارسات لا تدل إلى الجدية في التعاطي مع الأزمة.
مكونات الحكومة تتناحر منذ تأليفها بعد إقحامها بلعبة المحاصصة، والسياسات الفئوية. حتى الخطة الاقتصادية التي أعدتها تعرضت للقصقصة والتغيير والشطب والإضافات من هنا ومن هناك، عما كان وضع هيكلها الأساسي وزير المال غازي وزني، مهما كان الموقف منها، فتحولت إلى تجميع لكمية من الأفكار المتشابكة من هنا ومن هناك، بحيث باتت قائمة على افتراضات في ما يخص بعض التوقعات والأرقام المالية.
مع أنه يمكن وصف من قاموا بذلك بالهواة، وبعضهم بقليلي الخبرة في التعاطي مع أزمة مصيرية من النوع الذي يمر فيها لبنان، فإن ردود الفعل عليها سواء من داخل الحكومة، ولا سيما من وزراء الثنائي الشيعي وتيار “المردة” الذين رفضوا تحرير سعر صرف الليرة، أو من خارجها ومن جمعية المصارف التي رفضت الإشارة إلى الاقتطاع من أرباح المودعين جراء الفوائد العالية، فإن الخلافات السياسية المواكبة لمناقشتها أرخت بظلها على عملية إقرارها.
وإذا أضيف رأي نقيب المحامين ملحم خلف القانوني بالاعتراض على عدم إشراك النقابة في صوغ الخطة، معتبراً أنها تتضمن نقاطاً غير قانونية وغير دستورية، فإن دعوة أقطاب السياسة اللبنانية إلى “الاطلاع” عليها لن ينتزع التغطية السياسية الوطنية لمندرجاتها، لإقناع المجتمع الدولي بالتوافق الوطني عليها. العهد بدوره، أضاع الوقت والبوصلة في خوض المعارك الجانبية تحت شعار محاربة الفساد مع بعض من دعاهم إلى اجتماع اليوم، ما حوّله إلى اجتماع مبتور. وسيكون التحدي في إقرار ما تفرزه الخطة من قوانين في البرلمان.السؤال الجوهري هو ما إذا كان صندوق النقد الدولي الذي طلبت الحكومة مساعدته سيعتبرها كافية لإقراض لبنان مبلغ الـ10 مليارات دولار على 3 سنوات، إذا اقتنع بالخطة. وسيكون على القيمين على التفاوض مع الصندوق حسم العديد من الأمور، منها هل سيعتمد لبنان نموذج “اقتصاد الدولة” الموجه، مثلما أوحى بعض نقاط الخطة لا سيما في القطاع المصرفي؟ أما النقطة الثانية فهي أن الصندوق سيصر أمام المشهد السياسي الزبائني في البلد، على مراقبة كل فلس ينفق في لبنان على أي مشروع وفي أي مجال، إذا قرر إقراضه.